د. علي خليفة - اختفاء الحب (رؤية من خلال نصوص مسرحية)

علاقة الحب بين الرجل والمرأة هي في رأي بعض الفلاسفة والمفكرين والمبدعين أقوى العلاقات الإنسانية، وأكثرها تأثيرا عليهما، ولكن هذه العلاقة - مع ذلك - لا يوجد استقرار دائم لها، بل إنها تبقى علاقة مضطربة، ويغلب التوتر عليها، وغالبا ما تنتهي، وهناك صور مختلفة لانتهائها، وللأسباب التي أدت لنهايتها، وسأتناول في هذه المقالة الصور المختلفة التي تنتهي بها علاقة الحب بين الرجل والمرأة من خلال تصوير بعض المسرحيات العالمية لهذه النهايات لتلك العلاقة.
١- اختفاء الحب بسبب تغير الأوضاع بين الحبيبين
ومن الأسباب التي تؤدي لنهاية علاقة الحب بين العاشقين تغير أحوالهما أو حال أحدهما، فيصبح هناك بعض فوارق بينهما، كما نرى في مسرحية ليمون صقلي حلو لبيرانديللو، ففي هذه المسرحية نرى عاشقين، هما ميكتشو وتريسينا، وقد أحب ميكتشو تريسينا حبا شديدا، وبادلته ذلك الحب، وعارض أهله زواجه منها لشدة فقر أسرتها، ولكنه لم يعبأ بمعارضة أسرته لزواجه من تريسينا.
واكتشف ميكتشو أن تريسينا لديها موهبة كبيرة في الموسيقى، فآثر أن تتعلم الموسيقى قبل زواجه منها؛ حتى لا يشغلها الزواج عن تنمية هذه الموهبة عندها، ولا يكتفي بذلك، بل إنه يبيع أرضا صغيرة يملكها حتى يرسل تريسينا؛ لتتعلم الموسيقى في أحد معاهد الموسيقى بإحدى المدن.
ولا يرى ميكتشو تريسينا لمدة سنوات عديدة، وكان يراسل خالتها مارتة التي تعيش معها، وتطمئنه على تريسينا، وتعتذر بعدم ردها عليه لانشغالها.
وتصبح تريسينا موسيقية مشهورة، وتتغير مشاعرها نحو ميكتشو، فهي لم تعد تراه حبيبا، وترى أن شهرتها ومكانتها لا تناسبان ارتباطها بشخص بسيط مثله، أما هو فلم يمر بهذه التغيرات، ولم يقتنع بكلام بعض الناس له بأن تريسينا لم تعد تفكر فيه.
ويفاجأ ميكتشو بتغير تريسينا حين يزورها في بيتها في روما؛ ليرد لها نقودا أرسلتها له خلال مرضه الأخير، ويكتشف تبدل حال تريسينا، ليس فقط في جفائها في تعاملها معه، ولكنه يرى أنها مزيفة بكثرة المساحيق التي تملأ وجهها، ولم تكن تفعل هذا في الماضي.
وقبل أن يغادر مكيتشو بيت تريسينا يصرخ في وجهها، ويقول لها: إنك مزيفة، ولا يسرني أنا أن أرتبط بك، ويقدم ليمون بلدته للخالة مارتة، ويطلب إليها ألا تعطي تريسينا منه؛ لأنه يمثل الأصالة والنقاء، وهي مزيفة لا تستحقه.
وكذلك نرى في مسرحية جرائم وجرائم لأوجست استرندبرج علاقة حب تذوب وتتلاشى بعد تغير أحوال موريس بطل هذه المسرحية، فقد كان موريس يحب جان، وتحبه هي أيضا، وصارت عشيقة له، وإنجب منها ابنتهما ماريون، ووعد جان أن يتزوجها وألا يفترق عنها بعد أن تعرض مسرحيته التي ينتظر عرضها في تلك الليلة، وينتظر نجاحا كبيرا يحققه من وراء ذلك، وحين تعرض مسرحيته تنجح نجاحا كبيرا، وتنسيه نشوة النجاح حبيبته جان وابنته منها، ويرى ممثلة اسمها هنريت، فينجذب كل واحد منهما للآخر فجأة، وينسيان كل من حولهما
ويظنان أن كل واحد منهما قد رأى الحب الذي كان يبحث عنه، وينسى موريس حبيبته الأخرى جان وابنته منها، وتنسى هي أيضا حبيبها الآخر الذي هو صديق لموريس.
وتموت خلال ذلك ماريون ابنته، ويتهم هو بأنه هو الذي قتلها بِسْم، حتى يتخلص من علاقته بجان، ويعاني كثيرا، وتضطرب علاقته بهنريت، ويرى كل واحد منهما الآخر بصورة جديدة، فهو يراه سبب شقائه، فقد تم إيقاف مسرحية موريس، وصار متهما بقتل ابنته، وهنريت صارت متهمة معه.
وبعد معاناة شديدة لموريس يتم اكتشاف براءته من تهمة قتل ابنته، فقد اكتشف عند تشريحها أنها ماتت من أثر مرض غريب، ويعود عند ذلك رضا المجتمع عن موريس، ويعاد عرض مسرحيته، ولا ترضى جان بأن يعود إليها، وبهذا تختفي علاقة حبه لجان، كما اختفت علاقة حبه بهنريت.
٢- اختفاء الحب مع ضغوط الحياة المادية
ونرى في مسرحية قبل الإفطار ليوجين أونيل رجلا وامرأة جمع العشق بينهما، وتزوجا، ولكنها بعد زواجها منه عانت من الظروف المادية الصعبة، فوالده الغني لا ينفق عليه؛ لأنه تزوج فتاة من غير طبقته الثرية، وهو لم يعمل شيئا بعد زواجه منها غير استمراره في كتابة الشعر، وصارت تعمل وحدها وتصرف على نفسها وعليه، وعانت كثيرا، وتحول الحب بينهما لنوع من الكراهية المتبادلة، وكانت تجرعه لاذع القول، ولم يستطع مواصلة الحياة، فجرح نفسه خلال حلق ذقنه متعمدا ليتخلص من الحياة.
ونرى هذا الموقف نفسه في مسرحية من وراء الأفق ليوجين أونيل، فقد اكتشف شاب له ميول رومانسية أنه يحب فتاة، ويصارحها بحبه لها، وتعجب بساحر قوله، وتصرح له بأنها تحبه هو لا أخاه.
ويتزوج هذان العاشقان، وترى هذه المرأة بعد ذلك أن ذلك الشخص فاشل في إدارة أرضه وأرضها، بخلاف أخيه المزارع الذي كان يحبها أيضا، ويتبخر حبها لزوجها، وتندم على أنها فرطت في أخيه، وتتوالى الأحداث المأساوية في هذه الأحداث.
٣- اختفاء الحب بسبب أنانية أحد الطرفين
وتصور لنا مسرحية بيت الدمية لهنريك إبسن أن نورا قد اكتشفت أن زوجها هيلمر الذي كانت تعشقه - شخص أناني، ولم ينظر لتضحيتها من أجله في الماضي، بل صار كل همه ألا ينال أحد من كيانه الاجتماعي، ورأى أن زوجته متورطة في تزوير ورقة، والذي معه هذه الورقة يبتزه، ويثور على زوجته، ولا يهتم بأنها زورت هذه الورقة من أجله في الماضي، ولم تشأ أن تعرفه بفضلها هذا، ولم تكن تظن ذلك الشخص الآخر سيستغل ذلك التزوير ضدها، وعندما يتنازل ذلك الشخص عن تهديده لهيلمر، ويمزق تلك الورقة- يرغب هيلمز في أن يعود لزوجته نورا، كما كان الأمر عليه بينهما قبل هذه الأزمة، ولكنها ترفض أن تكون دمية، وتقرر أن تهجره بسبب أنانيته وعدم اعتبارها شريكا حقيقيا له في حياتهما الزوجية، لأنه ظهر أنانيا لا يمكنه أن يضحي من أجلها، بخلافها فقد ضحت هي في الماضي من أجله.
٤- اختفاء الحب بسبب كثرة التمنع
ونرى في مسرحية النساء العالمات لموليير أن كليتاندر كان يحب أرماند، ولكنها كانت تتمنع كثيرا عليه، وتتعالى على عاطفة الحب؛ لانشغالها بأمور التظاهر بالعلم كوالدتها وعمتها وبعض نساء مجتمعها اللائي سخر منهن موليير في هذه المسرحية، وإزاء هذا التمنع تهدأ عاطفة حب كليتاندر نحو أرماند، ويتحول حبه منها لأختها هنريت التي تبادل كليتاندر عاطفته، وتحاول أرماند بعد ذلك أن تستعيد كليتاندر لها من جديد، ولكنها لا تستطيع ذلك.
٥ - اختفاء الحب بسبب مرور السنين على تباعد المحبين
ونرى في مسرحية المساء لبول فيالار رجلا وامرأة كبيرين في السن، وقد اعتادا أن يجتمعا في حديقة عامة فترة بعد عصر كل يوم، ويتكلمان في أمور عامة، ويبدو أن كل واحد منهما لا يعرف الآخر، ولكنهما خلال مساء يوم في هذه الحديقة استرسل كل واحد منهما في الحديث عن علاقة حب كانت له في الماضي، ويكتشف كل واحد منهما أن الذي أمامه هو معشوقه القديم، وقد باعدت بينهما الأيام، وعند ذلك يبدو ان كل واحد منهما قد عزم على ألا يلتقيا مرة أخرى؛ لأن كل واحد منهما اكتشف حقيقة الآخر، ولم يعد يستطيع الاسترسال في الحديث مع الآخر، كما كان الأمر في الأمسيات السابقة.
٦- اختفاء الحب بين الحبيبين؛ لحب أحدهما لشخص آخر
ونرى في بعض المسرحيات أن شخصا عاشقا لامرأة قد اختفى حبه لها فجأة لظهور فتاة أخرى في حياته يرى أنها هي التي صارت تمتلك قلبه، وهذا ما حدث لروميو في مسرحية روميو وجولييت لشكسبير، فقد كان يحب فتاة حبا شديدا، ولكنه أعرض عنها حين رأى جولييت، وصار متيما بجولييت، وقد يحدث العكس، فتنسى المرأة حبيبها القديم، بظهور حبيب جديد، كما نرى في مسرحية الجلف لأنطون تشيكوف، ومسرحية الضيف الحجري لبوشكين، ومسرحية العنقاء كثيرة الظهور لكريستوفر فراي، ففي هذه المسرحيات الثلاث نرى امرأة كانت تظهر مخلصة لزوجها الميت، ولا ترى للحياة معنى بعده، ولكن أحوالها تتغير حين يظهر شخص يعبر لها عن حبه لها، فتنسى المحب القديم، وتعيش الحب مع ذلك العاشق الجديد.
وعلاقة الحب بين المحبين غالبا ما تنتهي بتأثير أي سبب من الأسباب السابقة، ولكنها تبقى العلاقة التي تمنح من يتنعمون بها أعلى درجات من السعادة؛ ولهذا فعلى المحبين اغتنام أوقات التواصل العاطفي بينهم ، وعدم التفكير في كيفية نهاية هذه العلاقة، كما ترى ذلك في مسرحية معجزة الحب لفيليب جونسون، فقد اكتشفت فيها فتاة مقبلة على الزواج من شاب تحبه ويحبها أن ذلك الحب سيأتي يوم ويختفي، وتنقلب الحياة بينها وبين حبيبها لمعاناة، كما وضحت لها ذلك جارة لها، وتشعر هذه الفتاة بضيق شديد، ويأتيها الحب على صورة فتى شبيه بحبيبها، ويطمئن روحها، ويدعوها ألا تنظر للخريف، فما زال الربيع يملأ حياتها، ويقول لها أيضا: إن عليها أن تنعم بالسعادة التي تنتظرها مع حبيبها الذي ستتزوجه في هذا اليوم، وألا تفكر في الجفاء الذي سيصيب حبهما فيما بعد.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى