هيا عادل حمزة - لستُ.. انا! (مونودراما)

الشخصية لشاب في مصحة
المكان: غرفة في مصح..
المشهد (يستلقي الشاب على سرير قديم على المسرح بأصابع متشابكة تحت رأسة ويتخذ وضعية قدم فوق الاخرى متأملا في السقف، الاضاءة خافته، صوت للساعة، جدار المسرح متفطرة عليها اسماء وتواريخ، دماء متناثرة) تك..تاك تك..تاك الى حد ما اصبحت غير راغب في المحاولة.. اصبحت لا رغبة لي بالتوقف ولا الاستمرار، شيء ما يشبه التجمد، التجمد الكلي، لحظة قد غفوة في العالم العلوي ام السفلي لست اتذكر عدا ومضة، حبة سوداء ربما زاوية في غرفة. اغرق في صمت الأنفاس، اختناق، اتصبب عرقا ام اني بالفعل اغرق، تشبثت بشيء ما ظننته طوق نجاة كان حجرآ اخرآ، ارتطمت به، بعثرني، انتهى بي في القاع ، فقدتني(يجلس الشاب على السرير مطأطأ الرأس بكسل وخيبة). الربيع الخامس والعشرون المفترض أني احتفل بعيد ميلادي مع اصدقائي الا اني محشورا الآن في أحد مراكز اعادة التأهيل لمدمني المخدرات. يا لحظي العاثر.
(يركض الشاب مسرعا امام المرأة يخاطب نفسه) لأول مرة بعد معاناة اشهر وأنا حبيس في هذه الغرفة كل ما يواسيها سرير لا اعلم كم مدمن نام علية وكم مدمن اخر قضى نحبه، خزانة ملابس اعتادت على تحمّل ملابس المرضى بروائح الادوية المزعجة وبقايا حبوب ممتزجة باللعاب متلحفة بالثياب تاركة بقع كجروحنا التي لا تشفى.. لم يسليني سوى ضوء خافت(يشيح بنظره باتجاه النافذة الصغيرة القريبة من السقف) كأنه يترقبني خلال الاثني عشر ساعة، يتصيد نظراتي لأعد تلك الذرات وهي تسبح في الفضاء، اعدّها بشغف وانتظرها بعد غياب الاثني عشر ساعة الاخرى، بعد كل دقّة لتلك الساعة التي اجهل حتى شكلها (يعود مرة اخرى لينظر في المرآة بتأمل- اندهاش وابتسامة وتغير بتعابير الوجه )اغتربت عني طويلا، آه كم ابدع الحلاق بجعلي جميلا، اتطلع على جنبي بذهول وكأني لست انا، اتقرب اكثر لأرى، هل هي تلك وجنتاي بالفعل قد عادت الحياة لها ام لست انا، (يلمس الشاب جبينه،عينيه ،وجنتيه) ذقني، الله، ربي اين اختفى ذاك الشحوب، وكأني عدت للحياة مرة اخرى، لم اكن مدركا كيف كنت اقتل نفسي وانا اتجرع تلك السموم يوما بعد آخر، كم كنت غبيا، أين كان عقلي حينذاك .( يلتفت الشاب وكأن شخصا قد خاطبه ) نعم انا جاهز (يستدير) اوه جميلتي، لن اجعلك تنتظرين اكثر (حقيبة سوداء للثياب في احد اركان الغرفة) هل تستعجلينني للخروج من هذا المعتقل تاركا خلفي تلك السموم (يلوح الشاب بيديه ) على ارض الغرفة هنا عانيت نوبات الهلع، هنا قيء، وهنا ارتطم رأسي، وهنا سددت لكمة للباب المقفل..(يسير بارتباك ذهابا وايابا) كنا نمزح ... كنا نمزح.. كنا قد مللنا الانتظار (يخاطب الجمهور) نعم مللنا الانتظار انتظار الشهادة..
قال لي: اجعلني شهيدا كان يضحك باستفزاز..
قلت له: لا تمزح في السلاح، لا تفعل.. لا تفعل.. لا تفعل (حركات هستيريا ويدا الشاب فوق رأسه) لم اسمع سوى اطلاقات.. لست انا (يتجه نحو الجمهور) لست انا.. اوه، لست انا.. لس... ت (انفاس متقطعة) انا من قُتل، لست انا من قَتل كان هو كان هو لا .. لا يا الله لا.. لا. (يركع الشاب بندم وبكاء ليختفي بركن من اركان الغرفة تبهت الإضاءة شيئا فشيء ولايعلو المسرح عدا نحيب الشاب ،أصوات تسمع من الخارج) قاتل ،قاتل قتل صديقة ( يصرخ الشاب) كنا نمزح، كنا نمزح، لست انا، لست انا (يستلقى على السرير مرة اخرى بوضعية القرفصاء- ذرات غبار مع الضوء الخافت تنبعث من نافذة صغيرة في اعلى الغرفة يتأمل بها يشعر بالبرد) اوه، اني ابرد، عانقني يا ضوء نعم، التصق بي، تلك الرصاصة التي اصابته أصابت جزء مني، سببت الشلل لعقلي (هذيان) اشعر بالفراغ كأني ورقة بيضاء لا اعلم ما ستكون اول كلمة في اول سطر، خاليا تماما ، مرتعبا خائفا، خجلا من فضاعة فعلتي.(ينقلب الشاب على الجانب الاخر يدمدم مع نفسه) الضجيج في رأسي، وزحام من التساؤلات والمخاوف والارتباك، الا اني صامتا، خائفا، ان لا اكون قويا بقدر كافٍ لأقاوم تلك الرغبة القوية التي اجتاحت كياني وسلبتني الحرية لتستعبدني تحت جرم التعاطي.. لن اقلق انا قوي سأنجح، نعم ، نعم سأنجح، بدا كل شيء مختلفا، جميلا، كل شيء كأنه بدا بالوان، الوان غابت عني، صورتك ما زالت عالقة في ذهني، يوم ودّعتني، لكنك لم تدرك أن رحيلك قد قتلني.
(يحتدم صراع الذات ويتقلب الشاب يمينا ويسار وتتقلب الاضواء مرة باهته في جهة الخوف والذنب واخرى قوية حيث القوة والاعتراف بالخطأ وتحمل المسؤولية حيث تشوب حالة من التناقضات البشرية المزرية- يغطي الشاب كلتا إذنيه بيديه العاريتين هاربا من الاصوات وحالة الهلوسة والهذيان)
كنا.. كنا نمزح.. انا قاتل.. هو قال.. (وميض في أحد اركان الغرفة قطعة زجاجة مكسورة، بتوتر يلتقطها) اه، واخير سأنتهي منكما (يقطع وريده) تك. تك.تك. (يفتح الشاب عينيه، يبتسم)
اظلام- ستار

هيا عادل حمزة/ العراق

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى