لا أدري متى قطعوا زائدتي الدودية تلك التي كانت تتراقص في فمي، كنت أناغم بها أبيات شعر لفتاتي الجميلة، أشاغلها بها، فالنساء يعجبهن الثناء ويطربهن؛ لا مال لدي غير أنني ماهر في كلمات الهوى، في مرة انتهزت سكون الليل وفي جلوة القمر صعدت مئذنة المسجد التى كانت عالية- الأطفال يرون الأشياء أكبر مما هي عليه في الحقيقة- حفظت أبيات الشعر المغضوب عليه، وجدتها في خزانة جوار باب زويلة؛ كان الشاعر يتنبأ بأيام يسلخ فيها صاحب المحبرة وينشر قلمه على الملأ تختلف الرعية أين مكانه؟
في كل زمن مهدي يدخل السرداب ولا يظهر، نبني ضريحا حوله، من قائل إنه جني، له صلة بالعوالم السفلى حيث الدهاليز والممرات الخفية؛ أسرار الجن الأحمر، ما تم في زمن الخلفاء من سهرات مخملية، من خاصر نسوة في المدينة، من جامع ابنة القيصر في نزق، من أطال لحيته من سراويل الجواري، هذه أبيات تؤدي بشاعرها إلى باب سفارة مرسوم عليها سيفان يعانقان نخلة يقطر من عرجونها دم يسيل حتى يملأ الوادي الأيمن من أم القرى.
لا ضير فالشاعر مجنون إن تكلم؛ شيطان أخرس إن كف عن الضجيج.
جلبة وصياح يأتيان من بوابة الزمن المتخفي وراء الغبار؛ قائل استلهم سيرة عنترة؛ إنه أباح بجمال عيون عبلة؛ وعند شيوخ القبيلة يجرم الحب وتشحذ السيوف وترفع المقصلة؛ كيف له أن ينظرها، وحدهم يباح لهم كلمات الغزل وسفاح الجواري في بلاد تخرج آبارها عسلا مصفى؛ عند باب التكية يسبحون ويهللون: الحمد للسلطان سليم ما قبل الأخير؛ وأنا أهتف: خيب الله كل سلطان قهر المحروسة، نهب خيرها، جعلنا عبيدا لأغا خان؛ حيث تجتاح خيوله باب المغارة، ليكن حفل وخمر فما بالخيل غير تعب وعناء.
وناصح فتح كتابه الأصفر؛ نقول: دية مخففة؛ فالفقيه مخير بين الفتوى بمال أو مرضاة شيخ القبيلة، والموت قدر، ليرحمه الله؛ وما جعل علينا في تأويل الجرم من حرج.
هل لي بابنة زرقاء اليمامة، تدفأني ليالي الشتاء، تنجب لي فارسا يشق عنان السماء؟
وهم يسيطر علي، يدفع بي إلى منزلق لا نجاة منه، يسعني الصمت، يسترني البله، كلما عرفت أصبت بداء التذكر؛ ليتني ولدت في زمن آخر؛ ساعتها لن يسطر حكايتي " الجبرتي" في عجائب الآثار.
شيء واحد يملكون به مقودي؛ أن يسرقوا حروف لغتي، جنت علي إذ تركت لدي ألف ألف بيت من شعر المتنبي؛ تصلح لافتات مطر يروي أرض أجدادي، طاف بي طائف من ربي، الليل وساعة السحر، أصوات الحداة تحث النائمين على العبرات، أزف الرحيل؛ ترى من تسقط ورقته غدا، علم ذلك مسطور في كتاب مولانا الذي بهت؛ لا يأتي بالشمس من المغرب؛ كل ما يفعله أن يخيل لهم بسحره أنه يهب الإناث صغارا؛ لا يهم من يكون آباهم؛ فالعجز وهم والداء منه أن يفتل الرجال شواربهم ساعة يتطهرون!
هوت بي المئذنة، كأن فأر يقرض وصلاتها الحديدية، سد مأرب آخر، وبلادنا محاطة بأسوار وتشرب الماء من أبواب وراء أبواب، عمي السقاء تركنا دون ماء قرابة دهر لا نحصيه، نحفر آبارا فتخرج المياه مالحة مثل دموع الثكالى في حرب طالت كأنها "داحس والغبراء" بل هي "حرب الكلب الثانية"وزرقاء اليمامة تنظرني من بعيد، في ديار المنفى كل متوار مهدي ﻵخر الزمان. حماره يقف عند مدخل المغارة، ينظرون من ثقب في الأرض، يجمعون له الخمس؛ يزرعون الحنطة لأجله، يقامرون بالنفط حتى تحين عودته المباركة.
أغوص في باطن أرضنا السبخة، تبلغ الملوحة فمي، تنضغط أحشائي، تلتهمني قوارض تتداخل في جسدي إبر صدئة، أشعر بالتفاهة؛ أنا شيئ ملقى لا قيمة له، يتبعني الموكل بي؛ يدله على مكاني شيطان الناحية؛ في كل خرابة عفريت؛ تجتاح جيوش السلطان بوابة المدينة؛ يسبون النساء؛ يخصون الصغار، يعبرون النهر بخيولهم، تصمت السيوف بعدما تطوف بكل النواحي؛ أفر هاربا؛ يتبعني ظل وريحان، آيات الله في كل ناحية يبتهحون؛ يثملون من خمر معتقة؛ فالفتح أن يدعو لمن يملأ جيوبهم، ولتذهب عينا زرقاء المدينة إلى باب زويلة!
أجهش بالبكاء؛ يرتد صوتي في الصحراء حيث الجيل الأحمر؛ ملعون من هدم بنيان الله في الأرض؛ تعدو خلفي كلاب وذئاب، أفر منهم لما خفتهم، لست عالي المقام، ولا أنا من نادم يوما في بلاط السلطان، مغمور بين الناس، دعت أمي يوما حين أن أغضبتها: يفضح الله بلسانك كل من ظلمك؛ كانت طيبة؛ دعوتها استجيبت؛ لكنها ظلمتني؛ ليتها أتبعتها: وسكن في مغارته بلا نطق!
ربما استرحت من الشقاء به؛ هاهم الآن أقدموا على جنايتهم، شكرا لهم أبقوا لي عينا وإصبعا، ألبسوني ثوبا معلما، حلقوا رأسي ووشموا ظهري، كتبوا على خاصرتي مجنون فلا تصدقوه، معتوه لا تتبعوه.
مجبر أو مخير بين أمرين أن ألعن زرقاء المدينة تلك التي حفرت في أرض تسكنها العناكب تأويل رؤياها التي حدثت بعد ألف عام؛ جندا رأت لا نخيلا يساقط رطبا جنيا.
أو أن أساير خبلها كما زعموا؛ أن أدعي الجنون وأرتدي أسمالا ممزقة، ساعتها يقولون: هارب من السراي الصفراء، أو أن أكون أحد المخمورين يعزفون سفر الخداع في كتاب أصفر.
كل هذا مباح لدى صاحب الزمان، له الحكم أن يقضي بين الرعية- بالموت أو الشق أو حتى سمل الأحداق- كلها تخرصات؛ فالكلاب تنبح على الأشباح؛ تظل تجري حتى يرديها حجر؛ إنني أعاني من العمى، لن يتبعوني سيتركون على قبري شاهدا من شعر أو جزء آية كلها تنبؤات لم تخبر بها يوما زرقاء مدينة تغفو في ظلام ليل متداعي العقارب.
في كل زمن مهدي يدخل السرداب ولا يظهر، نبني ضريحا حوله، من قائل إنه جني، له صلة بالعوالم السفلى حيث الدهاليز والممرات الخفية؛ أسرار الجن الأحمر، ما تم في زمن الخلفاء من سهرات مخملية، من خاصر نسوة في المدينة، من جامع ابنة القيصر في نزق، من أطال لحيته من سراويل الجواري، هذه أبيات تؤدي بشاعرها إلى باب سفارة مرسوم عليها سيفان يعانقان نخلة يقطر من عرجونها دم يسيل حتى يملأ الوادي الأيمن من أم القرى.
لا ضير فالشاعر مجنون إن تكلم؛ شيطان أخرس إن كف عن الضجيج.
جلبة وصياح يأتيان من بوابة الزمن المتخفي وراء الغبار؛ قائل استلهم سيرة عنترة؛ إنه أباح بجمال عيون عبلة؛ وعند شيوخ القبيلة يجرم الحب وتشحذ السيوف وترفع المقصلة؛ كيف له أن ينظرها، وحدهم يباح لهم كلمات الغزل وسفاح الجواري في بلاد تخرج آبارها عسلا مصفى؛ عند باب التكية يسبحون ويهللون: الحمد للسلطان سليم ما قبل الأخير؛ وأنا أهتف: خيب الله كل سلطان قهر المحروسة، نهب خيرها، جعلنا عبيدا لأغا خان؛ حيث تجتاح خيوله باب المغارة، ليكن حفل وخمر فما بالخيل غير تعب وعناء.
وناصح فتح كتابه الأصفر؛ نقول: دية مخففة؛ فالفقيه مخير بين الفتوى بمال أو مرضاة شيخ القبيلة، والموت قدر، ليرحمه الله؛ وما جعل علينا في تأويل الجرم من حرج.
هل لي بابنة زرقاء اليمامة، تدفأني ليالي الشتاء، تنجب لي فارسا يشق عنان السماء؟
وهم يسيطر علي، يدفع بي إلى منزلق لا نجاة منه، يسعني الصمت، يسترني البله، كلما عرفت أصبت بداء التذكر؛ ليتني ولدت في زمن آخر؛ ساعتها لن يسطر حكايتي " الجبرتي" في عجائب الآثار.
شيء واحد يملكون به مقودي؛ أن يسرقوا حروف لغتي، جنت علي إذ تركت لدي ألف ألف بيت من شعر المتنبي؛ تصلح لافتات مطر يروي أرض أجدادي، طاف بي طائف من ربي، الليل وساعة السحر، أصوات الحداة تحث النائمين على العبرات، أزف الرحيل؛ ترى من تسقط ورقته غدا، علم ذلك مسطور في كتاب مولانا الذي بهت؛ لا يأتي بالشمس من المغرب؛ كل ما يفعله أن يخيل لهم بسحره أنه يهب الإناث صغارا؛ لا يهم من يكون آباهم؛ فالعجز وهم والداء منه أن يفتل الرجال شواربهم ساعة يتطهرون!
هوت بي المئذنة، كأن فأر يقرض وصلاتها الحديدية، سد مأرب آخر، وبلادنا محاطة بأسوار وتشرب الماء من أبواب وراء أبواب، عمي السقاء تركنا دون ماء قرابة دهر لا نحصيه، نحفر آبارا فتخرج المياه مالحة مثل دموع الثكالى في حرب طالت كأنها "داحس والغبراء" بل هي "حرب الكلب الثانية"وزرقاء اليمامة تنظرني من بعيد، في ديار المنفى كل متوار مهدي ﻵخر الزمان. حماره يقف عند مدخل المغارة، ينظرون من ثقب في الأرض، يجمعون له الخمس؛ يزرعون الحنطة لأجله، يقامرون بالنفط حتى تحين عودته المباركة.
أغوص في باطن أرضنا السبخة، تبلغ الملوحة فمي، تنضغط أحشائي، تلتهمني قوارض تتداخل في جسدي إبر صدئة، أشعر بالتفاهة؛ أنا شيئ ملقى لا قيمة له، يتبعني الموكل بي؛ يدله على مكاني شيطان الناحية؛ في كل خرابة عفريت؛ تجتاح جيوش السلطان بوابة المدينة؛ يسبون النساء؛ يخصون الصغار، يعبرون النهر بخيولهم، تصمت السيوف بعدما تطوف بكل النواحي؛ أفر هاربا؛ يتبعني ظل وريحان، آيات الله في كل ناحية يبتهحون؛ يثملون من خمر معتقة؛ فالفتح أن يدعو لمن يملأ جيوبهم، ولتذهب عينا زرقاء المدينة إلى باب زويلة!
أجهش بالبكاء؛ يرتد صوتي في الصحراء حيث الجيل الأحمر؛ ملعون من هدم بنيان الله في الأرض؛ تعدو خلفي كلاب وذئاب، أفر منهم لما خفتهم، لست عالي المقام، ولا أنا من نادم يوما في بلاط السلطان، مغمور بين الناس، دعت أمي يوما حين أن أغضبتها: يفضح الله بلسانك كل من ظلمك؛ كانت طيبة؛ دعوتها استجيبت؛ لكنها ظلمتني؛ ليتها أتبعتها: وسكن في مغارته بلا نطق!
ربما استرحت من الشقاء به؛ هاهم الآن أقدموا على جنايتهم، شكرا لهم أبقوا لي عينا وإصبعا، ألبسوني ثوبا معلما، حلقوا رأسي ووشموا ظهري، كتبوا على خاصرتي مجنون فلا تصدقوه، معتوه لا تتبعوه.
مجبر أو مخير بين أمرين أن ألعن زرقاء المدينة تلك التي حفرت في أرض تسكنها العناكب تأويل رؤياها التي حدثت بعد ألف عام؛ جندا رأت لا نخيلا يساقط رطبا جنيا.
أو أن أساير خبلها كما زعموا؛ أن أدعي الجنون وأرتدي أسمالا ممزقة، ساعتها يقولون: هارب من السراي الصفراء، أو أن أكون أحد المخمورين يعزفون سفر الخداع في كتاب أصفر.
كل هذا مباح لدى صاحب الزمان، له الحكم أن يقضي بين الرعية- بالموت أو الشق أو حتى سمل الأحداق- كلها تخرصات؛ فالكلاب تنبح على الأشباح؛ تظل تجري حتى يرديها حجر؛ إنني أعاني من العمى، لن يتبعوني سيتركون على قبري شاهدا من شعر أو جزء آية كلها تنبؤات لم تخبر بها يوما زرقاء مدينة تغفو في ظلام ليل متداعي العقارب.