فارس علي حزين - أضغاث أحلام

على أدراج سُلَّم سطح المنزل تتصاعد الأقدام المترددة في ثقلٍ شديد تتخللها نسمة هواءٍ خفيفة ممزوجةٍ بضوء شروق الشمس ، وحالما انتهت ساقاه إلى آخر درَج يُفاجئ بوجود حبيبته التي تركته منذ فترة طويلة وهي أمامه جالسةً بالقرب من أمها متبادلتان مشادةً كلامية بنبراتٍ صاخبة .. ينظران إليه فور إحساسهما به فيتوقفا عن الكلام وكأنه شبحٌ أمامهما ظهر من العدم ، بينما هو يضربُ أخماساً في أسداس ويتساءل في نفسه كيف وصلتا إلى سطح بيته ومتى جاؤوا إلى هنا ، ثم يجد نفسه لا إرادياً يتحدث مع أم حبيبته عن ماذا يفعلون هنا ، فيلتفت سريعاً فلا يرى حبيبته القديمة بجانبهما وإذ يرى أمامه نافذةً مفتوحة من البيوت المطلة على سطح بيته وموجود بداخلها شابٌ في مثل عمره وبجانبه حبيبته القديمة بثيابٍ شبه عارية فتجري ثورات براكين العالم كلها في عروق يديه من شدة الغيرة والغضب ، و.....
ــ الله أكبر الله ، الله أكبر الله أكبر
يستيقظ على صوت أذان الظهر وأشعة الشمس تضرب في عينيه متسللةً عبر نافذته المفتوحة ، لم يندهش كثيراً ولم يستغرب أبداً بأنه كان في حلمٍ غريب جداً وذلك لأنه إعتاد بآخر فترة على أشياء غريبة تحدث في منامه وحالما يستيقظ كل مرة يجدها تحدث بالواقع كما كانت بالضبط في أحلامه ، ولكن الغريب كل الغرابة أنه كان دائماً يحلم بحبيبته التي هجرته ورحلت أدراج الريح بدون أسبابٍ ولا مقدمات ، وفي كل مرة يجد نفسه في أحلامه يتحدث معها أو يتعامل معها كما كان دائماً ، أما هذه المرة فحلمه غريبٌ تماماً ،.....
ينفث ثلاثاً علي يساره ويستعيذ بالله من شر ذلك الحلم ويسأله خيره
ــ مش عارف أنا ليه لسه بحلم بيها كل مرة مانا خلاص نسيتها ، أوووف
يلملم جسده المتهالك وهو يفرك عينيه ويجلس على أريكته شارداً
ــ بس المرة دي كانت بجانب شاب معقولة تكون ارتبطت أو تزوجت !!!
يزمجر عقله وقلبه ويتصارعان في آنٍ واحد وتحدث حروبٌ دامية بينهما لا يعلم بضراوتها إلا الله ، يمسك رأسه بيديه يحاول تهدئته ليستعيد ذهنه من جديد ، يفكر في آخر الأشهر السابقة التي كانت تتخلله أحلامٌ غريبة تحدث مع تلميحات يفهمها وتتحقق بعدما يستيقظ من نومه ، وربما بعضها كانت واضحةً بدون تلميحات ويجدها مثل ما رآها في حلمه تماماً ، حاول كثيراً وقتها أن يجد لذلك تفسيراً أو شرحاً ميسراً ليفهم ما يحدث معه في هذه الفترة الأخيرة من الأحلام التي تراوده وتتحقق مثل فلق الصبح ، بحث كثيراً بدون كلل ولا ملل في شبكة الانترنت وكانت كل المعلومات تتمحور حول فرضيات عديدة ؛....
منها أن الإنسان إذا كان مهتماً جداً بشخص فسوف يراه في منامه وذلك ينتجه عقله من استجاباتٍ نفسية داخلية عميقة ،....
ومنها أن الإنسان تمر عليه أوقات يشعر فيها أنه قد رأي من قبل ما فعله تواً ، أو شاهده من قبل ، أو حدث معه ذلك الموقف ، بينما في الواقع لم يحدث ذلك ولكن عيناه رأت هذا المكان أو ذلك الموقف ونقلته بسرعة إلى الذاكرة قصيرة المدى وحينما يغمض عينيه ويفتحهما يكون قد سجل عقله معلومات كاذبة بأنه رأى هذا الموقف من قبل ، وهذا ما يحدث بالمواقف التي يظن الإنسان أنه رآها في الحلم أو الواقع بينما هي لم تحدث قط ،....
ومنها أن الأحلام جلها بمشاهدها الغريبة انتقلت إلينا من الأجداد بالأجيال الأُول السابقة منتقلةً عبر الجينات الوراثية للإنسان ،....
لم تشفي غليله هذه المعلومات التي تُعد فرضيات وليست قواعد علمية ، فهو ميقن ومدرك ومتأكد وجازم بأنه يرى الحلم ليستيقظ فيجده حقيقة ملموسة ، شعر بأن تلك المعلومات تخبره جميعاً في آنٍ واحد :
ــ ما هي إلا أضغاث أحلام
استفاق من شروده وقام يشرب شربتين أو ثلاثة من الماء يبل به ريقه ويهدئ به من روعه فهو لن يجد الصدِّيق يوسف ، عليه السلام ، ليفتيه في شأن أحلامه ويشفي بال عقله الذي كاد يُجن ، ولكنه لم يفقد عزيمته في البحث بعد فقد ذهب إلى شيخٍ وعالمٍ بالدين ومُلمٌ بالعلوم النفسية وشرح له ما يحدث معه بالضبط ، فطمأن قلبه بكلماتٍ روت ظمأ ورودٍ كادت أن تموت في قلبه
ــ يا بني اطمئن ولا داعي للقلق والخوف فهذه شفافيةٌ مع الله وهبةٌ يهبها الله لمن يشاء من عباده
ــ كيف يا شيخ وأنا لا أقول إني ملتزم بكل كبيرةٍ وصغيرة في الدين ولا أقول إني ملك ، ولست إلا إنساناً عادياً
يبتسم الشيخ ويربت علي كتفه برفق قائلاً له :
ــ كما أخبرتك هذه هبةٌ من الله وشفافيةٌ مع الله يهبها لمن يشاء فلا تقلق وعش حياتك طبيعياً
كانت كلماتٌ قليلة تصدر من فم الشيخ ولكن أثرها العميق عالج في القلب ما لا تستطع فعله عشرات المواقع والمعلومات عبر شبكة الإنترنت
عاد إلى منزله مرتاح البال نوعاً ما عن السابق وبدأ يتعايش مع وضعه كما نصحه الشيخ ....
الساعة السابعة والنصف صباحاً والقطر يقطع المسافات البعيدة في ثواني معدودة وهو جالسٌ في مقعده للذهاب إلى جامعته حتى يسأل عن النتيجة هل ظهرت أم لا ، فيجد نفسه تلقائياً يقول :
ــ أنا نجحت الحمد لله نجحت
وجميع من في عربة القطار لا يبالون لتصرفاته الغريبة تماماً ،....
ــ قوم اصحى يابني ده كله نوم يلا تعالى عشان تفطر معانا
ــ حاضر أنا جاي لكم دلوقتي
يغسل يديه ووجهه ويذهب للفطار مع عائلته وبعدما انتهى من تناول الطعام عاد لغرفته مع كوبٍ من الشاي الساخن ، أمسك محموله الخاص به ليتفقد صفحة جامعته على الفيس بوك التي تأخرت في إظهار نتيجة هذا العام كثيراً ، فتقع عينيه على أول منشور في الصفحة وقد تم نشره منذ سويعات قليلة ، وموجود به نتيجة عامه الدراسي ، ضغط بسرعةٍ علي المنشور وأخذ يقرأ في جدول الأسماء حتى عثر على اسمه ، وقتها هتف بقوة :
ــ أنا نجحت الحمد لله نجحت
وذهب بسرعة الضوء إلى أبويه ليلقي عليهما بشرى نجاحه فأخذت السعادة تعم الجميع وتملأ قلوبهم جواً من البهجة والسرور ،...
شرد برهة من الزمن وتذكر حلمه عن نتيجته هذا اليوم ، ابتسم لعدة ثواني وراح يكمل سعادته مع عائلته في نشاطٍ وحيوية .
**************
تمت مساء الجمعة 2/8/2022
بقلم : فارس على حزين
مصر _ سوهاج _ طهطا

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى