د. مصطفى الضبع - كنزي.. قصة

في فندق قديم عثرت عليه في غرفة أسطورية، ناعما كان ، تغريك نعومته ألا تغادره ، وربما لا تفكر فيما سواه ، بدا لي أنه أسطورة ، قريبا من نافذة تطل على سد مائي كبير ، للوهلة الأولى لم أفكر أن له مالكا آخر فمثله لا يفرط فيه عاقل ولا يهمله من له قلب.
من يومها تغيرت حياتي: علاقتي بالآخرين ، نظرتي للحياة ، انشغالي بالقضايا المصيرية ، رؤيتي للكون وتفاصيله التي أصبحت مدهشة .
الشيء الوحيد الذي وجدته فلم أفكر في التنازل عنه ، كان يصلح لأشياء كثيرة ، تفاءلت به حتى صحبته في كل مكان أذهب إليه ، وحين كنت أسافر خارج البلاد ويكون من الصعب مصاحبته كنت أضعه في مكان أمين حتى أعود .
في الشتاء حين يلتصق بي ، أشعر به قاسيا عندها يكفي أن أبتسم في وجهه أو أمسد وجهه فينتشي ويروح في أحلامه .
أحيانا يبدو قطا أليفا لا رغبة لديه سوى ملازمتي في كل زمان ، وأحيانا يبدو كائنا غير أليف مخلص لبداوته لا يغادرها ، وفي كثير من المرات (قبيل حلول المساء يبدو رومانسيا هادئا يعايش عصريته باحتراف ويمارس طقوس عمله بإخلاص نادر)
أحادثه فينصت وأسأله فيومئ بإشارة الفاهم المنصت بحكمة ، وحين يمرض يعتزلني أياما قبل أن يعود وقد ولد من جديد .
حين انتهي من عمل مرهق أبحث عنه لأنسى جهد العمل وتوتر الحياة أدخل إلى عالمه فيمتص الوقت سريعا وأنام منتشيا وقد تخلصت من همومي المتثاقلة ، وحين ينام أنتظره حتى يعود مرة أخرى للحياة.
ألجا إليه حين تضيق بي الأيام أو أشعر بغدر الأصدقاء أو مؤامرات زملاء العمل ، لديه حلول لكثير مما تعانيه البشرية غير أنه لا يحبذ الاجتماع مع غيري عندها أشعر أنني وسيلته لإدراك العالم من حوله فأنتشي ، وفي وجوده تبدو الحياة خالية من البشر سواه.
لا يجالسني إلا في أحسن حالاته وأبهاها يأخذني عطره لغابات بعيدة وأحلام متواصلة ، وفي لحظة نشوته يهتف بسعادة : أنا سر من أسرار البشرية ، أنا مبتدأ التاريخ وصانع لغة المجاز ومؤسس الحضارات ، وباعث الحياة في الضمائر الميتة ، أنا قلب العالم وفم البشرية المعطاء …… يغادرني النوم فأروح أتأمله مقولاته في حلم هادئ يليق به .



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى