مبارك وساط - بدأتْ هذه الثُّلوج تصدأ... قصيدة نثر

أقفُ تحت نافذةٍ تتردَّد خلفها شكاوَى عجزة ومتسوِّلين يتقاسمون خبز الملاحم القديمة. أقفُ تحت مطرٍ يقضم نهد عذراء تركض في مفازة العذاب، خلال هذا المساء الذي يرْفُل في فساتينَ من عوسج. طواحينُه تُفتِّت عظام الملائكة. وأنا الذي استهللتُ هذا الإعصار الجميل، لا أرى على شاشته إلا أقدامَ الموتى، مغروسةً في صناديق القمامة، تتشمّمها الذئاب... بدأتْ هذه الثلوج أيضاً تصدأ أمام عينيَّ اللتين كانتا يمامتين سجينتين، وجلدهُما أقزامٌ كانوا لا يغادرون بطونَ أمّهاتهم إلا خلال أعياد المجوس. نيرانُهمْ تتثاءب على وسادتِي كلَّ صباح. دموعهم تَصهل في محجريّ، فيما أصنع حماقات مشعّة من رماد الأيّام، وأترصّد أبواباً تُهرول بأقدام آدميَّة، منها سأدلفُ إلى مدن الماضي، مُنقسماً في جسوم كثيرة. قد يكون أحدها هذا الشحّاذ الذي يغفو في محارة بحجم خرائب عمره الطّويل. ومثلما يندلع شبقُ النار في قشّ صيف جميل، سيأخذني الحنين إلى ساحات مكتظّة بالمهالك، حيث عُميانٌ يَسْحَلون وجوهَهم المنطفئة، إلى مرافئَ تَرسو فيها سفن مُحمَّلة بقلوب الأرامل، إلى سريري الذي أمضي إليه عبرَ جسور سبعة، تتمدّد على كلٍّ منها امرأةٌ تفتح لي ذراعين من غبار... وحين أصل إلى نقطة انْطِلاقي، أَضـيعُ، نشيداً في فَمِ العاصفة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى