محمد محمود غدية - ترنيمة طائر وحيد

الليل دافئ رغم النسيم الخريفى، الذى يحمل عطرا إختلط بملح البحر، تتكسر موجاته وتضرب فى كل الإتجاهات، يصيبه رذاذها الذى يسرى فى الأعطاف، يهدهد مشاعر الوحدة، وتخلى الأهل والأحباب، بعد أن طوحتهم تصاريف الحياة بعيدا،
عاد من غربته يحصى الفاقد من عمره، وقد إمتطى صهوة الخمسين، لا شئ سوى أرصدة بنكية قابعة فى بهو حديدى بارد، لم تفلح فى توفير السعادة وراحة البال، سور الكورنيش الحجرى المكسو بزبد البحر الأخضر، يسلمه لمناوشات الأفكار، وهى تتداعى وتمسك بعضها برقاب بعض، يراها فى كل النساء نضرة كفاكهة الصباح،
جمالها شديد الخصوصية، كانت تحاصره بعينيها الجميلتين وتجرده من أسلحة الدفاع عن نفسه، حين يتأخر دقائق فى لقاءه بها،
رفضته أسرتها حين تقدم لخطبتها بعد تخرجه، وحالت إمكانياته البسيطة وقتها بالفوز بحبيبته، وسافر لتجرع المرارة دونها، تعجب للأقدار التى تعيد ترتيب أمورنا على نحو لا نرغبه،
تعلق بصره بالطيور السابحة فى الفضاء ، فى جماعات تبتعد رويدا رويدا، حتى تختفى عن الأنظار، وحيدا يعيش مساءات باهتة، ويلفه صمت موحش، سرت به قشعريرة باردة رطبت خياله، لم يفلح فى زحزحة الألم الذى يحاصره ويعتصره، مستسلما لسطوة حضورها الجميل، وسط ضوء شاحب، يسكبه قمر وحيد مثله، يجوب طرقات المدينة الأسفلتية، يصحبه وجع إمرأة فى الغياب، وقدم مغبرة بالتراب، وترنيمة طائر وحيد غاب فى قشرة السكون .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى