أحمد عبدالله إسماعيل - متى المفر؟

يتحسس الخُطا، وببطء شديد يتحرك على إيقاع نغمات هادئة، يتمايل بجسده وهو يراقصها ليلة الزفاف، يمسك بها بحرص شديد كأنه غريق يتشبث بطوق نجاته، اتسعت ابتسامته أوسع من شحمتي أذنيه، عاهدها أن يكون وأن يكون وأن يكون.
لم يدر بخلد الحاضرين إلا جبال السعادة التي ستعيش فوق قممها تلك الفاتنة، أخذوا يرسمون ملامح أطفالها، البنت ستأخذ لون عينيها وملامح وجهها البريء، أما الولد فسيأخذ منها براعتها ونبوغها ويصبح طبيبًا مثلها، قاسمها بهمس في أذنها أن يكون لها كما تحلم وتتمنى، فابتسمت بدلال ورقَّة.
انقضى شهر العسل وأخذته الدنيا فمضي بعيدًا، أبعد من أن يعود لينقذها من قهر أمه ومعايرتها أنها لم تنجب، اعتادت أن تسمعها ما لا تتحمله الجبال، فكانت تنوح وتصيح عاليًا حتى تُسمع الجيران إمعانًا في إهانتها وذلها!
تلهفت عودته كغيمة مغيثة، أو حضن دافئ، لعقت الصبر تنتظره ليكون عوضًا عن حزنها.
فأما العشق الذي دام لسنوات قبل الزواج، فلا هو صان عهوده ولا تركها لغيره؛ بل تزوج بامرأة مطلقة بعد أن أخرجها من عصمته، وتوعدها يومها ألا تعرف إلى السعادة سبيلًا، وما يزال يتحسس أخبارها ويتجسس عليها في كل حين!
طافت البلاد بحثًا عن حل لحياتها التي انقلبت رأسًا على عقب، جلست أمام أحد المشايخ وبصوت متقطع يجهش بالبكاء قالت:
-الطنين يصيب أذني ليل نهار، وأصبحت شاردة الذهن ضعيفة الذاكرة، يتساقط شعري كلما مشطته، ولا أعلم سبب سوء حالتي في بداية كل شهر قمري!
طرقت كل باب لتتحرر من الأسْر الذي استمر طويلًا، وأصبحت السعادة أبعد من أن تقرأ الكتاب أو تنفذ نصائح المشايخ بكل دقة؛ إذ تحيروا في أمرهم، منهم من قال إن بها مس من الجن أو السحر وآخر قال إنها محسودة من أقربائها، قصدت غيرهم وغيرهم فاختلفوا في تشخيص ما بها ولم يتفقوا على وصفة دواء لمرضها.
جلست خلف النافذة، تستعرض ذكرياتها الماضية، تحادث شجرة الفيكس الضخمة التي تنصت إلى شكواها كل ليلة، فخلعت الهموم التي أرهقت روحها وحلَّقت بعيدًا أبعد من سقف الدنيا فسألت السماء: "أعجزتُ بطبي ودوائي أن أدفع المكروه عن نفسي؟! أين أنت يا ربي؟! هل أنت موجود؟! هل بعد الحبس الانفرادي -الذي دام لأكثر من اثني عشر عامًا- إلى الحرية من سبيل؟!"

من المجموعة القصصية أقنعة السعادة
يناير ٢٠٢٣

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى