يحدق في الظلام ساهماً، قبل أن يغمض عينيه ويغرق فى ليل ماطر، لقريته التى أصبحت أسمنتية، بعد أن تقلصت المساحات الخضراء، حتى الأشجار ذبحوها، لتصبح مقعداً بارداً فى حديقة لا يرتادها أحد، أو طاولة للطعام، إرتفعت العمائر إلى طوابق عدة يسمونها الأبراج بعد أن كانت دوراً واحدة،
- إشتاق لخبز أمه، العيش المرحرح والبتاوي، الذى كان يغمسه فى العسل الأسود، ثقافة القرية تغيرت بعد أن عرفت الدجاج المجمد، والصدور المقرمشة بخلطات التوابل، والبطاطس نصف المقلية، بعد أن تبدلت محلات البقالة إلى سوبر ماركت مزودة بالثلاجات، الشيء الوحيد الباقى فى القرية، هو طيبة أهلها والمشاعر النبيلة الدافئة فيما بينهم،
تذكر كتّاب القرية وعصا الشيخ أبو ستة التى كانت تلهب ظهره حين يتقاعس عن حفظ القرآن،
يتمنى تقبيل يده، فبفضله أصبح وكيل وزارة،
لم يكن يتقاضي نقوداً، وإنما بعض من كيزان الذرة وحفنة من الأرز، وبعض من بيض الدجاج، يحل ضيفاً على موائد الغذاء فى كل دور القرية، وهو للحقيقة لم يكن ضيفاً ثقيلاً،
كان الصغار يلتفون حوله لأنه حكاء جيد للحكايات، التى حدثت والتى لم تحدث، وأغلبها من نسج خياله الذي لا ينضب، وكان الجميع بلا إستثناء
لا يتأخر عن تلبية طلبات الشيخ،
حتى لا تصيبهم لعناته وسبابه غير الجارح،
حكى عن والده الشيخ عسران، والذى سمي بذلك لأنه كان يأكل ويضرب الأولاد أثناء حفظ القرآن بشماله،
قالوا له يوماً :
إن الشيطان يقاسم طعام من يأكل بشماله، فشرب سم الفئران ليقتل الشيطان، يومها تلوى من الألم، وأعطوه شربة زيت خروع، فتقيأ الطعام ونجا من الموت،
حكى أيضاً عن أبيه الذى كان يلقي دروساً في المسجد، أنه من بين
ما قال أثناء خطبته فى المسجد : أن الكلب حيوان نجس، إذا بال على جدار بيت، لابد من إزالة الجدار !
جاء أحدهم بعدها بأيام للشيخ عسران قائلاً : الكلب يا سيدنا بال على جدار بيتكم،
قال عسران : قليل من الماء يطهره،
بعدها توقف عن إعطاء الدروس بالمسجد، بعد أن إنفض من حوله المصلون، وأكتفى بتحفيظ القرآن للصغار، فى حجرة صغيرة من البيت سميت بالكتّاب، والتى توارثها إبنه أبوستة، والذى سمي بهذا الإسم لأن له إصبع زائدة فى قدمه اليمنى،
كان يكتفى فى بعض الأحيان بثمرة برتقال إذا وجدت، وقليل من الشاى الجاف، ومعلقتين من السكر ليحتسي وحده كوب الشاى الذى كان يعده فى منزله على وابور الجاز، ولأنه كان فى السبعين من عمره، تعوقه بطنه المدلاة أمامه عن الحركة، فقد إشتبكت النار يوماً فى جلبابه فأخذ يصرخ، وإستطاع الجيران إطفاء النيران بالمياه التى أغرقت حجرته، والتى قال عنها :
لا شيء يهم أمام نجاته من الموت،
سأله أحد تلاميذ الكتّاب : كيف أمسكت به النيران والنار لا تحرق مؤمن..؟!
أجابه أبوستة : أسكت قبحك الله، المؤمن دائماً مصاب،
- مات عسران وولده وبقيت حكايتهما التى لا تموت .
- إشتاق لخبز أمه، العيش المرحرح والبتاوي، الذى كان يغمسه فى العسل الأسود، ثقافة القرية تغيرت بعد أن عرفت الدجاج المجمد، والصدور المقرمشة بخلطات التوابل، والبطاطس نصف المقلية، بعد أن تبدلت محلات البقالة إلى سوبر ماركت مزودة بالثلاجات، الشيء الوحيد الباقى فى القرية، هو طيبة أهلها والمشاعر النبيلة الدافئة فيما بينهم،
تذكر كتّاب القرية وعصا الشيخ أبو ستة التى كانت تلهب ظهره حين يتقاعس عن حفظ القرآن،
يتمنى تقبيل يده، فبفضله أصبح وكيل وزارة،
لم يكن يتقاضي نقوداً، وإنما بعض من كيزان الذرة وحفنة من الأرز، وبعض من بيض الدجاج، يحل ضيفاً على موائد الغذاء فى كل دور القرية، وهو للحقيقة لم يكن ضيفاً ثقيلاً،
كان الصغار يلتفون حوله لأنه حكاء جيد للحكايات، التى حدثت والتى لم تحدث، وأغلبها من نسج خياله الذي لا ينضب، وكان الجميع بلا إستثناء
لا يتأخر عن تلبية طلبات الشيخ،
حتى لا تصيبهم لعناته وسبابه غير الجارح،
حكى عن والده الشيخ عسران، والذى سمي بذلك لأنه كان يأكل ويضرب الأولاد أثناء حفظ القرآن بشماله،
قالوا له يوماً :
إن الشيطان يقاسم طعام من يأكل بشماله، فشرب سم الفئران ليقتل الشيطان، يومها تلوى من الألم، وأعطوه شربة زيت خروع، فتقيأ الطعام ونجا من الموت،
حكى أيضاً عن أبيه الذى كان يلقي دروساً في المسجد، أنه من بين
ما قال أثناء خطبته فى المسجد : أن الكلب حيوان نجس، إذا بال على جدار بيت، لابد من إزالة الجدار !
جاء أحدهم بعدها بأيام للشيخ عسران قائلاً : الكلب يا سيدنا بال على جدار بيتكم،
قال عسران : قليل من الماء يطهره،
بعدها توقف عن إعطاء الدروس بالمسجد، بعد أن إنفض من حوله المصلون، وأكتفى بتحفيظ القرآن للصغار، فى حجرة صغيرة من البيت سميت بالكتّاب، والتى توارثها إبنه أبوستة، والذى سمي بهذا الإسم لأن له إصبع زائدة فى قدمه اليمنى،
كان يكتفى فى بعض الأحيان بثمرة برتقال إذا وجدت، وقليل من الشاى الجاف، ومعلقتين من السكر ليحتسي وحده كوب الشاى الذى كان يعده فى منزله على وابور الجاز، ولأنه كان فى السبعين من عمره، تعوقه بطنه المدلاة أمامه عن الحركة، فقد إشتبكت النار يوماً فى جلبابه فأخذ يصرخ، وإستطاع الجيران إطفاء النيران بالمياه التى أغرقت حجرته، والتى قال عنها :
لا شيء يهم أمام نجاته من الموت،
سأله أحد تلاميذ الكتّاب : كيف أمسكت به النيران والنار لا تحرق مؤمن..؟!
أجابه أبوستة : أسكت قبحك الله، المؤمن دائماً مصاب،
- مات عسران وولده وبقيت حكايتهما التى لا تموت .