المقاهي أ. د. لطفي منصور - جَلْسَةٌ في مَقْهَى Greg الطِّيرَةْ خَيْرٌ مِنْ رِحْلَةٍ في شَخْتورَةْ (قارِب).

مَقْهًى في نَشَزٍ جَنوبَ غَرْبِيِّ الطّيرةِ، ضِمْنَ الْمُجَمَّعِ الْكَبيرِ، قَرِيبًا مِنْ سُوقِ السَّبْتِ الْمَشْهورَةْ، عَلَى الشّارِعِ الْعامِّ.
يُحِيطُ في الْمَقْهَى مِنَ الْغَرْبِ وَالْجَنُوبِ بَياراتُ الْبُرْتُقالِ الْخَضْراءُ الْيانٍعَةُ، وَهِيَ سَوادُ الطيرَةِ لِعُمْقِ اخْضِرارِها، الذِي يُريحُ الْبَصَرَ لِمَنْ يَنْظُرُ إلَيْهِ.
تُعْجِبُنِي الْخِدْمَةُ الْمُقَدَّمَةُ مِنَ النَّوادِلِ ، سَواءٌ بِاسْتِقْبالِ الزَّائِرِينَ، وَإرْشادِهِمْ إلى أماكِنِهِمْ أَوْ بِإعْدادِ ما يَرْغَبونَ بِهِ مِنْ مَأْكَلٍ أَوْ مَشْرَبٍ.
وَتمْتازُ قَهْوَةُ مَقْهَى Greg بِنَكْهَتِها الطَّيِّبَةِ، وَمَذاقِها الطَّيِّبِ الْمُتَمَيِّزِ، وَرائِحَتِها الَّتي تُهَيِّجُ الرَّغْبَةَ لِشُرْبِها.
تَمْتازُ الطِّيرَةُ الْيَوْمَ بِمَقاهِيها الْمُنْتَشِرَةِ في أَرٍجائِها، وَبِجَمِيعِها يُلْتَذُّ الْجُلُوسُ والتَّمَتُّعُ بِأَحْلَى الْمَناظِرِ، وَأَفْخَرِ الْمُعَجَّناتِ وَأَنْواع الْمَشْرُوباتِ. فَفِي شَرْقِ الطيرَةِ يَقَعُ مَقْهَى أروما، وَيَسَمَّى الْمكانُ كوهاف يَئِير، بَيْنَما هِيَ أَرْضُ الطِّيرَةِ، واسْمُها في الْجَغْرافيا حانوتا. وَقَدْ ذَكَرَها الْمَقْرِبزي في كِتاب السُّلوك (١: القسم الثّاني، ص: ٥٣٤)، مِنْ بَيْنِ الْقُرَى وَالضِّياع التي أَقْطَعَها الظّاهِر بيبرس لِقُوّادِهِ، بَعْدَ أَنْ دَحَرَ الصَّلِيبِيَِينَ عَنِ السّاحلِ الشّامي، وَمِنهُ ساحلُ فلسطينَ. وَقالَ المقْريزي: ولا أَعْرِفُ أَيْنَ تَقَعُ حانوتا. فَأَجَبْتُهُ: اِنْهَضْ مِنْ قَبْرِكَ حَتَّى أُرِيَكَ أَيْنَ هِيَ حانوتا.
كانَتْ حانوتا قَبْلَ خَمْسَةِ عُقودٍ مَرْعًى لِقَطيعِ أَبْقارِ الطِّيرَةِ وَأَغْنامِها، قَبْلَ أنْ تُؤَسَّسَ مُسْتَوْطَنَةُ كوهاف يَئير، وَكانتْ مساحَتُها ثَلاثَةَ آلافِ دُنُمٍ تَقْرِيبًا، وَكانَ لِوالِدي بَقَرَةٌ في ذَلِكَ الْقَطيعِ ، وَكَثِيرٌ مِنّا يَذْكُرُ راعِيَيْ ذَلِكَ الْقَطيعِ اللَّذَيْنِ كانا يُضَحِيانِ في رَعْيِ القَطِيعِ ، بَعْدَ أَنْ وَضَعَتْ الدَّوْلَةُ يَدَها عَلَيْها وَصادَرَتْها. وَأذْكُرُ وَنَحْنُ صِبْيَةٌ كُنّا نَذْهَبُ إلى حانوتا، وَكانَ فيها آثارُ مَعاصِرِ الْخَمُرِ والزَّيْتِ، لِأنَّ حانُوتا ، لا تُقالُ إلّا لمكانِ عَصْرِ الْخَمْرِ وَبَيْعِهِ ، وَمِنْها الْحانَةُ التي يُشْرَبُ فيها. كانَت مُكُتَظَّةً بِأشجارِ الْجَفْنَةِ (الْعِنَب) والزَّيْتونِ . وَيَقولُ المَقْرِبزي: إنَّ الظاهرَ بيبَرس أَقْطَعَها لِقائِدَيْنًِ.
وَلا يَزالُ لِأقاربي وَلِعائِلاتٍ طيراوِيَّةٍ قِطَعُ أراضٍ في القسمِ الغَرْبي من حانوتا، قُرْبَ الشّارِعِ الْعامِّ وَتُسَمَّى حانوتا إلى يَوْمِنا هذا وَيُحْظَرُ عليهمُ الْبِناءُ فيها.
جاءَ هَذا الِاسْتِدْراكُ تَوْثِيقًا لِكَوْنِ حانوتا قِسْمًا مِنَ الطِّيرَةِ لِتَعْرِفَهُ الْأجْيالُ الْحَديثَةُ الَّتي تَجْهَلُهُ تَمامًا.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى