د. سيد شعبان - إذ قال يوسف

في حارتنا باب خشبي كبير، دار عليه الزمن، جعلته الفئران ملهى ليليا، كنت أخاف المرور جواره، عليه تصاوير مفزعة، تسكن الشياطين البيوت العتيقة التي هجرها أهلها، سمعت عنه حكايات روتها جدتي؛ يوما ما كان يضج بالحياة، نوافذه كانت مشرعة، البنات الجميلات كن يترآين من نوافذه، شعورهن السابحات مثل اغصان الياسمين، الحمرة والنضرة تتبدى عليهن، في حارتنا وحين يأتي الشتاء يطول الليل ولا بد من السمر، نحن نقتات الحكايات مثل حبات الفول السوداني، لا مانع من بعض خرف، فالجن يحضرون بين ثنايا السرد، إنها عادة جميلة، عم أبو طيفه ذلك المحب الذي كثرت عنه الأقاويل، ومن منا لا يعرف بحبه؟
ظللنا نردد هذه السيرة المغلفة برائحة الماضي كلما جاء الشتاء، تخيلته عاشقا يجوب النواحي، يقف عند الأمكنة التي اعتادت حبيبته أن تمر منها، مضت سنون، حتى إذا ضربتني لفحة الهوى فإذا أنا هو، نحن نتمثل ما علق في ذاكرتنا، مثل الطير نلزم أعشاش آبائنا، بل نكون هم حيث يحلو من الهوى حديث!
حتى عرفت بين الناس بملهوف البنات، تعرفون شعر البنات، غزل البنات، مجنون ليلي وحتى بهانة، لا يهم اللقب طالما الداء واحد، في هذه الأيام رجعت إلى الحارة، وقفت قبالة البيت الكبير، تجرأت دخلت منه، ثمة أرواح بالمكان، أتكون تلك أوهامي التي سيطرت على فترة من عمري، لا أحد يهتم بما فعلت، الأحياء في عالم آخر.
حتى إذا دخلت الحجرة المهجورة حيث رائحة الماضي بما اشتمل عليه من أسرار أخفاها أبو طيفه عن الجميع، ورقة مطوية تحت وسادته المصابة بالبلى تقول : تزوجت من بهانة، شهد على هذا العقد شيخ البلد وكبير البصاصيين، استدرت إلى الخلف، وليت هاربا، هل كان أبو طيفة رغم ما عرف عنه من خفة وملاحة غير كبير اللصوص؟
تصمت الكلمات حين يضرب العجز ألسنتهن، سمعت هذه الحكاية مرات عدة ففي الشتاء نعتاد التكرار حتى مطلع الفجر، هذه الأيام ألف مانع حاجز يترصد الحكي، الوشاة كثر، أمي حين يصعد الخطيب منبر الجمعة تبدأ في الدعاء، تستحضر كل أولياء الله الصالحين؛ السيدة زينب والحسين والسيدة نفيسة، إنها تتعلق بهم، حتى أسمتني سيدا، لذا أشعر بأن لي صلة بآل البيت، حين أسمع بحكاياتها أجدني مزهوا بما يكثر في ذهني وبما يعمر في قلبي من سيرتهم.
كلما نزلت مصر المحروسة هرعت إلى باب السيدة عطرها أخاذ، من درب الجماميز وحتى العتبة الخضراء تربض الحكايات في الحجر وعلى وجوه البشر، حتى هدني التعب!

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى