قصة قصيرةتفرغ عبد السلام للسرقة رفقة مجموعة من اللصوص الصغار. عندما يسطون على حقيبة أو حذاء أو قميص أو هاتف، يلتقون في المقبرة، ويقتسمون الغنائم.
اعتاد أن يخرج من السجن، ثم يعود إليه. في إحدى المرات حاول سجين مُلقّب بالذئب اغتصابه، لكنه ظل يصرخ، والذئب يضربه دون جدوى، حتى تدخل الحُراس.
تعلّم في السجن الضرب بموس الحلاقة، وتدخين الحشيش والقنب الهندي، وشرب الكحول، وتناول الأقراص المخدرة، ووَضْعَ يده على مؤخرته قبل أن ينام. احترف عدة مهن، ولم يفلح في أي منها.
وهو يمر من أمام مسجد البر، كم كانت دهشته كبيرة عندما رأى الذئب الذي حاول اغتصابه في السجن بلحية طويلة مصبوغة بالحناء كالأمير يتقدم مجموعة من الأتباع، والبعض ينحني ويقبل يده.
انتابه الشك. الناس تقول بأن الله سبحانه يخلق من الشبه أربعين. واستدرك بأنهم يقولون أيضا بأن المرء يمكن أن ينسى كل شيء إلا الشخص الذي حاول اغتصابه، أو الشخص الذي استدان منه مبلغا من المال ولم يرده إليه.
سرح خياله بعيدا، ثم سأل نفسه:
ـ يا رب هل يمكن أن يحدث هذا!؟ هل يمكن أن يتحول لص، وتاجر مخدرات، وخريج سجون إلى شيخ ورع، يُصلي ويُسبّح، ويلبس ثيابا فاخرة، ويُقبّل الناس يده؟
ـ كل شيء ممكن في هذا الزمن. بعض الناس حار معهم الشيطان، ونافسوه حتى تفوقوا عليه، وأصبح عاطلا عن العمل، ويُفكر في أن (يحرق)* إلى بلد آخر. ألم تسمع وتقرأ قصة المرأة الداعية المحجبة التي تفيض تقوى وورعا في أشرطتها المُسجّلة، كيف داهمها الدرك بشاطئ المنصورية بعد صلاة الفجر، وهي تُساعد الداعية عشيقها على القذف كما اعترفا بذلك في المحضر الذي انتشر في الانترنيت مثل النار في الهشيم!؟
تَتبّعهُ وهو يخرج مُحاطا بأتباعه، ويتجّه ناحية الرصيف الآخر. لاحظ بأن الجرح الغائر فوق الحاجب لازال ماثلا للعيان. لم تستطع الدائرة السوداء فوق جبهته التي يشبهونها بالدينار تغطيته. فتح أحدهم باب السيارة، وركب الشيخ في الخلف، صعد السائق إلى المقعد الأمامي، وأدار المحرك، وانسابت السيارة وسط الزقاق حتى اختفت عن الأنظار.
عَلّق مندهشا ، وهو يتحدث مع نفسه كمن أصابه مَسّ:
ـ السائق! والسيارة (كات كات توارك)! ربما يتجه إلى قصر أو فيلا، وقد يتزوج مثنى أو ثلُاث!؟
ـ لا ليس هذا عدلا! أبي الفقيه المسكين، قضى حياته كلها يُصلّي ويستغفر، ويُعلّم القرآن للأطفال، ويأكل الحلال، ولم يُقبّل أحد يده، ولم تنزل عليه سيارة من السماء. مات دون أن يترك لنا ما نستر به عورتنا في هذا الزمن الجائر.
ـ ربما نسي والدك أن يُصبغ لحيته!
ـ العنِ الشيطان يا رجل ؟
ـ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم!
ـ أنسيت كلام والدك، وهو يؤم سكان الحي في خطبة يوم الجمعة، ويقول بأن الله يُرزق الناس من حيث لا يَحتسبون؟
ـ بلى سمعت، ولكنه ربط ذلك بالتقوى. وقال بأن الرزق قد يكون عملا شريفا، أو أمنا وراحة بال، أو زوجة صالحة وأبناء مُتخلّقين، وليس آخر موديل لسيارة من نوع (توارك أو مرسيديس)
ـ أمر لا يُصدقه العقل. السيارة، والثياب الفاخرة، و(الفيلا)، والنساء اللواتي يُتلفن الإنسان عن القِبلة، ليست أرزاقا تنزل من السماء. ثمة سر وراء ذلك!
المعجم
ـ يحرق : يهاجر بشكل غير شرعي.
مراكش 06 يونيو 2021