رجل أنت في كل الأزمنة ... الآن افتقدك ... افتقد رائحتك ... أنفاسك ... دبيب قدميك ... اهتزازتك على دراجتك القديمة في سكة الثعبان وأنت عائد مع رحيل النهار .... أنت الآن على شفير النهاية ... الحجرة القديمة ضاقت بالهالعين ... يترقبون أنفاسك الضعيفة وهي تروح وتجيء ... ويرقبون سريرك النحاسي القديم الذي غلبه الزمن وتكسرت أوصاله ... وتحول فرشه إلى خرق بالية مثلك ... وأنت الذي مضيت عمرك فوقه ... يوم زفافك كان لامعا جدا ، وجديدا جدا ... المراتب سحرية من القطن ... تستطيع أن تقفز فوقها من عل ولا تبالي ... وفعلتها كثيرا ... ولكن هبطت في حضن سلمى ... المرأة الأجمل في القرية ... الشباب حسدوك على اختيارها لك أنت بالذات ... كانت كالفرس الجامح ، تفوح أنوثة وجمالا وجدعنه . روضتها فوق سريرك النحاسي اللامع ... كنت تلجأ إليها آخر الليل ... تهرب من دموعك ... وتشكو على صدرها أحوال الزمان والناس ... الدنيا تتغير ... الأخوان يتغيرون ويضيقون يبعضهم ... كنت تشكو على صدرها وكانت تنفعل ... وكانت تهتاج ... وكانت تبكي بدلا عنك .
هبط ابنك الوحيد من رحمها على نفس السرير النحاسي اللامع ... انتزعوه نزعا ... كنت سعيدا جدا وكانت سلمى كذلك ... كبر الولد وترعرع ... لم يفلح في المدرسة ... وتزوج في أول الصيف وانتقل للغرفة المجاورة ... أصبح له سرير آخر وحضن آخر .... وفي ليلة ساخنة بالحر والمشاعر خلع الولد ملابسه ونزل الترعة مع أصحابه ... كلهم خرجوا ولم يخرج هو ... كلهم ارتدوا ملابسهم ووقفوا ينظرون ولم يخرج هو ... نزلوا يبحثون عنه ولم يجدوه ... غاص في القاع دون أن يشعروا به ... ولم يكن مضى على زواجه أكثر من شهرين اثنين .
أهل القرية جميعهم خرجوا بالمصابيح يفتشون عن العريس الغارق في آخر الليل ... آه اسمع أنفاسك المتباطئة تهمس في أذني ... كان يوما شاقا عليك وعلى سلمى ... وتبعه أيام وأيام ... آه من تلك الأنفاس الضعيفة ... وتلك الذكرى ... كأنك لم تعد تحتمل رائحة تلك الليلة ... سلمى ما خلعت السواد حتى ماتت ... وأنت ما خلعت الحزن حتى وأنت على الشفير .
جاء ابن ابنك ضعيفا محدودا في كل شيء ... اعتبرته عوضا ... دللته كثيرا ... لم تجلب خطواته لك غير المتاعب والمحن ... وأنت تمضى بعد أن تجاوزت السبعين بدراجتك القديمة وعينيك الجاحظتين المحدبتين تناضل الستر في سكة الثعبان ... تمر على بساتين الأثرياء في أماكن متفرقة بالعاصمة الكبيرة ... تشذب في هذا البستان ... وتنظف ذاك ... وتروي ذلك ، وتزرع في كل هؤلاء الزهور للمحبين ... وتعود مع سقوط الشمس في افقها لتحكي لسلمى مرارة اليوم ... وتحكي لك عن الولد الضائع ... والجيران والأقارب اللذين ضاق خلقهم واتسعت مشاحناتهم وانفجرت ... ثم تتذكر أن لك قريبا في البلدة المجاورة اعتقلته مباحث امن الدولة ... فتسحب دراجتك بسرعة ... وتصطحب أخيك الأكبر ... وتمضيان إلى أولاده وزوجته بأكياس الفاكهة ونظرة محبة تخترق حواجز الصمت والوحدة واليأس لدى العائلة المكلومة ... ثم لا تنس وأنت تغادر أن تدس في يد الولد الصغير بضعة جنيهات اقتطعتها من مرارة أيامك القاسية في الطواف حول بساتين الأثرياء ... وتمضي وقد خلفت سحابة من الدفء لا يمكن أن تغيب أبدا .
الأنفاس أوشكت على الانقطاع يا صاحبي ... وسكة الثعبان مدخل البلدة ورابطتها بالبلدات المجاورة حيث كنت تمر يوميا افتقدت خطواتك في رحابها منذ سقطت من فوق دراجتك العجوز بعد أن اختل توازنك بسبب وهن القلب كما قالوا لك لاحقا ... من يومها وأنت راقد هكذا ... تتحشرج أنفاسك شيئا فشيئا ... ترى نفسك الآن يوم غادرت سلمى لمعاودة جدتها لامها المريضة في المنصورة وأخذت معها ابنك ... كنت وحيدا في المنزل ووحيدا في الفراش ... وشوقك يشتد لسلمى أو لغيرها ... أنت تعلم إن وسامتك ... لون بشرتك الخمري الغامق ... والوجه الكمثري الرائع ... المكبوس بالطاقية الخيش البنية المميزة ... وعينيك الجاحظتين المحدبتين اللتين تلتهبان حنية ودفء ورجولة ... اجتذبتا عيون امرأة الساكن الجديد في المنزل المقابل ... بعد أن تحولت البلدة لمكان مألوف لاستقطاب الناس من المدينة بسبب أزمة الإسكان ولقرب البلدة من العاصمة ... المرأة عشقتك ... ذابت في لون عينيك وبشرتك الداكنة ... وملمس جلدك فائح الرجولة ... ونهلت منها أكثر مما ينبغي ... ومضت الأسبوعين ... وعادت سلمى من المنصورة ... وكأن شيئا لم يكن ... قدرتك الهائلة في السيطرة على الأمور ملفته ... لم تعلم سلمى بما جرى ... ولم يعلم مخلوق بما جرى ... والمرآة العاشقة يئست من تجاهلك لها ... فانكبت على بيتها وأولادها ... ظلت هذه القصة تحت جلدك حتى نسيتها ... والآن تنفتح بتفاصيلها مع أنفاسك المتباطئة... كأنها تذكرك بأمر ما حدث منذ عشرات السنين ... قبل أن يكبر الولد ... ويتزوج ويموت ... وقبل أن تموت أنت أيضا .... كأني أراك ابتسمت ... لعلها رياح تلك الذكرى وعطرها ... أو لعلها أشياء أخرى تحت جلدك ... مازالت تفوح منك الآن لا ندري عنها شيئا ... ماتت سلمى قبلك بثلاثة سنوات ... اعلم انك افتقدتها كثيرا ... وتمنيت من يومها أن تلحقها ... وها أنت الآن اقتربت من شفير ملاحقتها وصحبتها ... ربما لهذا أراك تبتسم ... وارى وجهك يضيء ... وملامحك تفيض بالطيبة والراحة ... الآن أنت ذاهب ... لا تنسى أن تبلغ سلمى تحياتي .
هبط ابنك الوحيد من رحمها على نفس السرير النحاسي اللامع ... انتزعوه نزعا ... كنت سعيدا جدا وكانت سلمى كذلك ... كبر الولد وترعرع ... لم يفلح في المدرسة ... وتزوج في أول الصيف وانتقل للغرفة المجاورة ... أصبح له سرير آخر وحضن آخر .... وفي ليلة ساخنة بالحر والمشاعر خلع الولد ملابسه ونزل الترعة مع أصحابه ... كلهم خرجوا ولم يخرج هو ... كلهم ارتدوا ملابسهم ووقفوا ينظرون ولم يخرج هو ... نزلوا يبحثون عنه ولم يجدوه ... غاص في القاع دون أن يشعروا به ... ولم يكن مضى على زواجه أكثر من شهرين اثنين .
أهل القرية جميعهم خرجوا بالمصابيح يفتشون عن العريس الغارق في آخر الليل ... آه اسمع أنفاسك المتباطئة تهمس في أذني ... كان يوما شاقا عليك وعلى سلمى ... وتبعه أيام وأيام ... آه من تلك الأنفاس الضعيفة ... وتلك الذكرى ... كأنك لم تعد تحتمل رائحة تلك الليلة ... سلمى ما خلعت السواد حتى ماتت ... وأنت ما خلعت الحزن حتى وأنت على الشفير .
جاء ابن ابنك ضعيفا محدودا في كل شيء ... اعتبرته عوضا ... دللته كثيرا ... لم تجلب خطواته لك غير المتاعب والمحن ... وأنت تمضى بعد أن تجاوزت السبعين بدراجتك القديمة وعينيك الجاحظتين المحدبتين تناضل الستر في سكة الثعبان ... تمر على بساتين الأثرياء في أماكن متفرقة بالعاصمة الكبيرة ... تشذب في هذا البستان ... وتنظف ذاك ... وتروي ذلك ، وتزرع في كل هؤلاء الزهور للمحبين ... وتعود مع سقوط الشمس في افقها لتحكي لسلمى مرارة اليوم ... وتحكي لك عن الولد الضائع ... والجيران والأقارب اللذين ضاق خلقهم واتسعت مشاحناتهم وانفجرت ... ثم تتذكر أن لك قريبا في البلدة المجاورة اعتقلته مباحث امن الدولة ... فتسحب دراجتك بسرعة ... وتصطحب أخيك الأكبر ... وتمضيان إلى أولاده وزوجته بأكياس الفاكهة ونظرة محبة تخترق حواجز الصمت والوحدة واليأس لدى العائلة المكلومة ... ثم لا تنس وأنت تغادر أن تدس في يد الولد الصغير بضعة جنيهات اقتطعتها من مرارة أيامك القاسية في الطواف حول بساتين الأثرياء ... وتمضي وقد خلفت سحابة من الدفء لا يمكن أن تغيب أبدا .
الأنفاس أوشكت على الانقطاع يا صاحبي ... وسكة الثعبان مدخل البلدة ورابطتها بالبلدات المجاورة حيث كنت تمر يوميا افتقدت خطواتك في رحابها منذ سقطت من فوق دراجتك العجوز بعد أن اختل توازنك بسبب وهن القلب كما قالوا لك لاحقا ... من يومها وأنت راقد هكذا ... تتحشرج أنفاسك شيئا فشيئا ... ترى نفسك الآن يوم غادرت سلمى لمعاودة جدتها لامها المريضة في المنصورة وأخذت معها ابنك ... كنت وحيدا في المنزل ووحيدا في الفراش ... وشوقك يشتد لسلمى أو لغيرها ... أنت تعلم إن وسامتك ... لون بشرتك الخمري الغامق ... والوجه الكمثري الرائع ... المكبوس بالطاقية الخيش البنية المميزة ... وعينيك الجاحظتين المحدبتين اللتين تلتهبان حنية ودفء ورجولة ... اجتذبتا عيون امرأة الساكن الجديد في المنزل المقابل ... بعد أن تحولت البلدة لمكان مألوف لاستقطاب الناس من المدينة بسبب أزمة الإسكان ولقرب البلدة من العاصمة ... المرأة عشقتك ... ذابت في لون عينيك وبشرتك الداكنة ... وملمس جلدك فائح الرجولة ... ونهلت منها أكثر مما ينبغي ... ومضت الأسبوعين ... وعادت سلمى من المنصورة ... وكأن شيئا لم يكن ... قدرتك الهائلة في السيطرة على الأمور ملفته ... لم تعلم سلمى بما جرى ... ولم يعلم مخلوق بما جرى ... والمرآة العاشقة يئست من تجاهلك لها ... فانكبت على بيتها وأولادها ... ظلت هذه القصة تحت جلدك حتى نسيتها ... والآن تنفتح بتفاصيلها مع أنفاسك المتباطئة... كأنها تذكرك بأمر ما حدث منذ عشرات السنين ... قبل أن يكبر الولد ... ويتزوج ويموت ... وقبل أن تموت أنت أيضا .... كأني أراك ابتسمت ... لعلها رياح تلك الذكرى وعطرها ... أو لعلها أشياء أخرى تحت جلدك ... مازالت تفوح منك الآن لا ندري عنها شيئا ... ماتت سلمى قبلك بثلاثة سنوات ... اعلم انك افتقدتها كثيرا ... وتمنيت من يومها أن تلحقها ... وها أنت الآن اقتربت من شفير ملاحقتها وصحبتها ... ربما لهذا أراك تبتسم ... وارى وجهك يضيء ... وملامحك تفيض بالطيبة والراحة ... الآن أنت ذاهب ... لا تنسى أن تبلغ سلمى تحياتي .