محمد محمود غدية - مواكب الألم

عجز عن إسعاد نفسه، وهو الدودة التى لا تكف عن إلتهام الكتب وحفظ الأشعار، حاول أن ينفض الغبار والفوضى من رأسه فلم يفلح،
تقلص الجمال وساد القبح فى كل شئ حوله، التلوث السمعى والبصرى حتى المرأة التى أحبها، والتى تشبه فى الكثير ثمر الخوخ، أصبحت كالورد الصناعى، لا طعم لا رائحة مصبوغه بالألوان، منفوخة بالسيلكون،
حتى روح الجماعة بين البشر، تقلصت بعد أن إهتزت نزعة الإيمان والإنتماء والهوية،
المرأة تسبب له صداعا لا ينتهى فى حربها الضروس مع الرجل الذى توجها ملكة فى الإعلانات وعلى أغلفة المجلات، فى إعلان رخيص عن معجون أسنان فى لباس مثير،
لا علاقه له بالإعلان غير زغللة العيون وشدها، وقد زحزحها الرجل عن الإبداع والإبتكار،
أشهر مصمم أزياء فى العالم رجل، وأشهر طباخ أيضا رجل رغم أنها مجالات من المفترض تفوق المرأة فيها، أمسك برأسه محاولا إفراغها من الفوضى يهزها بعنف، وقف على يده وقدميه لأعلى
ورأسه لأسفل كلاعب سيرك،
ناطح حائطا أسمنتيا، شجت رأسه أفرغ نصف المحتوى، شعر براحة قدميه لا تلامس الأرض أصبح خفيفا محلقا فى السماء، عادت له الإبتسامة التى إفتقدها طويلا، لابد من إفراغ النصف الثانى يريد التخفف من آلامه التى عاودته، والعيش بلا هموم فى أيامه الأخيرة التى توشك على الإنتهاء، الإنسانية مجتمعة فشلت فى إذابة الصدأ عن نفسه، تسللت البرودة إلى أعماقه،
الإعلام يمطره بوابل من الأخبار اليومية الصادمة، حادث تصادم قطارين يروح ضحيته الآلاف، زلزال وأعاصير تدمر مدنا بأكملها، لديه مخزون وجع لو وزع على العالم كله يكفى ويفيض،
لا يستطع الفرار من طاحونة قلقه، حتى أشواقه التى إستدعاها لترطب صحراء أيامه وجدها معطوبة،
السعادة تفر منه هاربة، منزلقه من بين الأصابع كنثار الرمل، لابد أن ينسى تفاصيل تلك المرأة الجميلة، التى لا تأتى يحيط بها حرس شديدو البأس، لابد من إفراغ النصف الثانى من رأسه،
الشمس شاحبة فقدت الكثير من حرارتها أثناء تجوالها، موغلة مثله فى الحزن، تغوص فى أعماق البحر، تلوح له بابتسامة باهته، هبت رياح خفيفة،إخترقت صدره وهو يميل براسه فى البحر ليفرغ النصف الثانى ويصبح دون رأس، رأى صدفة محار صلدة تطفو على سطح الماء، أمسك بها وهو يتأملها مدهوشا كيف لا تعطى لؤلؤها المبهر، إلا بجرح قلبها، أيقن أن الألم ضرورة فى حياة الإنسان إنه أزميل النحات وقلم الشاعر وريشة الفنان،
إنه يدفع للعيش والإستمرار والخلق والإبداع، أشهر الكتاب والمبدعين فى العالم صنيعة الألم وكل من يحاول القفز من مراكب الألم ينتظره الغرق، تنهد براحة حين وجد رأسه المثقل بالهموم، فوق وسادته لم يغادره بعد .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى