طلعت قديح - من مسافة حرف وطلقة ترجمة ذاكرة أم اغتيال كاتب؟

إشكالية الترجمة للغة العبرية؛ إشكالية مزدوجة، فمنظومة العدو الصهيوني لا تقدم على شيء إلا ضمن تحرك مدروس ومختار، وعلى أقل تقدير فإن ترجمة عمل ما لكاتب عربي أو فلسطيني، سيُحدث جلبة في اتجاهين؛ الأول الاتهام بالتطبيع والخيانة، والآخر إثارة الإشكالية من جديد وخضّ اللبن مرارا وتكرارا بطريقة استعراضية فجة، بل وتصيد يستهدف شخصيات بعينها.
ولعل أسهما كثيرة تستعجل في النيل من شخصية الكاتب التي تثار حوله شبهة التطبيع دون التريث ومراقبة التطورات؛ لحاقا بجو الـ "action" وتحقيق خبر عاجل، مذيلا حديثه بخط الدفاع الأول عن القضية!
وأما الرأي في الإشكالية؛ فإني أرى أن هناك محددين لهذا المسار المتعرج:
×× إن أية إضافة مترجمة لكتاب من لغة الضاد يصدر إلى لغة أخرى هو إنجاز بحد ذاته، على اختلاف اللغات، ولكن كون اللغة العبرية هي لغة العدو المباشرة؛ يجب أن تكون لهذه الخطوة محددات واضحة وصارمة وغير مباشرة، هم يريدون أن ينتفي حاجز "اللامباشرة" بيننا وبينهم "الصهاينة" وتفتيت الصخور والحواجز القائمة أو ما تبقى منها، وليس هذا اعتباطا بل لأنها "الممارسة" تعبر عن كينونة متجذرة في الضمير الوجداني، وبالتالي فإن هذا يحتم إنشاء مركز ترجمة "متخصص" لترجمة الأعمال التي تستحق في إطار الصراع وكيفية إدارته، وإلى ذلك الحين، يمكن أن يِجعل هذا من الإطار عاما، حتى لا تنصب المشانق وتبرز المخالب.
×× إن الهدف مما يحدث من ترجمة العربي للعبرية دون إذن؛ إنما يأتي لإذابة الجليد، ومحاولة المروق داخل مكان يفعّل ذلك، وإن كان بطريقة "خطوة خطوة"، علاوة على أن النيّات لا يمكن أن تكون مطلقة المهنية، وسبق أن قلت أن مهنيتهم فقط في تحقيق أهدافهم وإن اختلفت الطريقة والأسلوب.
ولعل إحدى مضار الترجمة هي السرقة، كما يسرقون تراثنا أمام أعيننا دون محاسب، ويحاولون تمرير معلومات منها الإشاعات والأكاذيب وتزوير التاريخ والفكر، سواء بتسلل بين ثنايا العمل المترجم أو بإكسابه الرواية الفلسطينية أو العربية ولكن بشكل "تمييع" دون تأصيل حقيقي يصل إلى القارئ بشكله الصحيح.
ولتكن هناك نقطة إضافية في هذا المجال؛ الاشتباك الثقافي، والذي لن يكون فيه الغلبة للعدو، فإن انتفاء مصطلح "الثقافة" لديهم واضح، ولا يمكن -حتى باستخدام كل الطرق- أن يكون ناجعا، لسبب بسيط؛ أننا أبناء حضارة وأمة واحدة، ولدينا تاريخ، وهذا ما لا يمتلكه العدو.
إنني أتخيل "شلومو" يبتسم قائلا: لقد حققنا مانريده؛ ترجمنا عملا، وأثرنا فيهم الحقد والتطاول على بعضهم البعض، ووخزنا الموضوع المتكرر مرة أخرى، كم هم سيئون فيما بينهم، وكم نحن أذكياء" مقترنا هذا القول بضحكة "شرشبيل" المعروفة.
إن المواجهة الحقيقية لا تكون عبر مواقع التواصل الاجتماعي وإن كان لها تأثير؛ بل في الإجراءات العملية الصارمة هي من تؤثر وتضرب كما ينبغي، وهذا يحيل إلى دعم الحفاظ على الحق، بالتصدي لمثل هكذا محاولات عبر اللجوء إلى القانون الدولي في مثل هذه الحالات، وإرهاق الجهة المترجمة بالاعتذار الرسمي والعلني،وإثقالها بالتعويض المادي، والاستفادة منه ضمن الاشتباك الثقافي، بالطرق المتعددة.


الكاتب: طلعت قديح

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى