يعقوب المحرقي - تأويل المحبة

هل كان تخيلا من شظايا شطحاتي
ام من خيالاته ، هل احس بانجراف الاحاسيس وفيض العواطف التي ساقتني زمنا ،
ربما نعم ، ربما لاء .
في البدء ،
لم نكن بهذا الشكل ولا بشكل آخر ،
بدأ في عزلته مع الملكات
كمن يؤثث قبرا لقاسم مشترك ،
بعد أن شربنا عرق الفقراء في كؤوس الشعر ،
وافطرنا على سفرة الإلفة رز ا ابيضا
بلون طيور النورس ،
وقرانا مما كتبناه في سهد الليالي ،
على موائد منتصف الليل
تبادلنا قبل الوداع ،
رحلت إلى مدينة تضج بألق النور ،
وذهب هو الى القيد ،
لم اكن وحدي ، ولم يكنه كذلك ،
واقفا هناك أودعت ثروتي من الموسيقى بصحبته الجميلة ،
اتذكر صورتنا الاخيرة ،
هو في الوسط جالسا لأنه اطولنا ،
الطفلة في طفولة البرعم في حضنه ،
يدان بلون الحنطة السمراء كظل شجرة النبق ،
في فناء بيتهم ، تظللان كتفه ،
شعر عشيقته الناعم المنسدل
يرتاح على كتفيه ،
عيناها كغزالة تتراقصان في بؤرة النور ،
في الجهة اليمنى أنا ، خادم النص ،
محتضنا حبيبة قلبي الوحيدة ،
رفقتي ، ثرية القلب ،
إلى ارصفة البلاد البعيدة ،
الباقي اصدقاء عزاب كلهم ،
برائحة الريحان الطازج ،
بينهم من خلد لحظات مماثلة في لوحاته ، بينهم من رصد المشهد ،
ونضده في سردياته ،
واخرون شعراء في مقتبل القول ،
وعشق الكلمة.
بعد افتراقنا بعدة اشهر ،
انثالت علي صور غير مترابطة ،
اثناء نومي المتقطع ،
تشبه تداعيات في حياتي الباطنية ،
كانها رسائل كاشفة لاسرار دفينة،
بدأت بجزيرة صغيرة ،
تشابه اسمها واسم الجده ،
ربما وجده؟
لا هذه في المغرب ،
قد تكون جده؟
لا هذه على البحر الأحمر ،
إذا جدها في ...
( جزم الجيم ونصب خفيف للدال ونطق سطحي للهاء ) ، جده .
يحيطها ضباب كثيف ،
لا يكاد يشف عن شيء ،
كان يطل من ذاكرتي شاب
وصل توا إلى غابة النوار ،
على شبه شبح في طرف قضبان
تآكلها الصدأ ،
بصوت رهيف رخيم
ومرتجف يغني ،
أو ينشج أو يرتل أو يتهجى ،
ما يبدو أغنية مرتبكة أو قصيدة تلكأت ،
الصوت ترجرج فارتبكت الصورة
واختفت من شاشة لاوعيي ،
استغرق ذلك ثوان ،
سافرت بعيدا ،
ضلت نتف من الصورة عالقة في ذهني ،
زمن مر ،
حلمت أنا الذي لا يعرف للتدخين منفذا ، رأيت مسرنما علبة سجائر فارغة ،
في قاعها ورقة فضية مطوية ،
خلتها لعبة أو مزحة ،
على ظهر الرصاص بخط رفيع مرتجف وكأنه كتب بقلم فحم قصير وشيك الفناء ، وبأصابع ضاغطة خوفا على موته ،
كلمة غير مكتملة ،
هل هي اختصار أم شفرة ،
ام بداية جملة ؟
الكلمة لا تفصح الا عن حرف الباء ،
ثم بعد قليل حاء ،
جمعت الحرفين فصارا (حب ) ،
من النكهة والشغف والوله والتدله ،
عرفت انها لشخص .
لقد عرفني ،
له حصة في الولع ويفتنه السؤال ،
يهندس مسقبلا لقادم الكلام ،
رغم ضيق المساحة وظلمتها ،
وبعد المسافة التي يعالجها بوجع الضيق، قلت لنفسي : ما هذا الهذيان؟
استنجدت باحدهم فقال هي بشارة ،
بشارة ماذا ؟
لم اجد من مجيب ،
كلمة حب قدتكون هي البشارة
وقد تكون ذاتها الدواء لعلاج المسافة ،
تجمعت بعض المياه في بؤرة الكلمة ، وبقي نصف الكأس فارغا ،
لجأت إلى الجغرافيا ،
وجدت ارخبيلا صغيرا ،
تكاد تطمسه مياه مارجة مالحة ،
يسافر عليه قارب صغير
وحيدا بمجاديف مشرشة ،
تتبعته في الحلم ،
فرأيته يرسو على طرف جزيرة اخرى ،
قلت هذا المقصود ،
قطعت المسافة اي تم علاجها ،
اعلنت البشارة بوصول القارب ،
الحب هو المفتاح وكلمة السر ،
لم تشبعني الإقصوصة ، فهي قصاصة ،
تداعت الجمل المكملة
على غرار الورشة التي تعرفت فيها على أمل حياتي الشعرية ،
اسماها ابوها الساحرة ،
كانت توقظه كل صباح ،
تداع آخر ذكرني بصديق مهووس بمعاقرة ماء اللقاح ،
وكان يسميه نبيذ الملائكة ،
حتى صار يسكره ،
أصبح مدمنا على السفر إلى القاهره ،
ثمة يوم سالته لماذا القاهرة؟
قال كلاما خطيرا :
لأخرج رأس الحسين من المدينة الخائنة ، لأن السادات ذهب إلى القدس فخان ، سألته ما ستفعل ؟؟
قال ساخرجه ،
والف كتابا بذات العنوان ،
ما تزال الراس مجهولة المكان ،
ولها طقوس حولية ودورية ،
مرة حلمت بان صديقي يقيم بين عروقي ويتغزل في جمال الذئب ،
سالته لماذا قال فعلها شعراء الجاهلية ، بحثت قريبا ،
فوقعت على سيرج ريجياني المغني ، الفرنسي يغني عن ذئاب باريس ،
رددت معه .
غبت عن البحث والتفتيش في ارشيف لاوعيي فترة الامتحانات والأعياد وبسبب برد الم براسي ،
عندما عدت
وجدت اعلانا ملصقا ببابي من الخارج :
( ورشة الأمل تم افتتاحها منذ يومين ، في استقبالكم صباح مساء ،
الدخول مجانا ، الخروج بحصة من الولع والمشي بخفر الوعول وشظايا القصيد ).
بعد انفراج المستحيل الازرق ،
وشفاء مجنون ليلى ،
ستفتح الحديقة ذراعيها ،
ستمتليء نساء واطفالا ،
اسموها بستان قاسم آمين ،
لماذا ؟
لأن الاسم حماية للمراة وطفلها ،
لكن السجيني نحتها ،
قاسم آمين حررها ،
لماذا لايكون امين قاسم ،
لا هذان كتبا الجواشن ، له علاقة بالشعر وليس بالشجر .
وماذا عن ورشة الأمل؟
ارتدتها ، استفدت من نقد الامل ، ومكابداته ،
وماذا توهم لا وعيك ايضا ؟
الانتماء إلى ناد اخر ،
ولكنني اغفلت الموضوع ،
ذهبت للعيش في عزلة الملكات لعسل الخيال ، قرب الازرق ،
وكتبت ورسمت بالفحم لوحة القيامة لفان كوخ ،
وراسلت طرفة بن العبد وهنريش هينه ، وهل زرت برلين ؟ ،
اقمت مثل مظلة تحت مطرها الثرثار ،
من قابلت هناك ؟
رفيف الظل والرشيق الذي يشبه الوقت ولكن لابيت له ،
فاسكنته معي في الفندق ،
استمعنا الى موسيقى الحجرة ،
وتعاطينا وردة تقلد العطر ،
وماذا عن البحر؟
ليس في برلين ، هو في هامبورغ ،
جوهرة المراصد ،
احتجت الى عمليات صقل لصدا الميناء وحاويات الشعر ،
وصقل المرايا ،
وصقل حديد يشبه الاصفاد ،
اصبحت هامبورغ رشيقة كالوقت ولا بيت لها ،
وتعود لتسال (ما الامل ؟ )
الجواب تجده في انطولوجيا النصوص المقدسة وهي لم تصدر بعد ،
و غزليات العزاوي بلوحاته ،
وصدر ت منذ سنوات .
هكذا انتهى ترجرج الخيال
ووصلت الى المخيال قوافل الشعر محملة بالمجموعة الكاملة ،
بعض البيانات والرسومات بالفحم والصور ،
وارشيف من جهة كانت تسمي نفسها جهة الشعر .
وهو كيف خرج؟
مشى مخفورا بالوعول ،
والشرطة؟
كانت الوعول .
وما حمله بين يديه؟
قلب الحب .
ادركت حينها فقط ،
بأن ماراه خيال لاوعيي هو كلمة الحب وبان القلب كان ناقصا ،
الآن اكتملت دائرة الأمل فصارت قلب الحب ، فضي اللون ،
لكن ما يزال السؤال معلقا :
من ايقظ غزالة النهروان؟
ومن جعلني ابحث في لاوعيي
عن الشخص و دمه الثاني؟
هو ليس ضيفا على أحد ،
ويعيش عزلة الملكات في المستحيل الازرق .
صدفة اتصل مطرقا ذاكرتي بملح العشق :
اتتذكر انت من اسماهما ،
من هما؟
سقوط البكائيات الواقفة والدم الثاني ،
افقت : هما ابنتاك !
وانت سميتهما ،
الم أعلمك الأسماء كلها ؟
وسكت .
......................................
استطراد لقاريء النص :
( مقاطع من أغنية سيرج رجياني،في غزوة الذئاب) :
واذا ما كانت ليلة
كتلك التي لم نعرفها منذ حين
منذ مائة الف سنة
سنة من الحديد ،
سنة من الدم ،
ليلة ،
يصرخ بعالي صوته الكلب ،
انظرو جيدآ ،
أهل منطقة دنفر ،
انظروا ،
تحت معطفه البرونزي المخضر يرتجف الأسد ،
فقد الرجال ذوق حياة اللامبالاة ،
عش وتجاهل كل شيء ،
امهاتهم ، اخوتهم ،
وعشيقاتهم ،
لم يكن هؤلاء سوى جزءا من سينما ،
السماء صارت متوحشة ،
التهم الطوب المشهد حينها ،
الذئاب اووه اووه ،
كانت بعيدة عن باريس ،
في كرواتيا والمانيا ،
كانت الذئاب بعيدة عن باريس ،
احب ضحكتك ، الفير الساحرة .
كانت الذئاب بعيدة عن باريس ،
هذا يساوي خمسين فرسخا ،
في ليلة بذيل كسلسلة ،
ما ان يشم وليمة دسمة
لموتى في موقع معركة ،
ما ان يتلبس الخوف الشوارع ،
حتى تجيء الذئاب ليلا ،
أتوا.... ...وبعد
الذئاب ، اووه ، اووه !
الذئاب نظرت نحو باريس ،
من كرواتيا ، ومن ألمانيا ،
الذئاب تنظر نحو باريس ،
أواه تستطيعين يا الفير الفاتنة الضحك ،
الذئاب تنظر نحو باريس.
ذئبان دخلا باريس ،
أحدهما من ايسي،
والآخر من ايفري،
ذئبان دخلا باريس ،
اوه... تستطيعين الضحك فاتنتي الفير ،
ذئبان دخلا باريس ،
الأول بعين واحدة ،
كان ذكرا عجوزا من كريفوا ،
أسكن اناثه العشر في دوار غرينيل الهزيل ،
وغذى صغاره المائتين مع أطفال باسي ،
اذن ،
مائة ذنب ، اوووه اوووه !
مائة ذنب دخلوا باريس ،
توقفي عن الضحك فاتنتي الفير ،
مائة ذنب دخلوا باريس ،
الثاني لم يملك سوى ثلاثة أرجل ،
كان ذئبا رماديا من كاربات ،
ونسميه كارم برنان ،
يسمن اطفاله ،
يقدم لهم ست وظائف ,
وكل حراس المستودعات ،
الذئاب اجتاحت باريس ،
تستطيعين الابتسام فاتنتي الفير ،
الذئاب اجتاحت باريس ،
مشدودة برائحة الدم ،
بآلاف ومئات ،
تحتفل ، وتصخب فرحا ،
وتلتهم لحما دسما ،
في هذه البلاد الفرنسية التعسة ،
حتى يستعيد الناس الحب والأخوة ....حينها ،
خرجت الذئاب اوووه اوووه
من باريس ،
سواء من ايسي او من ايفري ،
الذئاب خرجت من باريس ،
احب ضحكتك حسنائي الفير ،
الذئاب خرجت من باريس .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى