يعقوب المحرقي - تذييل الكرسي العتيق

شربنا من قربة عواد الرأس ،
وكانت كرسيا عتيقا ،
مخططا بحناء التاريخ ،
وعبق غبار الغيوم العابرة ،
وصلنا إلى التذييل ،
وقعنا على الأعمام الثلاثة ،
وما ادراك ما هو العم ،
وكيف يمسك بدفة السفين ،
ويقود الركب إلى عمق المحيط ،
فإن كانوا ثلاثة تناوبوا وشرقوا ،
وتاهوا في محيطات الظلام ،
لكن نداء أميرة الماء
حصنهم من غرق محتوم وموت محسوم .
أميرة كانت بعيني غزالة عاشقة
وأكمام وردة في ربيع النوار ،
تتفتح على الكون بكهرمان المحبة ،
وتغمض احلامها على همس النجوم ،
أعمام ثلاثة ،
رقم هو علامة الخلق ويعجب الله كما كتب بلزاك .
تبارك البابليون بثلاثة الهة :
( آن ، إنليل ، وإنكي)
خلق العالم من العدم ،
وتسيد فيه الثلاثي المقدس .
الأعمام الثلاثة احاطوا الطفلة بنور العيون
وحنو الريحان ،
فرشوا لقدميها الطريتين ،
ومخمل حذائها ياسمين الروح ،
نهلت من قلوبهم رونق الحياة ،
ومشت على بساتين صدورهم ،
وبين الاضلع والحنايا ،
بسطوا لها النسيم ياسمينا ،والسماء نجوما من حرير ،
لاعبوا طفولتها بورق الموز وحناء الأمل ،
كتبوا عنها على خرائط ذاكرتهم ،
علموها الغناء ،ورقص"المراداة والعرضة "،
وحضروا معها طبول العرس وزهوة الخيل
وشروق الشمس على رمال "الصخير" ،
قرؤوا لهآ عند النوم اساطير القلعة ،
و"سنة الطبعة" ونعناع العيد، "
ناغوها بالمواويل وتنهيدة المهاد ،
سموا لها شجرة السدرة وقوارب الصيادين
و"ام حمار" ونجم سهيل ،
منذ طلوع الفجر الأول .
حملوها على ظهورهم ،
حين غرقت البيوت وغضب البحر ،
رتلت البحر " توب توب يا بحر" ،
تائبة منذ الولادة ،
صاغوا لعيد ميلادها اقراطا من درر ،
وفي محابس ايديها عقدوا محبتهم ،
زركشوا خلاخيلها ،
كحلوا عينيها بكحلة شفافة من نور الغسق .
حان زمن القطاف ،
كبرت الصبية في مرآة الروح ،
سأسميها نوره الوردة ،
لن اسمي "العمام الثلاثة "
عرفهم القاصي وركض خلفهم الداني ،
وطلب كرمهم شعب غفير من الزعفران ،
ورجت مباركتهم يقطينة الافق الحزين ،
وزحفت الى عمق بساتينهم سلحفاة الوداد ،
اياديهم بيضاء كانها حليب ناقة على وشك الولادة ،
وخيامهم على التلال تنتظر بنار القربى ضيوفا
على محفات الهوى ،
وتنفض في غربال الصمت ذهب الشعر وطلاوة السرد وحلاوة الكلام ،
للناس لديهم عسل القبلة وتوق العناق ؛
وصندل الابتسامة .
عشقت نوره تفاحة الزمن الجميل فارسا كان يغفو على غصن احلامها وينشد اغاني فيروز ببوح شفيف رقيق ،
كشف الأعمام الغطاء فراقبوا وشاغبوا وهرجوا وهاجوا وماجوا ثم اغلقوا الققص الذهبي على نوره ،
فذهبت الى بئر الدموع ،وسفحت مرارة الفؤاد ،
الفتى قيدوه في جزيرة الشوك البعيدة ،
لم ير غير الماء ،
كتب توقه وحبه على جذوع النخيل ،
وجوانح النوراس المسافرة
علها تصل الى قفص نوره ،
الأعمام الثلاثة احكموا الرتاج ،
ونشروا العساكر في الطرقات ،
الشعب هب لان الققص الذهبي قفص لحرية مرتجاة وامل يخيب ويفنى ،
الفتى سرب الى الماء زجاجة بها قصاصة
رسم عليها أملا اخيرا ،
صادرها العسس ،
قراها الأعمام ، فك شفرتها جاسوسهم فعرفوا المكتوب وبطشوا بالفتى ،
كانت مجرد كلمات من فجيعة المنفى خرجت
الى عيون الأعمام الثلاثة :
" وآنه في جزيرة حايط عليها بحر "
الصبية تراقب وتتعلم من الأعماق
ما يؤديه الأعمام الثلاثة تحية للماء ،
تخيلتهم في حلمها . قالت لها حمامة
زارتها في أولى مناماتها :
رمزية الثلاثي وفك شفراته :
في الحضارة الهندية الاوروبية للرقم ثلاثة اربعة جذور تعبر عن احساس بالثقب .
عبر ، جرح ، ترتبط ببعضها لكون الإصبع الثالث
في اليد الخنصر يتجاوز الأصابع الأخرى .
أصل علو مقام وسيادة الرقم ثلاثة ،
ومنها انطلق استخدام الرقم مكثفا ،
والافضلية لما هو ثلاثي :
السموات الثلاث . الألوان الثلاثة ،
الكلام الثلاثي ، الثلاثي قولا وفكرا
و فعلا . وقسم الهندو اوروبيين الوظيفة
في المجتمع العالمي الى ثلاث وظائف اساسية : السيادة والقدسية ، معركة وانتاج ،
روما القديمة لديها ثلاثيها :
جوبيتر، مارس ، كويرينوس ،
ثم الثلاثي كابيتولين .
بلاد الشمال البعيدة لها ثلاثي اوبسال :
اودن، ثور ، و فرير .
الهنود لهم الدوشا" الثلاث ،وهي "الضعف ".
اتباع يسوع لهم الرب في الاعالي ،
وابنه في السماء بعد الصلب ،
والروح القدس بين الاثنين .
الطريق الثالثة صادره السياسيون والفلاسفة ،
كتبوا عن قطب ثالث .
توقفت الحمامة ،
احتارت نوره اي عم هو الأعلى ؟
رفعت خنصرها للشمس، وجدته الأطول شموخا ،
ثلاثتهم متقاربون في طولهم وعرضهم .
لجأت إلى بئر الظلام علها تجد المفتاح ،
قال لها الماء تحت قناع دامس السواد :
رأت شفتاي الرقراق تحت انعكاس خيوط القمر ، غمزتها نجمة النوم :
ثلاثة كانوا ، ثلاث هدايا قدموا للرضيع ،
جاؤوا على حافة الوقت وصياح الديك،
ونجمة الصباح ،
(متي) في انجيله دون الهدايا ؛وتناسى الثلاثة ،
الهدايا الذهب والبخور والمر ،
تشي اي درب سلكوا ،
وعلى اية جبال تسلقوا ،
وفي اية قرى على السفوح اناخوا دوابهم ،
ومتى خرجوا من مدنهم واين تلاقوا ؟
أسئلة محيرة لم يجب عليها متي ،
انشغل بالهدايا ونسي الثلاثة ،
كم من قبائل هجروها ومدن عبروها ،
لماذاجاؤوا في هذا الوقت ؟
الرضيع لم ينطق بعد ، العذراء منشغلةبحليبه ،
يوسف ينهي المهد و ينضدالدمى
ويقرع الأجراس ويعلف الحمار ،
قال إنجيل متى : بعد أن سجدوا له وصمت ،
قال التاريخ :
انحدر الثلاثة من عالي جبال الأردن ،
قال آخرون : من بيداء الحجاز
قالت التقاليد وقد ملت الكلام :
قدموا من بلاد الرافدين ،
او فارس زرادشت ،
قام نجم من غفوته في مناوبة مفاجأة هداهم
من بلادهم إلى موقع الميلاد .
ساروا علىالسراط المستقيم .
" النبي بلعام أشار إلى «نجم من يعقوب» ،
وكتب باحثون :
النجم اللامع المذكور في إنجيل متى ربما اقتران كواكب المشتري ،وزحل والمريخ بين 6 و 4 قبل الميلاد ،
ترمز مواهب الحكماء إلى هوية المسيح ومهمته :
الذهب للملك ، والبخور في سبيل الله ،
والمر لدهن الموتى .
يوحنا قال في انجيله :
أنيقوديموس أحضر مزيجا من 75 رطلا من الألوة والمر لدهن جسد يسوع بعد صلبه .
كرم الله الحكماء بتحذيرهم في حلم العودة إلى ديارهم بطريق آخر وعدم إبلاغ الملك هيرودس .
اعتقد البعض :
يوسف ومريم باعا هدايا الرجال الحكيمة لدفع
ثمن رحلتهم إلى مصر هربا من اضطهاد هيرودس .
الملوك الثلاثة كانوا من بين أحكم الرجال .
اكتشفوا ميلادا وشيكا ، فهرعوا ثلاثتهم
يقودهم النجم بين الغفوة والصحو إلى مهاد المولود ،
تخيلت نوره ذاتها مسيحا والاعمام الثلاثة ملوكا
من المجوس ،
تراءت لها نجمة بيدها بوصلة الرؤية ،
تقودها الى حيث طفل وامه وجوزيف النجار .
ففكرت في نجار الكرسي العتيق لعواد ،
رأت نجمة أخرى تغمز بطرف عين وكانها تغني :
أنا عواد.
ماثيو لم يكشف سلالة الزوار.
بوح الأساطير سماهم :
غاسبار ، . بالتازار ، مليكيور
نبوءة دانيال عن المسيح أو "الممسوح"
هل قرؤوها ؟
وماثيو هل درسوا تعاليمه هم المجوس ؟
بعد أن ولد يسوع في بيت لحم في يهودا ،
في عهد الملك هيرودس ،
جاء مجوسي من الشرق إلى أورشليم وسأل :
"أين هو المولود ملك اليهود؟
رأينا نجمه في الشرق وجاءوا لعبده ".
طريق اخرى وسط لم يعرفها الثلاثة في رحلتهم ،
خلقتها فلسفة التاو بعيدا في الصين ،
لم يعرفها المسيح بعد ،
بحثا عن التوازن الكوني بين الينغ واليانغ
تجاوزا لصراعهما ، يتأمل التاوي مفلسفا الحياة .
الدياليكتيك ايضا ومنذ سقراط صراع بين قطبين ، لمقاربة ثالثهم الحقيقة ،
نورة الرجاحة قالت في اطياف خيالها وجدت القطبين ، هل الحقيقة ثالثهم واي عم هو ؟
ثلاثة اديان سماوية لم تعط نوره شافي الجواب ، هيجل خلق ديالكتيكيا من ثناءي القطب ،
ما الحاضر ، الماضي والمستقبل سوى ثلاثة أعمام ، المادة ، الفضاء ، الوقت ثلاثي آخر تجهله ،
مولد فحياة فموت ، جسد ، نفس و روح ،
ثلاثي ايضا ، حكمة، قوة و جمال . ثلاثية جميلة
تشبه في جانب منها الاعمام الثلاثة .
قبل ذهابها إلى المخدة تمتمت نوره :
الصباح ، بعد الظهر والليل ثلاثية للحلم والسعادة .
شكرت عواد ونصه وعاشقا لن تراه ، ونظرت إلى اشباح ثلاثة تغادر الحياة .
وضعت نوره راسها التواقة على مخدة الأحلام
ومالت بعينها نحو نور يشرق في جزيرة نائية سمعت نجمة تغني فيروز ..
-------‐--------------------------------------------
هامش : الصخير هضبة ومصيف.
العرضة والمراداة: رقصتان شعبيتان.
توب توب يابحر : اهزوجة النساء لعودة الرجال
في مواسم الغوص على اللؤلؤ.
" وآنه في جزيرة حايط عليها بحر" :
موال في انتفاضة الغواصين(الهده) في 1919. والمقصود المنفى والسجن.
أم حمار : خرافة لتخويف الاطفال.
سنة الطبعة: حادثة غرق سفينة في بحر عاصف مات فيها كثير من الناس واثرت في الحياة الاقتصادية للأحياء .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى