محمد محمود غدية - طاولة من الرخام البارد

دون الثلاثين بقليل جميلة، تابعها وهى تتنهد فى راحة، أغمضت عينيها وإبتسامة مقتضبة تداعب وجنتيها، طوى الصحيفة وشرب فنجان القهوة دفعة واحدة،
حتى لا يشغله شئ عن التحديق فيها،
المقهى يتخفف من الرواد، والشمس ترتدى حلل الغياب، متمسك بالحياة رغم قناعته
أن الإنسان يولد ليموت !
وبين الميلاد والموت، يصنع حضارة ويطور أسلحته فى مواجهة كوارث الطبيعة،
أدرك مؤخرا، أن كوارث الإنسانية أصعب إيلاما وأشد ضراوة، هبت رياح خفيفة حاملة رائحة عطرها الذى إستنشقه، فانساب فى أعماقه كنسمة رقيقة رطبت روحه التى ترفض الإستسلام للإنكسار، هل يمكن لتلك الشرارة المتوهجة التى إجتاحته وتمكنت منه أن تنطفئ ..؟
هل هى وحيدة مثله، أم تنتظر الآخر وكيف يبدو ؟
لابد وأنها لم تتغرب وتكابد مثله.. !!
لمح في عينيها الوديعتين الصافيتين دموعا، فتجاوب معها فى التماعات صافية، مستسلما لسطوة حضورها الجميل، وطغيان روحها الآسرة، أخذ يتأمل رخام طاولتها الذى كان باردا قبل أن يحتويها،
هناك مقعد وحيد مواجه لها، وجد نفسه وقد أحتله، بعد أن صار وجهه الشاحب أكثر بهجة، لن يحدثها عن مرارة الحب الذى تجرعه فى الأمس البغيض، إنهما وليدا اللحظة التى ينبغى أن يتمسكا بها، لن ينقل حزنه إلى عينيها الجميلتين،
ساقتها له الأقدار عوضا عن جفاف أيامه، لم تكن تنتظر غيره، ماأشقى الإنسان الذى يتجرع مرارة الغياب وحده، طلب لها شاى ممزوجا بالنعاع الأخضر، دون أن يسألها،
تذكره بروعة أبطال الأساطير، وجلال الظواهر الخارقة، زهرة برية، إشتعل فيها الندى، إختلطت الأضواء والظلال والدموع والضحكات، أى قوى عاتية إجتاحت صحراء حياته، وحولتها إلى جنة فيحاء، تلفه موسيقى كمنجات تعزف أجمل الألحان، ويسبح فى حلم جميل، يغادر المقهى بعد أن عاد إليه وجهه الشاحب وهو يلملم بقايا تذكاراته، بعد أن أدرك أنه لا إمرأة هناك،
ولا شيء سوى طاولة من الرخام البارد، وحيدة مثله .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى