محمد مصطفى العمراني - الشائعة العجيبة!

لست أدري من هو الذي نشر شائعة فوزي بجائزة دولية كبيرة ، لقد أشاعوا أنني حصلت على 10 ألف دولار ثم صاروا يرفعون قيمة الجائزة حتى وصلت إلى 300 آلاف دولار .!

نحن في زمن الواتساب والفيسبوك والتواصل الاجتماعي الذي غزا أعماق القرى ، رسالة واحدة في الواتساب تصل إلى مئات الأشخاص في لحظات ، وهكذا انتشرت الشائعة في عشية وضحاها وبلغت كل أقاربي وزملائي ومن يعرفني ومن لا يعرفني .

لقد صحوت على مئات التهاني التي هطلت على هاتفي فوز اتصالي بالنت .!

أنكرت الأمر جملة وتفصيلا ، ولكن لقوة الشائعة لم يصدقني أحدا .!

أغلبهم يردون علي :

ـ لا تنكر يا أستاذ محمد لقد فرحنا لك

ـ لقد رفعت رؤوسنا وشرفتنا

ـ لا تخف على قيمة الجائزة ولا نريد ريالا منها

ـ أخيرا نلت القدر الذي تستحقه يا أستاذ

وجدت أنه لا فائدة من الإنكار ، حتى لو أقسمت الأيمان المغلظة فلن يصدقني أحدا ، ولذا فقد لزمت الصمت وتركتهم يفرحون لي ويتغنون بإبداعي وعبقريتي التي اكتشفوها فجأة .!

مرت أيام وكدت أنسى الأمر .

عندما سافرت إلى القرية حدث لي ما لم يكن يخطر لي على بال .!

دون أن أنتبه لما سيحدث أبلغت بعض الأقارب والزملاء أنني مسافر إلى القرية وسأراهم قريبا ، وهكذا انتشر الخبر ، ولأن مكانتي في القرية قد صارت بعد الشائعة توازي مكانة البردوني والمقالح وربما أكثر فقد سارع العشرات من أصحاب السيارات إلى استقبالي في مدينة العدين وكلهم يقسم أنه من سيوصلني إلى القرية .!

تنحيت مع حقيبتي الصغيرة وتركتهم يتشاجرون حولي ، لقد كادت تنشب معركة بينهم ، وحين بلغ الأمر إلى الاشتباك بالأيدي وكاد أحدهم أن يطعن الآخر بجنبيته قررت التدخل وفض الاشتباك .

أعلنت أنني سأركب مع من أجد سيارته مريحة أكثر ، اخترت إحدى السيارات ، وبعد شراء بعض الفواكه والهدايا تحركنا نحو القرية ، وحين تحرك بعدي موكب طويل من السيارات قلت للسائق :

ـ سيعملون لي مشكلة أمنية بهذا الموكب الكبير .

صاح بهم :

ـ ستعملون مشكلة أمنية للأستاذ الله أكبر عليكم .

ظل يخرج رأسه من النافذة ويوجه كلامه لسائقي السيارات خلفه ويكرر هذه الجملة ويصيح حتى اقتربنا من نقطة التفتيش فصرخت فيه :

ـ خلاص أسكت والله إنك أنت من سيعمل لي مشكلة أمنية .

في النقطة نظر المسلح نحوي واستغرب من زحمة السيارات خلفي وصاح :

ـ من أنت ؟ هات بطاقتك .

ـ عريس ، أنا عريس وهؤلاء أصحابي جاؤوا يزفوني .

ـ من أين جئت ؟

ـ من صنعاء .

ـ طيب معك سلاح ؟

ـ لا ما فيش سلاح .

ـ طيب هات قات يا عريس .

أعطيته حزمة من القات ومضينا .

كان السائق يسرع وقد أكتسى وجهه بفرحة الانتصار عليهم فقد أخترته من بين العشرات من السائقين الذين صار بعضهم يسبقنا ، وبعضهم يمشي خلفنا ، وبعضهم إذا اقتربوا مني يحيوني ويلتقطون لي بعض الصور ، كنت أبتسم والعرق يتصبب مني من شدة الخجل .!

في الطريق خضت صراعا رهيبا مع نفسي الأمارة بالسوء والتي بدأ الأمر يحلو لها ، كلما قررت أن أخبرهم بالحقيقة فور وصولي كلما واجهتني أسئلة من قبيل :

ـ هل ستفسد فرحة أقاربك وأبناء قريتك ؟!

ـ ماذا سيضرك لو صمت وجاريتهم وتركتهم يفرحون ؟!

ـ أنت ضيف لأيام ولن يحاكمك أحد بعد ذلك فلماذا تخاف من هذه الشائعة ؟!

ـ لماذا لا تستثمر الشائعة لصالحك وتكسب منها ؟!

وبالأخير أعترف أن شهوة نفسي تغلبت على نداء ضميري .

قررت أن أسكت وأجاريهم وليكن ما يكون .

في القرية تجمعت كل السيارات بجوار منزلنا وأقبل الأقارب والأهالي إلى المكان الذي تحول إلى ما يشبه المهرجان ، مئات الناس جاؤوا بهدايا من كل نوع ولون ، خراف وعسل وسمن وفواكه .!

الأطفال في منزلنا الذين لم يروني منذ سنوات صدموا مما يحدث ، لقد انهكوا من خدمة الجماهير الغفيرة من الضيوف الذين جاؤوا إلينا حتى اضطر إخواني إلى نصب بعض الخيام بجوار منزلنا لتتسع للناس .

في المقيل الكبير في اليوم الثاني سألوني :

ـ ما اسم الجائزة التي فزت بها يا أستاذ محمد ؟!

فاجأني السؤال فقلت :

ـ البوكر

وحينها قال أحد الشباب من المثقفين :

ـ صحيح البوكر جائزة شهيرة تمولها الإمارات وتمنح كل عام لعدد من المبدعين ولديها قائمة طويلة وقصيرة .

وحين أبدى البعض استغرابهم من منحي جائزة تمولها الإمارات وأنا المعروف بنقدي لها قلت لهم :

ـ ربما يريدون إسكاتنا ورشوتنا بهذه الجائزة لكنني لن أسكت .

حدثتهم عن الجائزة وأخبرتهم أن اللجنة أبلغتني سرا بالفوز ولم يتم الإعلان رسميا عن النتائج .

عشت أياما رائعة في القرية ذقت فيها حلاوة الشهرة ، عدت إلى المدينة محملا بالكثير من الهدايا ، ما حز في نفسي أنني لم أتمكن من الجلوس مع بعض الأقارب لأن الناس لم يتركوا لي مجالا للجلوس معهم ، أو التنزه وحيدا فقد أحاطوا بي بشكل لا يصدق .!

الأغرب من هذا أن بعض الناس بدأ يرسل لي مبالغ كبيرة على أمل أن أستثمرها لهم في مشروعي التجاري الذي سأفتتحه فور وصول قيمة الجائزة إلي ، وضعت هذه المبالغ في حسابي كي أعيدها إليهم فور مطالبتهم بها عندما يكتشفون الحقيقة .

لقد بدأت أتصرف كأنني فزت فعلا بالجائزة دون أي اعتبار لنهاية هذه الشائعة التي تورطت فيها .!

المشكلة ليست في كيفية الخروج من ورطة الشائعة فهذا أمر سهل علي ، سأخبرهم إن سألوني بعد ذلك بأن هناك جهات داخلية وعربية اعترضت على قرار اللجنة بمنحي الجائزة لأنني أنتقد الامارات وسياستها ، ولذا حجبوا عني الجائزة ، رغم أني أستحقها وأستحق جائزة أكبر منها أيضا ، لكن الإشكالية الكبرى أنني بسبب قوة الشائعة صدقتها في نهاية الأمر ، وبدأت أتعامل معها كحقيقة وواقع وليست مجرد شائعة .!



***********​

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى