أحسَسْتُ أنَّ عقلي توقَّفَ عن الاستيعاب، أنَّ ذِهني لم يَعُد قادرًا على فصْل الخُيوط عن بعضها، أنَّ عَيْنيَّ ترى السَّطر الواحد من أوراق تلك القضية، سطرين أو ثلاثة، على هيئة تموُجاتٍ ترُوحُ وتجيء.
توقَّفتُ فورًا عن القراءة، فما جدواها إنْ كان من يَقرأ لم يَعُد يفْهَم ما يقرأ. رحِم الله عُمرَ بن الخطاب، عندما أوصَى - من بين ما أوَصى - في رسالته لأبي موسى الأشعريّ؛ بمناسبة تولِّيه قَضاءَ البصرة (الفَهْمَ. الفهْم) نعم. لابد من الفَهم، وإلاَّ فلْندَع القراءة جانبًا حتى يصفُوَ الذِّهن لنفهم.
لم يكن تَشابُك الأحداث هو ما استَوقفني، وإن كان قد أجهدني، وإنما تلك الصُّور المتحرِّكة للوقعة وشُخوصها، والمسرح الذي دارت عليه وقائعها. ولأهَمُّ ما استوقَفني هو زمان الأحداث وبطلها الأول.
نحن الآن في العام 2017 في عصرٍ أسموه عصر "العَوْلَمة" تارةً، وعصر "ثورة الاتصالات" تارةً أخرى، ومن بعد قالوا عصر "ثورة ٍالمعلومات" أو العصر "الرَّقمي" أو "الاكتروني". أما المكان فهو قرية من قُرَى ريف مصرنا الحبيبة.
ولكن هذا الذي كان اسمه الرِّيف، والذي دارَت فيه تلك الأحداث، ليس هو الرِّيف الذي رأيتُه في طفولتي، وعِشتُ فيه ردَحًا من الزمن في صِباي وأدْركْتُه على سيرته الأولى من البَساطة والبَداءة والفطرة، وعمِلتُ فيه وكيلا للنائب العام منذ ما يَربُو على خمسة ثلاثين عامًا مضَتْ. بل هو التطور المُذهل، الذي ضرَبهٌ في كلِّ مَناحي الحياة، قبل أن يهجُرَ أهله كل ما كان جميلاً من قِيَمٍ وأخلاق.
ريفٌ جديدٌ تمامًا عن ذلك الذي كان. ريفٌ حلَّ فيه الأسْفلتْ محل المَدقَّات والطرُق الُّترابيَّة. وماكينات الصَّرف الصِّحي يهدر صوتُها بدلاً من سيارات "كَسْح" الآبار البدائية. ووصَلات المياه النظيفة، بدلا من دورات المياه التي يكسوها السيراميك والبورسلين، لتَطرُد "الطِّشت" و"الأبريق" من المشهد.
حتى منظومة عمل الفلاح قد تغيَّرتْ، صار يجذب حبل ماكينة الرَّي ليديرها بدلا من "الطنبور" أو "الشادوف" أو "الساقية وصار غيرها بمفتاح عَبْر "كونتاكْتْ" مثل السيارة. وولَّى زمن الحَصاد اليدوي، لتقوم الميكنة بكامل هذا الدور، تحصُد المحاصيل وتفْصِلها عن سيقانها، أو تَقْلَع الدَّرنات من الأرض بدلا من "النُورَج و "الفأس و "المِدراة". ولم يَعد يعمل من الثامنة صباحا حتى الغروب كما كان، بل عدة ساعات تُعد على أصابع اليد الواحدة قبل الشروق، على نظام "سلق البيض".
وتحوَّلت بُيوت الطُّوب اللَّبِنْ إلى عماراتٍ عملاقة، تخترق جدرانها أجهزة التكييف، وتتخلَّلُها المصاعد الكهربائية، بدلاً من السَّلالم الخشبية أو الطينية.
وذهَبَ أدْراجَ الرياح الفُرْن البلدي، ليأخذَ مكانه الفُرن الحكومي الآلي أو النصف آلي، أو الفرن المنزلي بالغاز، وحَلَّتْ أطباق التقاط الأقمار الاصطناعية محل حطَبْ القطن والأذرة فوق السطوح، وشبكات "الواي فاي" وشبكات الإنترنت، محَل "سيمافور" سلك تليفون دَوَّار العُمدة.
وصار "الميكروويف" بديلاً "للكانون" ناهِيكَ عن الغسَّالات الأوتوماتيكية، والثلاجات، و"الكِتْشِن ماشين" وماكينات الطَّحين الحديثة التي تجعل الدقيق من ثلاث درجات، بعد أن ولَّت أيام "الرَّحَى" والقادوس القديم وحَجَر الطحين.
وذهبَ السُّوق إلى غير رَجعة، بعد أن أنهَى حياته "السوبر ماركت" وخدمة التوصيل للمنازل من خلال "التُّوك تُوك" وانتشرَت مَغاسِل "الدِّرايْ كلين" للسِّجاد وللملابس، بدلاً من "الطِّشت" أو الحَجر على شاطئ التِّرعة.
وانتشرَتْ صناعة المخبُوزات والحلوَى، و"البيتزا" والمشويات، والأسماك الجاهزة، والكافيهات، وصالات الأفراح، بعد أن كانت الاحتفالات تجري في "جُرْن" القرية أو الدَّوار.
ولم يسْلَمْ التعليم من هذه الحَداثة، فالحضَانات العربي واللغات، بدلاً من الكُتَّاب والمدارس الحكومية، وسيارات التوصيل للمدارس بدلاً من الحمير والسَّيْر مَشْيًا على الأقدَام، ويقال "كي جي" بدلا من سنة كذا أو الحضانة.
وفروع البنوك و"الفيزا كارت" لقَبْض المُرتَّبات والمعاشات، ورحِم الله كاتب الماهيات، ودفتر التوفير، والبوستة، ناهيكَ عن المحمول و"التابلت" اللذين لا يفارقان الفلاحين وهُم رُكوبٌ فوق الدَّواب يناجون أبناءهم في النمسا واليونان وأمريكا وفرنسا ليرسلوا اليورو والدولار لشراء أرض علياء القوم التي كانوا يعملون فيها، فانتشرت العقد النفسية والأحقاد لدى البعض. إلخ.
حتى حُرمة المآتم لم تسْلَم من تلك الحداثة المجنونة، فدخَلتْ عليها بدعة تصويرها بالفيديو، لماذا؟ لستُ أدري! فهل الذكرى جميلة إلى هذا الحد؟! أم لمقاطعة مَن لم يحضر العزاء!
بحق، تغيَّر كل شيء تغييرًا جذريًا، في الأدوات، ونمَط الحياة، وأساليب المعيشة، ولكنْ لم يتغيَّر الإنسان إلى الأفضل؟
في هذا العصر "العَوْلمي" تَنشَبُ معركةٌ واسعةُ النِّطاق بين عائلتين كبيرتين، لم تكن معركة بالنَّبابيت؛ كما كان يحدث أيام فتوَّات روايات نجيب محفوظ، ثم إلى عهدٍ قريبٍ في السبعينيات من القرن الماضي في الأرياف والصعيد، أو كما كان يحدث في أرياف ذلك الزمان أيام الجهل والفقر المُدْقع ووابور الجاز والظلام.
كان يسقَط في المشاجرات عدد قليل، ويُصاب عدد آخر بإصابات يكفي لعلاجها حلاَّق القرية، أو طبيب الوحدة الصحية، ولكن الآن تطوَّرت المعارك هي الأخرى، كما تطورت الأرياف، فبنادق خرطوش وآلية، ومولوتوف، وشماريخ، وأسطوانات غاز تُحمَل على الأكتاف، وتُشعل النار في فوَّهاتها للترويع والتَّخويف، ثم تُلقَى على عتَبات منازل الخُصوم.
جُثَث قتْلَى ومُصابين كُثْر، منازل وسيارات أُضرمَتْ فيها النيران، عيونٌ خُزِقَتْ، أيادٍ وأصابع قطَّعَتْها تلويحات السِّنَج والسُّيوف، رؤوسٌ تكسَّرَت عظامها، زراعات حُرثِت وهي في مَهْدها، وجرَّاراتٌ في البحر دُفِعت، ومحاصيلُ وُضِعَت فيها النار، ورهائن خٌطِفت، كل هذا في التحقيقات، وكلُّ هذا في القرن الواحد والعشرين.
تَعْجَبْتُ لسَبب الحادث، إنَّ أحدهم كان يَستقلُّ دراجته النارية ومن خلفه زوجته، كانا يقصدان شاطي النيل ليتنزَّها، وإذ مَرَّ بجاره الجالس أمام مسكنه ومعه اثنان من أصدقائه، تناهَى إلى سمعه تضاحُكهم، عَتَبَ عليهم، قالوا ضَحكنا مُصادفةً وليس عليك.
كان "دكتورًا" عائدًا من باريس، حصل على الدكتوراه في القانون من أكبر جامعة من جامعاتها، ظنَّ أنَّ الضَّحكات كانت سُخرية منهما.
أصدر أوامره لذويه: الانتقامَ الانتقام، وراحت تحدثه نفسه: ألا يعْلمُون أنِّي "دكتور"؟ اُقتلوهُم. حرِّقُوا عليهم دُورَهم، ليعلم هؤلاء الصعاليك من نَحن.
وكان له منهم السَّمْع والطاعة، وكأنِّي ببطل رائعة يَحي حَقِّي "قنديل أم هاشم" حين لجأ ذلك العالم إلى زيْت القنديل التماسًا للعلاج، دُون سُبُل العلم الحديث. لم تُغيِّر فرنسا فيه شيئًا. لم تُضِفْ الحَداثة إليه ولا إليهم، إلا وسائل وأدوات وآلات جديدة لارتكاب جُرمِهم.
تُستخرج جُثَثت الأشخاص والأطفال من المنازل التي أُضرمَتْ فيها النار وهي في وضْع القُرفصاء من الرُّعب، حين داهَمْتُهم النيران وحاصَرتهم أدخنتُها الكثيفة، يُنقل العشَرات إلى المستشفيات في حالة حُروق من الدرجات الثلاث . و. و . إلخ.
يسُاق المجرمون إلى محكمة الجنايات، ليُزَجَّ بهم في غياهب السجن جَزاءً وفاقًا، وربمَّا كان هو المكان الوحيد الذى لم تنَلْ منه العَوْلمة!
توقَّفتُ فورًا عن القراءة، فما جدواها إنْ كان من يَقرأ لم يَعُد يفْهَم ما يقرأ. رحِم الله عُمرَ بن الخطاب، عندما أوصَى - من بين ما أوَصى - في رسالته لأبي موسى الأشعريّ؛ بمناسبة تولِّيه قَضاءَ البصرة (الفَهْمَ. الفهْم) نعم. لابد من الفَهم، وإلاَّ فلْندَع القراءة جانبًا حتى يصفُوَ الذِّهن لنفهم.
لم يكن تَشابُك الأحداث هو ما استَوقفني، وإن كان قد أجهدني، وإنما تلك الصُّور المتحرِّكة للوقعة وشُخوصها، والمسرح الذي دارت عليه وقائعها. ولأهَمُّ ما استوقَفني هو زمان الأحداث وبطلها الأول.
نحن الآن في العام 2017 في عصرٍ أسموه عصر "العَوْلَمة" تارةً، وعصر "ثورة الاتصالات" تارةً أخرى، ومن بعد قالوا عصر "ثورة ٍالمعلومات" أو العصر "الرَّقمي" أو "الاكتروني". أما المكان فهو قرية من قُرَى ريف مصرنا الحبيبة.
ولكن هذا الذي كان اسمه الرِّيف، والذي دارَت فيه تلك الأحداث، ليس هو الرِّيف الذي رأيتُه في طفولتي، وعِشتُ فيه ردَحًا من الزمن في صِباي وأدْركْتُه على سيرته الأولى من البَساطة والبَداءة والفطرة، وعمِلتُ فيه وكيلا للنائب العام منذ ما يَربُو على خمسة ثلاثين عامًا مضَتْ. بل هو التطور المُذهل، الذي ضرَبهٌ في كلِّ مَناحي الحياة، قبل أن يهجُرَ أهله كل ما كان جميلاً من قِيَمٍ وأخلاق.
ريفٌ جديدٌ تمامًا عن ذلك الذي كان. ريفٌ حلَّ فيه الأسْفلتْ محل المَدقَّات والطرُق الُّترابيَّة. وماكينات الصَّرف الصِّحي يهدر صوتُها بدلاً من سيارات "كَسْح" الآبار البدائية. ووصَلات المياه النظيفة، بدلا من دورات المياه التي يكسوها السيراميك والبورسلين، لتَطرُد "الطِّشت" و"الأبريق" من المشهد.
حتى منظومة عمل الفلاح قد تغيَّرتْ، صار يجذب حبل ماكينة الرَّي ليديرها بدلا من "الطنبور" أو "الشادوف" أو "الساقية وصار غيرها بمفتاح عَبْر "كونتاكْتْ" مثل السيارة. وولَّى زمن الحَصاد اليدوي، لتقوم الميكنة بكامل هذا الدور، تحصُد المحاصيل وتفْصِلها عن سيقانها، أو تَقْلَع الدَّرنات من الأرض بدلا من "النُورَج و "الفأس و "المِدراة". ولم يَعد يعمل من الثامنة صباحا حتى الغروب كما كان، بل عدة ساعات تُعد على أصابع اليد الواحدة قبل الشروق، على نظام "سلق البيض".
وتحوَّلت بُيوت الطُّوب اللَّبِنْ إلى عماراتٍ عملاقة، تخترق جدرانها أجهزة التكييف، وتتخلَّلُها المصاعد الكهربائية، بدلاً من السَّلالم الخشبية أو الطينية.
وذهَبَ أدْراجَ الرياح الفُرْن البلدي، ليأخذَ مكانه الفُرن الحكومي الآلي أو النصف آلي، أو الفرن المنزلي بالغاز، وحَلَّتْ أطباق التقاط الأقمار الاصطناعية محل حطَبْ القطن والأذرة فوق السطوح، وشبكات "الواي فاي" وشبكات الإنترنت، محَل "سيمافور" سلك تليفون دَوَّار العُمدة.
وصار "الميكروويف" بديلاً "للكانون" ناهِيكَ عن الغسَّالات الأوتوماتيكية، والثلاجات، و"الكِتْشِن ماشين" وماكينات الطَّحين الحديثة التي تجعل الدقيق من ثلاث درجات، بعد أن ولَّت أيام "الرَّحَى" والقادوس القديم وحَجَر الطحين.
وذهبَ السُّوق إلى غير رَجعة، بعد أن أنهَى حياته "السوبر ماركت" وخدمة التوصيل للمنازل من خلال "التُّوك تُوك" وانتشرَت مَغاسِل "الدِّرايْ كلين" للسِّجاد وللملابس، بدلاً من "الطِّشت" أو الحَجر على شاطئ التِّرعة.
وانتشرَتْ صناعة المخبُوزات والحلوَى، و"البيتزا" والمشويات، والأسماك الجاهزة، والكافيهات، وصالات الأفراح، بعد أن كانت الاحتفالات تجري في "جُرْن" القرية أو الدَّوار.
ولم يسْلَمْ التعليم من هذه الحَداثة، فالحضَانات العربي واللغات، بدلاً من الكُتَّاب والمدارس الحكومية، وسيارات التوصيل للمدارس بدلاً من الحمير والسَّيْر مَشْيًا على الأقدَام، ويقال "كي جي" بدلا من سنة كذا أو الحضانة.
وفروع البنوك و"الفيزا كارت" لقَبْض المُرتَّبات والمعاشات، ورحِم الله كاتب الماهيات، ودفتر التوفير، والبوستة، ناهيكَ عن المحمول و"التابلت" اللذين لا يفارقان الفلاحين وهُم رُكوبٌ فوق الدَّواب يناجون أبناءهم في النمسا واليونان وأمريكا وفرنسا ليرسلوا اليورو والدولار لشراء أرض علياء القوم التي كانوا يعملون فيها، فانتشرت العقد النفسية والأحقاد لدى البعض. إلخ.
حتى حُرمة المآتم لم تسْلَم من تلك الحداثة المجنونة، فدخَلتْ عليها بدعة تصويرها بالفيديو، لماذا؟ لستُ أدري! فهل الذكرى جميلة إلى هذا الحد؟! أم لمقاطعة مَن لم يحضر العزاء!
بحق، تغيَّر كل شيء تغييرًا جذريًا، في الأدوات، ونمَط الحياة، وأساليب المعيشة، ولكنْ لم يتغيَّر الإنسان إلى الأفضل؟
في هذا العصر "العَوْلمي" تَنشَبُ معركةٌ واسعةُ النِّطاق بين عائلتين كبيرتين، لم تكن معركة بالنَّبابيت؛ كما كان يحدث أيام فتوَّات روايات نجيب محفوظ، ثم إلى عهدٍ قريبٍ في السبعينيات من القرن الماضي في الأرياف والصعيد، أو كما كان يحدث في أرياف ذلك الزمان أيام الجهل والفقر المُدْقع ووابور الجاز والظلام.
كان يسقَط في المشاجرات عدد قليل، ويُصاب عدد آخر بإصابات يكفي لعلاجها حلاَّق القرية، أو طبيب الوحدة الصحية، ولكن الآن تطوَّرت المعارك هي الأخرى، كما تطورت الأرياف، فبنادق خرطوش وآلية، ومولوتوف، وشماريخ، وأسطوانات غاز تُحمَل على الأكتاف، وتُشعل النار في فوَّهاتها للترويع والتَّخويف، ثم تُلقَى على عتَبات منازل الخُصوم.
جُثَث قتْلَى ومُصابين كُثْر، منازل وسيارات أُضرمَتْ فيها النيران، عيونٌ خُزِقَتْ، أيادٍ وأصابع قطَّعَتْها تلويحات السِّنَج والسُّيوف، رؤوسٌ تكسَّرَت عظامها، زراعات حُرثِت وهي في مَهْدها، وجرَّاراتٌ في البحر دُفِعت، ومحاصيلُ وُضِعَت فيها النار، ورهائن خٌطِفت، كل هذا في التحقيقات، وكلُّ هذا في القرن الواحد والعشرين.
تَعْجَبْتُ لسَبب الحادث، إنَّ أحدهم كان يَستقلُّ دراجته النارية ومن خلفه زوجته، كانا يقصدان شاطي النيل ليتنزَّها، وإذ مَرَّ بجاره الجالس أمام مسكنه ومعه اثنان من أصدقائه، تناهَى إلى سمعه تضاحُكهم، عَتَبَ عليهم، قالوا ضَحكنا مُصادفةً وليس عليك.
كان "دكتورًا" عائدًا من باريس، حصل على الدكتوراه في القانون من أكبر جامعة من جامعاتها، ظنَّ أنَّ الضَّحكات كانت سُخرية منهما.
أصدر أوامره لذويه: الانتقامَ الانتقام، وراحت تحدثه نفسه: ألا يعْلمُون أنِّي "دكتور"؟ اُقتلوهُم. حرِّقُوا عليهم دُورَهم، ليعلم هؤلاء الصعاليك من نَحن.
وكان له منهم السَّمْع والطاعة، وكأنِّي ببطل رائعة يَحي حَقِّي "قنديل أم هاشم" حين لجأ ذلك العالم إلى زيْت القنديل التماسًا للعلاج، دُون سُبُل العلم الحديث. لم تُغيِّر فرنسا فيه شيئًا. لم تُضِفْ الحَداثة إليه ولا إليهم، إلا وسائل وأدوات وآلات جديدة لارتكاب جُرمِهم.
تُستخرج جُثَثت الأشخاص والأطفال من المنازل التي أُضرمَتْ فيها النار وهي في وضْع القُرفصاء من الرُّعب، حين داهَمْتُهم النيران وحاصَرتهم أدخنتُها الكثيفة، يُنقل العشَرات إلى المستشفيات في حالة حُروق من الدرجات الثلاث . و. و . إلخ.
يسُاق المجرمون إلى محكمة الجنايات، ليُزَجَّ بهم في غياهب السجن جَزاءً وفاقًا، وربمَّا كان هو المكان الوحيد الذى لم تنَلْ منه العَوْلمة!