كان يوماً مَهيبَاً عمَّتْ فيه الدَّهْشَةُ ، غمرتْنا فيه سحاباتُ التعجُّبِ من تصاريفِ الزَّمانِ وتقلُّبِ الأحوالِ . فبعدَ أنْ كان البيتُ المواجِهُ لبيتِنا مِلْكَاً “لعبد التواب” الرجلِ المعروفِ بالورعِ والتقوى ، الذي عاشَ وحيداً صامتاً ووافتْهُ المنيَّةُ فجأةً ولم تكنْ له زوجةٌ ولا ولَدٌ ، انتقلتْ ملكيَّةُ البيتِ إلى “نرجس غنَّام” بعدما استطاعتْ ببراعةٍ فائقةٍ أنْ تُوَفِّقَ بين وجهاتِ نظرِ الوَرَثَةِ المتخاصمِين ، وتقرِّبَ نقاط
الاختلاف فيما بينهم ، وتمحو بحِنْكَتِها مسافاتِ الشَّطَطِ والطَّمعِ ثمَّ جاءت في صباحِ يومٍ باردٍ مع فرقَتها وخادمَتِها وأقامتْ فيه .
وأصبح قدومُها تاريخاً مقدَّسَاً لقاطني الشارعَ يؤرِّخُون به الأحداثَ فالبنتُ قد تزوَّجَتْ بعد شهرٍ واحدٍ من قدوم (نرجس) ، والولدُ قد عادَ من غربتِهِ بعد سبعة أشهرٍ من وجودِ (نرجس) ، والعجوزُ ماتتْ بعد سَنَةٍ بالتَّمامِ والكمال من رؤيتهم لنرجس .
ولم تحتلْ (نرجسُ) التأريخَ فقط بل امتزجَتْ بكلامِنا اليومِيِّ المعتادِ فـ (نرجس) قالتْ ، نرجسُ فعلت ، تريدُ ، تكرهُ ، تُحِبُّ ، تمكُرُ، تتواطأُ ، تَهَبُ ، تمنعُ، تبطشُ ، تصدحُ بالغناءِ.. !!
وامتزجتْ نرجسُ بالجميعِ الذين نسوا تماما “عبدَ التواب ” وأسقطوه من ذاكرتهم ، لكننا كنا الأكثرَ حظاً فقد اصطفتْنا نرجسُ دون قاطني الشارع كلهم وقربتنا إليها..
وكان يوم سعدِنَا أنْ أرسلت إلينا بخادمتها تطلبُ بعضاً من “الينسون” فقد أجهدَ التدريبُ الشاقُّ صوتَها وهى تستعد لحفلةِ “عيد الحبِّ” التي ستُقامُ قريبا وسيحضرُها حشدٌ كبيرٌ من الوزراء ، المحافظين ،أعضاء المجلس المحلي وبعضاً من سادة البلدة وكبرائِها .
وأعطيناها “الينسون” الذي غسلته أمي وجففتْهُ نقياً من الأتربةِ
فظلَّتْ نرجسُ طوال الليل تُدَنْدِنُ ،تغمغمُ ، تجعِّر وتمتحنُ طبقاتِ صوتِها الأعلى فكنا أحيانا نسمعها تموءُ كقطةٍ ، وتطنطنُ كبعوضةٍ ثم تنعقُ كغرابٍ.
ثم جاءتْنا مرةً تدعونا بإصرارٍ لحضورِ إحدى (بروفات) حفلتِها فخجلْنا منها ولم نستطعْ أن نجاهرَ بالرَّفضِ.
وأمضينا ليلتَنا نستمعُ لصوتِ عِواءٍ خارجٍ من كهفٍ أسود ليس به سوى العطش ، ونغضُّ الطَّرْفَ عن ثديٍ يهتزُّ بترهُّلٍ عنيفٍ وخِصْرٍ يتمايل بإيماءاتٍ جنسيةٍ فاضحةٍ للغايةِ لكننا اضطُررنا للتصفيقِ الحاد …!
في صباح اليوم التالي ذهبت كعادتي مثل كل يوم سيراً على قدمي إلى المستشفى التي أعمل بها عاملةَ مطبخٍ رغم حصولي على” ليسانس اللغة العربية ” وأعودُ ببعضِ الوجباتِ من غذاء المرضى فقد كان يساعدنا كثيراً في توازن ميزانيتِنا وعندما رأتْني (نرجس غنام) عائدةً مثقلةً بما أخذتُ أشارتْ لي من نافذتِها ثم نزلت إلىَّ مستفسرةً فأخبرتُها الحقيقة فراحتْ تضحكُ بعنفٍ ثم ناولتني كارتاً صغيراً وقالت بحزمٍ : اذهبي به إلى المدير فقد كنتُ أتردَّدُ عليه يوماً للعلاج وعندما ذهبتُ إليه أعطاني من اللَّحم والخضرواتِ والفاكهةِ الكثيرَ حتَّى خُيِّلَ إليَّ أنه لم يتبقَ طعامٌ يكفي لمريضٍ واحدٍ..!!
وجاء أخو نرجس لزيارتِها فنادَت على أخي ليصافحَه فحكى له أخي عن آخر مقابلة أجراها في إحدى الشركات طلبا لوظيفة فقد أتم عشر سنوات عاطلاً ولم يجدْ له فرصةَ عملٍ واحدةٍ رغم شهادتِه الجامعيةِ ،وخبراتِه المتعددةِ وإٍجادته للغةٍ أجنبيةٍ .
فَهَبَّ الرجلُ وهاتفَ أحدَهم لعشر دقائق بعدها أخبر أخي بأنَّ عليه أن يذهبَ في الغد الباكر لاستلام وظيفتِه الجديدة ِ..
وفي الصباح طالبتْنا نرجس أنْ نفتحَ بابَ بيتِنا لفرقتها فهي تريد أن تُكْمِلَ بروفاتِ الحفلِ لدينا فبيتُها لا يستوعبُ هذا العددَ الكبيرَ من الحضور
ولم نستطعْ الرفضَ بل على العكسِ هرولَ أخي وراحَ يصنعُ الشايَ ، يقدِّم القهوةَ، ويشعلُ السجائرَ لبعضهم بينما أمضتْ هي الليلَ تتنهدُ وتتمايلُ في ترنحٍ غريبٍ ولكنَّها وهي تمدُّ يديَها بالكأس تحيَّةً لأخي سألتْنا عن بيتنا فأخبرناها بأنَّنا -أنا وأخي وأمِّي لسنا الورثةَ الوحيدين بل هناك ورثةٌ آخرونَ لكنهم تركونا – شفقةً منهم علينا- لنقيمَ فيه.. !
زَوَّجَتْ نرجسُ أخي من فتاةٍ جميلةٍ وزوجتْني من أحد أقاربِها الأثرياءِ ثم جاءتْ تشتري منا البيت..
لكنَّ أمي رفَضَتْ وذكَرَتْ لها عددَ من لهم حقٌ في البيت من الورثةِ ثم تمادَتْ بعنادٍ في التشبُّثِ بالرفضِ فكيف نبيعُ بيتاً ليس ملكَنَا على حدِّ يقينِهَا ولم نستطعْ أن نستخلصَ منها “حِجة البيت” الَّتي كانت تحفظُها في مكانٍ ما ولم تخبرْ به أحداً منَّا رغم تنقيبنا وبحثنا المستمر عنها
أخذتْنا نرجس بعيدا وأشارتْ علينا بالتخلُّص من “أمِّنا ” فقتلناها بدمٍ باردٍ وأعطينا البيتَ لنرجسَ وقبضْنَا الثمنَ مهلِّلينَ..!
رُحْنَا نزغردُ فرحين وفتَحنا البيتَ للبروفة الأخيرة قبل أن نلملمَ حاجياتِنا ونغادرهُ بينما نرجس تواصلُ جعيرها …!
وجاء موعدُ الحفلِ
فذهبنا أنا وأخي..
ورأينا نرجسَ تغنِّي ويصفقُ لها الوزراءُ والكبراءُ والشبابُ بينما تترنح أكتافُ البناتِ على إيقاعِ هذيانِها
و في نفس الليلة جاءتني أمِّي بالمنام تهدلُ كحمامةٍ بيضاءَ وتبكي بكاءً أَسْوَدَ لا اعوجاجَ فيه..!
و أخبرتني بأنها لن تترك “نرجس غنام” بعد ما فعلتْه بنا وأنَّها ستنتقم منها شرَّ انتقامٍ..
ولم تمضِ أيامٌ إلا وقد ذاعَ خبرُ إصابةِ نرجس غنام بسرطان الرئة الذي امتدتْ خلاياهُ وانتشرتْ حتَّى وصلتْ للأحبال الصوتيةِ
ورقدتْ نرجس صامتةً تماماً عن الغناء المباح.
فما كان منِّي لأجلِ” الفقراءِ” الذين كانت تعطفُ عليهم نرجسُ ولأجل محبِّي “الطَّرَبِ الأصيلِ” الذين كانتْ تصدحُ لهم بأغانيها ولأجل “تاريخ الفرقة الطويل” في مكافحةِ الفن الهابطِ … من أجلِ كلِّ ذلك ولكلِّ ذلك ضحيتُ بنفسي ووقتي…!
و أقمتُ في بيتها – الذي كان يوماً بيتنُا -ارتديتُ ملابسَها ، صبغتُ وجهي بألوانها ، تمايلتُ بنفس طريقتِها ورحتُ أعوي كوحشٍ ضارٍ خارجٍ من كهفٍ أَسْوَد ، داخلٍ في أحراشٍ عَطْشَى والجميعُ يصفقُ ويدعونني لأحياء حفلةِ “عيد الحب ” القادمةِ وبينما كنتُ مستغرقةً في البروفات أُلْغِي الحَفْلُ دون إنذارٍ وذاعَ خبرُ فتح قضية “عبد التواب” الذي تبيَّن أنه قد ماتَ مَسْمُومَاً حيثُ ظهرتْ شواهدُ و أدلَّةٌ جديدةٌ على نيةٍ مبيتةٍ لقتله من قِبَلِ أحد عشَّاقِ أغاني نرجس الوطنية فسقطتُ في صمتٍ رهيبٍ وتوجُّسٍ مبهَم وأنا أتذكَّرُ “حِجة البيت” التي مازالت مختبئةً في مكانٍ ما لم يصل إليه أحدٌ منَّا وبينما كنتُ أسألُ أمِّي صارخةً متوسِّلَةً : أجيبيني أينَ خبَّأْتِ الورقةَ.. ؟؟ كانتْ أُمِّي هناكَ بعيداً تشدو ضاحكةً ،مسرورةً وتهدلُ كحمامةٍ بيضاءَ بلْ شديدةِ البياضِ…!
الاختلاف فيما بينهم ، وتمحو بحِنْكَتِها مسافاتِ الشَّطَطِ والطَّمعِ ثمَّ جاءت في صباحِ يومٍ باردٍ مع فرقَتها وخادمَتِها وأقامتْ فيه .
وأصبح قدومُها تاريخاً مقدَّسَاً لقاطني الشارعَ يؤرِّخُون به الأحداثَ فالبنتُ قد تزوَّجَتْ بعد شهرٍ واحدٍ من قدوم (نرجس) ، والولدُ قد عادَ من غربتِهِ بعد سبعة أشهرٍ من وجودِ (نرجس) ، والعجوزُ ماتتْ بعد سَنَةٍ بالتَّمامِ والكمال من رؤيتهم لنرجس .
ولم تحتلْ (نرجسُ) التأريخَ فقط بل امتزجَتْ بكلامِنا اليومِيِّ المعتادِ فـ (نرجس) قالتْ ، نرجسُ فعلت ، تريدُ ، تكرهُ ، تُحِبُّ ، تمكُرُ، تتواطأُ ، تَهَبُ ، تمنعُ، تبطشُ ، تصدحُ بالغناءِ.. !!
وامتزجتْ نرجسُ بالجميعِ الذين نسوا تماما “عبدَ التواب ” وأسقطوه من ذاكرتهم ، لكننا كنا الأكثرَ حظاً فقد اصطفتْنا نرجسُ دون قاطني الشارع كلهم وقربتنا إليها..
وكان يوم سعدِنَا أنْ أرسلت إلينا بخادمتها تطلبُ بعضاً من “الينسون” فقد أجهدَ التدريبُ الشاقُّ صوتَها وهى تستعد لحفلةِ “عيد الحبِّ” التي ستُقامُ قريبا وسيحضرُها حشدٌ كبيرٌ من الوزراء ، المحافظين ،أعضاء المجلس المحلي وبعضاً من سادة البلدة وكبرائِها .
وأعطيناها “الينسون” الذي غسلته أمي وجففتْهُ نقياً من الأتربةِ
فظلَّتْ نرجسُ طوال الليل تُدَنْدِنُ ،تغمغمُ ، تجعِّر وتمتحنُ طبقاتِ صوتِها الأعلى فكنا أحيانا نسمعها تموءُ كقطةٍ ، وتطنطنُ كبعوضةٍ ثم تنعقُ كغرابٍ.
ثم جاءتْنا مرةً تدعونا بإصرارٍ لحضورِ إحدى (بروفات) حفلتِها فخجلْنا منها ولم نستطعْ أن نجاهرَ بالرَّفضِ.
وأمضينا ليلتَنا نستمعُ لصوتِ عِواءٍ خارجٍ من كهفٍ أسود ليس به سوى العطش ، ونغضُّ الطَّرْفَ عن ثديٍ يهتزُّ بترهُّلٍ عنيفٍ وخِصْرٍ يتمايل بإيماءاتٍ جنسيةٍ فاضحةٍ للغايةِ لكننا اضطُررنا للتصفيقِ الحاد …!
في صباح اليوم التالي ذهبت كعادتي مثل كل يوم سيراً على قدمي إلى المستشفى التي أعمل بها عاملةَ مطبخٍ رغم حصولي على” ليسانس اللغة العربية ” وأعودُ ببعضِ الوجباتِ من غذاء المرضى فقد كان يساعدنا كثيراً في توازن ميزانيتِنا وعندما رأتْني (نرجس غنام) عائدةً مثقلةً بما أخذتُ أشارتْ لي من نافذتِها ثم نزلت إلىَّ مستفسرةً فأخبرتُها الحقيقة فراحتْ تضحكُ بعنفٍ ثم ناولتني كارتاً صغيراً وقالت بحزمٍ : اذهبي به إلى المدير فقد كنتُ أتردَّدُ عليه يوماً للعلاج وعندما ذهبتُ إليه أعطاني من اللَّحم والخضرواتِ والفاكهةِ الكثيرَ حتَّى خُيِّلَ إليَّ أنه لم يتبقَ طعامٌ يكفي لمريضٍ واحدٍ..!!
وجاء أخو نرجس لزيارتِها فنادَت على أخي ليصافحَه فحكى له أخي عن آخر مقابلة أجراها في إحدى الشركات طلبا لوظيفة فقد أتم عشر سنوات عاطلاً ولم يجدْ له فرصةَ عملٍ واحدةٍ رغم شهادتِه الجامعيةِ ،وخبراتِه المتعددةِ وإٍجادته للغةٍ أجنبيةٍ .
فَهَبَّ الرجلُ وهاتفَ أحدَهم لعشر دقائق بعدها أخبر أخي بأنَّ عليه أن يذهبَ في الغد الباكر لاستلام وظيفتِه الجديدة ِ..
وفي الصباح طالبتْنا نرجس أنْ نفتحَ بابَ بيتِنا لفرقتها فهي تريد أن تُكْمِلَ بروفاتِ الحفلِ لدينا فبيتُها لا يستوعبُ هذا العددَ الكبيرَ من الحضور
ولم نستطعْ الرفضَ بل على العكسِ هرولَ أخي وراحَ يصنعُ الشايَ ، يقدِّم القهوةَ، ويشعلُ السجائرَ لبعضهم بينما أمضتْ هي الليلَ تتنهدُ وتتمايلُ في ترنحٍ غريبٍ ولكنَّها وهي تمدُّ يديَها بالكأس تحيَّةً لأخي سألتْنا عن بيتنا فأخبرناها بأنَّنا -أنا وأخي وأمِّي لسنا الورثةَ الوحيدين بل هناك ورثةٌ آخرونَ لكنهم تركونا – شفقةً منهم علينا- لنقيمَ فيه.. !
زَوَّجَتْ نرجسُ أخي من فتاةٍ جميلةٍ وزوجتْني من أحد أقاربِها الأثرياءِ ثم جاءتْ تشتري منا البيت..
لكنَّ أمي رفَضَتْ وذكَرَتْ لها عددَ من لهم حقٌ في البيت من الورثةِ ثم تمادَتْ بعنادٍ في التشبُّثِ بالرفضِ فكيف نبيعُ بيتاً ليس ملكَنَا على حدِّ يقينِهَا ولم نستطعْ أن نستخلصَ منها “حِجة البيت” الَّتي كانت تحفظُها في مكانٍ ما ولم تخبرْ به أحداً منَّا رغم تنقيبنا وبحثنا المستمر عنها
أخذتْنا نرجس بعيدا وأشارتْ علينا بالتخلُّص من “أمِّنا ” فقتلناها بدمٍ باردٍ وأعطينا البيتَ لنرجسَ وقبضْنَا الثمنَ مهلِّلينَ..!
رُحْنَا نزغردُ فرحين وفتَحنا البيتَ للبروفة الأخيرة قبل أن نلملمَ حاجياتِنا ونغادرهُ بينما نرجس تواصلُ جعيرها …!
وجاء موعدُ الحفلِ
فذهبنا أنا وأخي..
ورأينا نرجسَ تغنِّي ويصفقُ لها الوزراءُ والكبراءُ والشبابُ بينما تترنح أكتافُ البناتِ على إيقاعِ هذيانِها
و في نفس الليلة جاءتني أمِّي بالمنام تهدلُ كحمامةٍ بيضاءَ وتبكي بكاءً أَسْوَدَ لا اعوجاجَ فيه..!
و أخبرتني بأنها لن تترك “نرجس غنام” بعد ما فعلتْه بنا وأنَّها ستنتقم منها شرَّ انتقامٍ..
ولم تمضِ أيامٌ إلا وقد ذاعَ خبرُ إصابةِ نرجس غنام بسرطان الرئة الذي امتدتْ خلاياهُ وانتشرتْ حتَّى وصلتْ للأحبال الصوتيةِ
ورقدتْ نرجس صامتةً تماماً عن الغناء المباح.
فما كان منِّي لأجلِ” الفقراءِ” الذين كانت تعطفُ عليهم نرجسُ ولأجل محبِّي “الطَّرَبِ الأصيلِ” الذين كانتْ تصدحُ لهم بأغانيها ولأجل “تاريخ الفرقة الطويل” في مكافحةِ الفن الهابطِ … من أجلِ كلِّ ذلك ولكلِّ ذلك ضحيتُ بنفسي ووقتي…!
و أقمتُ في بيتها – الذي كان يوماً بيتنُا -ارتديتُ ملابسَها ، صبغتُ وجهي بألوانها ، تمايلتُ بنفس طريقتِها ورحتُ أعوي كوحشٍ ضارٍ خارجٍ من كهفٍ أَسْوَد ، داخلٍ في أحراشٍ عَطْشَى والجميعُ يصفقُ ويدعونني لأحياء حفلةِ “عيد الحب ” القادمةِ وبينما كنتُ مستغرقةً في البروفات أُلْغِي الحَفْلُ دون إنذارٍ وذاعَ خبرُ فتح قضية “عبد التواب” الذي تبيَّن أنه قد ماتَ مَسْمُومَاً حيثُ ظهرتْ شواهدُ و أدلَّةٌ جديدةٌ على نيةٍ مبيتةٍ لقتله من قِبَلِ أحد عشَّاقِ أغاني نرجس الوطنية فسقطتُ في صمتٍ رهيبٍ وتوجُّسٍ مبهَم وأنا أتذكَّرُ “حِجة البيت” التي مازالت مختبئةً في مكانٍ ما لم يصل إليه أحدٌ منَّا وبينما كنتُ أسألُ أمِّي صارخةً متوسِّلَةً : أجيبيني أينَ خبَّأْتِ الورقةَ.. ؟؟ كانتْ أُمِّي هناكَ بعيداً تشدو ضاحكةً ،مسرورةً وتهدلُ كحمامةٍ بيضاءَ بلْ شديدةِ البياضِ…!