داود سلمان الشويلي - الحركات الثلاثة واشتراطات الجنس السردي تحليل بعض نصوص المجموعة القصصية "رقص القدم الثالثة" للقاص عبدالله جعيلان -

المجموعة القصصية (رقص القدم الثالثة – الصادرة عن دار نورسين - 2022) للقاص الشاب عبد الله جعيلان تستدعي طرح أمرين عنها، الأمر الاول دراسة بعض نصوصها من خلال منهج الحركات الذي اجترحته أنا في كتابي (السقوط والصعود في القصص الشعبي " نحو منهج لدراسة القصص الشعبي"(الصادر عن دار الشؤون الثقافية العامة عام 2022. والامر الثاني طرح مسألة حجم النص للنقاش.
*
– تطبيق منهج الحركات على بعض النصوص:
للنص الأدبي عدة طرق عند دراسته، ,وتحليله، اوتناوله نقديا من هذه الجوانب، وإذا كان فيما مضى، أو قبل خمسين عاما مضت على مستوى النص العربي، تكون دراسته، ونقده من الناحية التقييمية، والتقويمية، أي تخرج الدراسة وهي تقيّمه، وتقومه، لا تحلله، فهو الآن في المناهج النقدية الحديثة يكون تناوله على شكل تحليله، ودراسته، للتوصل الى عناصره، وتركيبها، وترابطاتها، ودلالاتها، ومعانييها من الناحية الاجتماعية أو النفسية، وحتى الثقافية.
كل نص سردي يعتمد على وجود قوى الشر كما تسمى في القصص الشعبي، وهي قوى طاردة، قوى مانعة، قوى معوّقة لمسيرة الحياة بالنسبة للشخصية الرئيسية للنص، والسقوط من جرائها، ومن ثم البحث عنها لايجادها، والوقوف على حيثياتها، ومن ثم الخلاص منها، ماديا أو معنويا.
يتكون كل نص شعري أو سردي من ثلاث حركات رئيسية، ومن ضمن هذه الحركات حركات أخرى أصغر منها، كما بيناها في كتابنا السابق الذكر.
الحركات الثلاثة هذه، تعتمد الزمن بالضرورة الحتمية، ولا تنفك عنه، لأنه لا حركة بلا زمن تحتويه، ويحتويها، وهي لا تأتي في الكثير من الأحيان، في النص بصورة متتالية، تراتبية، مستمرة، كرونولوجية، أي الواحدة بعد الأخرى، الأولى قبل الثانية، والثالثة بعد الثانية، وانما بصورة غير خطية، وهذه من صفات النص الحديث خاصة، حيث تنعدم الخطية فيه.
وكذلك، فان بعض الحركات تستتر في خبايا النص، تبقى مخبأة ولا تظهر للعيان، وانما يتوصل لها الناقد من خلال دراسته للنص، وتحليله له، اما القاريء فان النص هو الذي يوقفه على تلك الحركة المستترة.
هذا المنهج يحتاج الى انتباه زائد من قبل الدارس للنص لمعرفة تراتبية الحركات فيه خاصة النصوص الحديثة التي تعتمد التلاعب بالزمن الداخلي للنص.
*
امامنا ثلاثة نصوص من الق. ق. ج. سنخضعها للفحص ضمن منهج الحركات لمعرفة مدى اشتمالها لكل أو بعض اشتراطات الق. ق. ج. بحيث تظل ضمن نوع الق. ق. ج.
النص الاول- كيد:
((ساقته دموع الوداع، قد قميصه من دبرٍ؛ لعل أحدً يناديه، لفّ رقبته، نسي أسمه((
الحركة الأولى:
هي الجمل التالية: (ساقته دموع الوداع، قد قميصه من دبرٍ؛ لفّ رقبته). وهي تتحدث عن الشخصية بضمير الغائب، ثلاثة أفعال (ساق، قدّ، لفّ) خاصة بشخصية بطل القصة. هذه الأفعال تبين سقوط بطل القصة بحيث يكون سلبي الحركة أمام قوى الشر المعنوية (الوداع).
الحركة الثانية:
هي جملة: (لعل أحدً يناديه). في هذه الحركة يدخل شخص آخر مع بطل القصة، وفيها. يقوم هذا الشخص بما يمثل البحث في دواخل نفسية البطل، كمن ينبهه الى شيء ما، إذ يبدأ البحث عما مفقود من البطل.
الحركة الثالثة:
هي جملة: (نسي أسمه(. في هذه الجملة يكون البطل قد استرد وعيه كاملا فأخذ يعرف حقيقة انه قد نسي اسمه.
*
النص الثاني- هندسة:
((وضع النافذة مطلة على البحر، أجهزة الألعاب الألكترونية والتلفاز في هذا الجانب، مائدة كبيرة وكثير من الكراسي لصبيان الحي الفقراء، اكتمل منزلنا أخيراً يا أخي، بقيت الحديقة فقط، تعال وساعدني.
"خذ نصف رغيف الشعير هذا، وارسم قبرك لاحقاً")).
قلنا ان منهج الحركات في النص الأدبي لا يعتمد التراتبية في ايراد الحركات التي تعتمد الفعل، فهو يضم حركات ثلاثة تأتي في الكثير من الأحيان بلا تراتبية لما في النص الأدبي الجديد من عشوائية طرح الزمن. في هذا النص سنرى ذلك بوضوح. إذ تكون عبارة المنتصف في النص، أي فعل المساعدة، هي التي تشكل الحركة الأولى للنص.
الحركة الأولى:
(وضع النافذة مطلة على البحر، أجهزة الألعاب الألكترونية والتلفاز في هذا الجانب، مائدة كبيرة وكثير من الكراسي لصبيان الحي الفقراء، اكتمل منزلنا أخيراً. يا أخي، بقيت الحديقة فقط).
تعتمد هذه الحركة على فعل (وضع) إذ انه بعد أن يكون قد وضع كل شيء في مكانه، وهي حركات من النوع الصغير، يجد نفسه قد سقط في هوة الفقدان، والنقص.
الحركة الثانية:
(تعال وساعدني.).
يحتاج البطل الى المساعدة للبحث، وايجاد ما يبحث عنه بعد ذلك.
الحركة الثالثة:
("خذ نصف رغيف الشعير هذا، وارسم قبرك لاحقاً").
في هذه الحركة يكون اكتمال الشيء المفقود، وهو المنزل، "رسم" القبر، بعد أكل الرغيف.
*
النص الثالث – نهاية:
((تسلل إلى أرشيف القدر، كتب( تُقطع كفّها قبل اللقاء؛ خشية التلويح) انتظرها بشغف، لوّح له طفلها.)).
الحركة الأولى:
(تسلل إلى أرشيف القدر، كتب( تُقطع كفّها قبل اللقاء؛ خشية التلويح).
في هذه الحركة يكتب عن قطع الكف خشية التلويح بها، إذ تضم العبارة أربعة أفعال هي: التسلل،الكتابة، القطع، الخشية، وهي حركات صغيرة من ضمن الحركة الكبرى. ويجب أن تكتمل.
الحركة الثانية:
(انتظرها بشغف).
في هذه الحركة ينتظرها بطل النص بشغف، كمن يبحث عن حل للحركة الأولى.
الحركة اثالثة:
(لوّح له طفلها).
نتيجة الانتظار، وعدن قطع الكف يلوح الطفل، وبالتأكيد يتم التلويح بالكف.
بعد أن ناقشنا نصوصنا الثلاثة، ووضعناها في حركاتها الثلاثة كما في منهج الحركات نتساءل ان كان فيها اشتراطات الق. ق. ج. كالزمان، والمكان، والوصف، ومن ثم المفارقة، وهذه العناصر تشكل الروح السردي للنص.
1 – الشخوص:
- شخوص النص الاول: البطل المتحدث عنه بضمير الغائب، وشخص آخر يناديه.
- شخوص النص الثاني: البطل المتحدث عنه بضمير الغائب، وأخيه.
- شخوص النص الثاني: البطل المتحدث عنه بضمير الغائب، وأخيه.
- شخوص النص الثالث: البطل المتحدث عنه بضمير الغائب، الطفل.
2 - الزمان:
- زمان النص الاول: نستطيع اكتشافه من خلال أفعال النص المتحركة، والحاوية للزمان، وهي: sاقته، قد؛ يناديه، لفّ ، نسي.
- زمان النص الثاني: فان أفعاله تحمل زمانا ما: وضع، اكتمل، بقيت. ساعدني. ارسم.
- زمان النص الثالث: نستشفه من خلال أفعال: التسلل، الكتابة. القطع. اللقاء. الخشية. التلويح. الانتظار.
3 – المكان:
- مكان النص الاول: الخدين. الدبر. الرقبة. والشخص الذي يناديه يقف في مكان ما. الامكنة الثلاثة الأولى هما امكنة توجد على جسم الانسان. والمكان الأخير هو في فضاء النص.
- مكان النص الثاني: قرب البحر. جانب من المكان. المنزل. الحديقة. القبر. وهي امكنة طبيعية.
- مكان النص الثالث: الارشيف، وهو مكان طبيعي..
4 - الوصف في النصوص: تفتقد النصوص الثلاثة للوصف.
5 – المفارقة:
- مفارقة النص الاول: كل هذه الأفعال التي يقوم بها، وهي أفعال منطقية إلا انه ينسى اسمه.
- مفارقة النص الثاني: بين اكتمال المنزل ورسم القبر تناقض بيّن وصريح.
- مفارقة النص الثالث: بين قطع الكف والتلويح به.
مفارقات رائعة تقوم عل مقدمات (أفعال) منطقية إلا انها تحدث تناقض مع مقولاتها الأخيرة.
6 - الروح السردي:
هو ممسوك به عند قراءة كل نص، أي ان كل نص يوضّح ان ما نقرأه هو سرد من جنس القصة القصيرة جدا.
لهذا نجد هذه النصوص تقع ضمن اشتراط الق.ق.ج.، إذ يكون حجمها أقل من صفحة واحدة. ولها شخصوصها، وزمانها، ومكانها، ومفارقتها، والروح السردي الذي يلم كل هذه الامور. وقد حللناها عن طريق منهج الحركات، وأفادنا هذا المنهج في معرفة مضمون كل نص، والأفعال التي فيه، وهل كان النص يتحرك ضمن الاشتراطات العامة للجنس السردي هذا.
*
* حجم النص:
لقد وضع النقاد والمختصون في دراساتهم عن حجم الق. ق. ج. انه يقع بين تسع كلمات وصفحة واحدة. ولو نظرنا الى قصص المجموعة سنرى ان الكثير من القصص التي وضعت في قسم القصص القصيرة هي قصص قصيرة جدا، إذ انها أقل من مساحة صفحة واحدة، مثل نصوص: تقيأ عظامك. ومن أنا. وكان كاتبا عراقيا. واغتصاب الحلال. وخبر غير عاجل. وصديقي الحمار. وأربعون خطأ. ودقيقة يا حمقاء. وايروسي. أي تسع نصوص من الق. ق. ج. ,وضعت في قسم القصص القصيرة، وهي من فئة القصيرة جدا .
عينة: (تقيأ عظامك(:
((في الصباح، كاي يوم، جلس يعانق نفسه، بخرقه البالية، يحمحم: "ما لذي يروض زئير جوعنا اليوم؟ ربما سنلتهم أنفسنا!" نظر إلى السماء، بتجاعيدٍ تُخبئ الأسى:
"يارب، الأطفال.... قبل أن يكمل قاطعوه بصراخهم! وهم يتدافعون حول سيارة فاخرة، فرقهم ثم تدفقت كلماتهِ ببطء:
_تصدق على أطفالي يا سيدي، فأنا املك من القوة ما يكفي لحصانين! لا تكترث لهيأتي؛ فتخدعك.
_ أبتعد ايها العجوز، فمثلك قد تقيأ عظامهُ القبر.
ركن في أحد زوايا الرصيف محبطًا!
حينما أرادَ العودة، التهم نفسه اولاً!.))

عبدالله جعيلان

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى