داود سلمان الشويلي - سايبا

من يظن ان معنى العيب هو فساد المنظومة الجنسية للمرأة فقط من دون الرجل. وكذلك الظن في انه موجود في فكر أهالي المدن الصغيرة والقرى والأرياف، ومفقود في المدن الكبيرة كمراكز المحافظات والأقضية، فهو واهم، ولم يستطيع من اتيان الدليل على ذلك، العيب في كل زمان ومكان.
***
وقفت الفتاة العشرينية، وهي تلم عباءتها السوداء على جسمها اللدن على رصيف أحد شوارع مركز المحافظة، ظهر يوم حار من أيام الصيف، تؤشر للسيارات الصغيرة، بكل ألوانها، لتقف لها فتستقلها الى دارهم التي تقع في أحد الأحياء الشعبية للمدينة التي تتوهج في حر الشمس الساطعة في كبد السماء. توقفت لها سيارة نوع "سايبا" ايرانية الصنع بعد جهد جهيد حتى انها شعرت بخدر في يدها اليمنى فأبدلتها بيدها اليسرى لتستمر بالتأشير للسيارات، وخدرت كذلك من كثرة رفعها، والتلويح بها لسواق السارات الصغيرة المارة بسرعة البرق. صعدت فيها، واحتلت مكانها في المقد الخلفي. أخبرت السائق بوجهتها، فانطلق بعد أن مسح وجهه وقفى رقبته بمناديل ورقية من العرق المتصبب والذي يسيل على جلد جسمه. نظر الى الشارع الذي تخلفه السيارة وراءها بسرعة عالية.
كان الهواء الذي يدخل الى جوف السيارة من خلال النافذة القريبة منها صافيا، نقيا، إلا انه ساخن، فيدخل أنف الفتاة، ورئتيها بكل سهولة ويسر لخفته، وكذلك لأن جهازها التنفسي لم يصبه أي عارض كان، على الرغم من أن الشعيرات داخل أنفها ما زالت كالأهداب الخفيفة، والقصيرة، وبلون اشقر فاتح، فيما رأس هذا الأنف دقيقا، بمنخرين مستقيمين.
رنّ جهاز الهاتف النقال للسائق، كان الرنين عبارة عن موسيقى أغنية غير محببة للفتاة الجالسة في المقعد الخلفي، أدارت وجهها الى حيث الهواء الداخل الى جوف السيارة، وهو يلفح صفحة وجهها فيزيح العرق المتصبب. أخذت تنظر الى خارج السيارة وهي بالكاد تحافظ على عينيها مفتوحتان، فيما السيارة تنهب الشارع، والرصيف، والناس، والمحال التجارية، وتخلفها وراءها.
قال السائق في الهاتف الذي قربه الى أذته بصوت عالٍ ليتغلب على صوت الهواء الداخل الى جوف السيارة من النافذة المنزّلة زجاجتها:
- اهلا وسهلا.
بعد فترة سمعت السائق يضحك ثم قال:
- منذ فترة وأنا أدوّر بهذه "السايبا" بالشوارع والأزقة.
ثم أنهى المكالمة بعد أن قال:
- في أمان الله.
صاحت المرأة بالسائق:
- نازل.
توقفت السيارة أمام أحد الدور القديمة، كان باب الدار ضيقا، وهو بظلفة واحدة، وقد دهن بدهان أسود لماع. نزلت المرأة من السيارة، وكلمت السائق قائلة:
- دقيقة واحدة وسآتي بالأجرة من داخل البيت.
***
عندما تركت المرأة السيارة وقد اتجهت الى الدار رنّ هاتف السائق مرة ثانية، كان المتحدث في الطرف الثاني زوجته، قال لها انه قادم اليهم بعد دقائق، ومعه الأغراض التي طلبتها.
كان السائق في طريقه الى بيته الذي يقع في الحي نفسه الذي يقع فيه دار الفتاة الراكبة في سيارته، حيث تنتظره زوجته، وأطفاله، وتنتظر الأغراض التي أوصته أن يشتريها لعيد ميلاد ابنتهم الصغيرة.
خرج ثلاثة رجال من الباب الضيق المدهون بالأسود. كانوا كالمردة لحجم أجسامهم الكبيرة، وصلوا الى سيارة السايبا الواقفة أمام دارهم، وسائقها الذي ينتظر الفتاة لتجلب الأجرة. قال كبيرهم للسائق:
- أخي أنت مطلوب عشائريا.
انتبه السائق الى ما قاله أكبر الرجال الثلاثة، فردّ مندهشا:
- لماذا؟
قال أوسط الرجال الثلاثة:
- أنت اتهمت شقيقتنا ووصفتها في الهاتف بأنها امرأة "سايبة"( ) في الشوارع، والأزقة.


داود سلمان الشويلي


* نشرت في ملحق اوروك ع/70 بتاريخ 6 /11 /2022

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى