أمل الكردفاني - سوبر سينجل- قصة طويلة أو رواية قصيرة أو شيء من هذا القبيل.. الحلقة الأولى (١)

يصر عمي على أن أتزوج، ليس لديه سوى هذه الأسطوانة السخيفة. والحق يقال أن كل الشعب يركز على هذه النقطة تركيزاً يبدو للأجنبي كما لو كان مبالغاً فيه، لكنه بالنسبة لي أمر مفهوم. فالشعب فقير، والفقراء لا يملكون سوى ارتباطهم بغرائزهم الأولية.. وهم الأقل قدرة على الإبداع، ولذلك يملأون هذه الفجوة بإبداع الكائنات الحية الجديدة، مزيداً من الفقراء، مزيداً من العمال، مزيداَ من النشالين والمحتالين ورؤساء الحكومات العسكريين. لذلك أسماهم المنظرون بالبلوريتاريا، أي الذين لا يقدمون للدولة خدمة سوى إنتاج الذراري. لقد اتصل بي عمي وعرض عليَّ زوجة للشراء؛ فسألته بكل حسن نية: هل هذا اقتراح أم أمر؟ أجابني كما توقعت فقلت: إذا كان اقتراحاً فأرجوا أن تقدمه مشفوعا بظرف داخله عشرة آلاف دولار، وتعهد مكتوب وموقع عليه بالصرف على أسرتي المستقبلية، وخاصة تكاليف الذهاب إلى طبيب الولادة ومعرفة ما إذا كانت افخاذ تلك الدودة في بطن زوجتي بها نتوء أم خالية من أي نتوءات لنحتفي أنا وهي بإنتاج كائن حزين يقتحم عتمة العالم. كنت أدرك أن عمي بخيل، لذلك ارتبك وصمت، ولم يعد يكرر اقتراحه هذا كما كان يفعل من قبل. وهكذا هنأت بعزوبية رائقة، علمتني كيف أكون شيفاً ماهراً، وكيف أكتم آلامي داخل صدري، دون شريك يخشى عليَّ لأنه يخشى على نفسه وديدانه. سأموت واقفاً كديك الحظيرة الخالية من الدجاج.
وبما تبقى لي من قوة في ذلك النهار الحار، تحركت زاحفاً فوق الأتربة لألتقي بصديق تخرج قبل سنتين من مدرسة العزوبية، فوجدته بائساً. لقد باع الكثير مما يملك ليتزوج ثم باع ما تبقى بعد الزواج. وأخبرني، اثناء شكواه بأن زوجته أفضل من زوجة صديقنا الآخر، التي هربت بابنتهما الرضيعة مع أحد الأطباء إلى بريطانيا، وتركته يهرول من قسم شرطة إلى آخر لكي يعيد ابنته بالانتربول. صديقي مدح زوجته بأنها لا زالت صابرة، في ذلك الوقت الذي كانت فيه قد أوكلت شقيقها لرفع دعوى طلاق للضرر. أما صديقنا الثالث، فظلت زوجته مع والدها رافضة أن تنام معه. كانت تفضل حياة الراحة في بيت والدها، وحياة الحرية مع عشيقها كل جمعة. أما صديقنا الرابع أو الخامس، أو ربما التاسع والعاشر، فهم جميعا متزوجون مع إيقاف التنفيذ. إذ تتحجج النسوة بحجج مختلفة لكي لا يمارسن الجنس، وفي بعض الأحيان يمارسن ابتزازاً علنياً مقابل ليلة حمراء باردة ومقرفة.
"مؤسسة الزواج انهارت يا صديقي"
قال لي ذلك صديق كان شيوعياً يوماً ما، ولكنه لا زال يستخدم أسلوباً خطابياً تفلسفياً لا يمنح فرصة للتفاوض حوله، ربما كان هذا هو سبب هجر زوجته له. إنه من النوع الذي لا يعرف كيف يقول كلاماً رومانسياً بسيطاً ويقتحم قلب الأنثى ببعض الأكاذيب. فمثلاً، قالت لي يوماً بعد ان انتهينا من لحظات حميمية رائعة:
- اقرأ
أخرجَت من حقيبتها الملقاة على طرف السرير ورقة مطوية طيات عشوائية وأضافت:
- هذا أول خطاب حب أرسله لي.
فردت الورقة، ولما كان الخط صغيراً ونظري ضعيف فقد مددت يدي وسحبت النظارة من درجٍ على يسار السرير وقرأْتْ الخطاب:
- عزيزتي........
إن كل جينيالوجيا الوعي بالكينونة في اللحظة التي تتماس فيها أيدينا، تنقلني إلى أفق التوقعات التي ظلت متكلسة داخل حفريات اللا متفكر فيه.. إن هذا..
وبالتأكيد لم أكمل ما تبقى من الخطاب.. لقد بدا لي أحمقاً ويستحق أن أخون صداقتنا مع زوجته. لقد منحتُ نفسي التبرير اللازم للاستمتاع باللحظة بدون تأنيب ضمير. فحتى عُتاة المجرمين القتلة لا يقتلون قبل أن يبحثوا عن تبرير أخلاقي لقتلهم. فالضمير يزاحم شغفنا باستمرار، لذلك كانت عروق وجه زوجته تخضر كلما فتحت لها باب الشقة.. لم تكن تتورد، بل تخضر بسبب الشعور بالذنب.. وهذا هو نفسه الشعور الذي كان يجعلني أقضي وقتاً طويلاً بلا انقطاع أثناء المعركة اللحمية معها.. فالعقل المشغول كالأرض الوعرة يكبح انزلاق الشهوة بسلاسة.
هذا ملخص لحياة أصدقائي المتزوجين، كسلاح نفسي يطلق الرصاص على الشعور بالندم لديَّ كأعزب تجاوز الأربعين. وفي آخر يوم لي قبل ركوب الزورق المتلصص على الشطآن الأوروبية، رأيت وجوه الأصدقاء الشاحبة، كانوا يعرفون أنني حر، وأنني أعيش مخاطر الصبيان بلا خوف من أي مسؤولية.
(يتبع)
  • Like
التفاعلات: نقوس المهدي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى