سامح ادور سعدالله‎ - في آخر الطريق...

كانت تجلس هناك بعيداً في الحديقة الكبيرة،المليئة بالأشجار الكثيرة الجميلة غير المثمرة وكذلك أشجار الزينة ، هي أشجار منتظمة في صفوف طولية وعريضة وأخري دائرية مشذبة بعناية فائقة، يتخللها أحوض من الزهور لكل حوض فيه نوعه الخاص به من الزهور، التي كانت تتفتح بأنتظام وتنشر رائحتها بانتظام طوال مواسم السنة الأربعة بحيث كل يوم وكل فصل تشتم رائحة من نوع وجنس مختلف ومن تلك الزهور الجميلة اليانعة . لَم يكن أحد يأتي هنا إلا نادراً، عند الأحواض توجد سواقي صغيرة متصلة بمجاري مياه عذبه لتروي الأحواض بطريقة هندسية بارعة خطط لها برسم ممتاز تظهر الجمال الفني لها أكثر.العطور الذكية المنبعثة من هذه الزهور مستمرة علي مدار السنة كل فصل تميزه رائحة زهوره.هناك كهوف مشيدة بالفن الهندسي ليست طبيعيةو لكن تعيش فيها الحيوانات وأخري للطيور وكذلك كهوف تتراكم عليها أسراب النحل الذي يعيش في أنتظام، كل هذا لا يعطيك إلا إيحاء بالنظام والانتظام . لا شيء غيرهما شعرت حينها بجمال مُمل، رجعت مرة أخرة لمن كانت تجلس هناك تلك السيدة العجوز التي تشبه كثيرة هذه الحديقة في النظام والهندام والتوقيت كيف ؟سوف أقص عليك ما رايت طوال فترة عملي هنا؛ هذه السيدة التي تجاوزت السبعين ولَم ينحن ظهرها وشعرهاالأبيض ينسدل كأنه نهر جاري بدون تشابك أو تعقيد حال كل العجائز بحكم تقدم العمر، جبين عريض باستدارة مُحكمة وأنف دقيق بارز بزاوية حادة، الهامة منتظمة وعيون ثابتة بحركة منتظمة ومشيتها كضابط حربية محترف دون أنكسار دون تعرج . وترتدي زيها باناقة ونظام في فصل الخريف في موعده بالتمام علي حسب التقويم بالضبط وهكذا كل الفصول تستطيع أن تضبط ساعتك وتقويمك معها. كان زيها أيضا متناسق الفستان مثل الحذاء مثل حقيبة اليد نفس الأسلوب والطراز واللون رغم قدم الموديلات التي كانت ترتديه هذه السيدة، إلا أنها ترتدي أرقي وأعرق وأفخر الثياب، أن لَم أخطئ فيبدو أنها من بيوت أزياء باريس كعادتها. كل شيء منظم ومنسجم وكل من يراه لم يدرك أنها أول مرة ترتديه علي أحدث موديلات العصر . علي الرغم من أن هذه الموديلات جميعا تصنف من موديلات أربعينات القرن الماضي ولون زيها كله أسود إلا القفازات كانت بيضاء. تجلس علي الأريكة جلسة منتظمة لا حراك لا يمين ولا يسار تنظر صوب الشمال إلي أعلي وكل ما تطلبه هو فنجان قهوة سادة بمواصفات معينة أنا من أقوم باعداده كل يوم ورثت هذه الوظيفة عن والدي الذي كان يقدم نفس الفنجان، هذا هو سبب تعييني في هذه الحديقة جئت خصيصاً لأجل هذه الصنعة. كل ما فيها كان يلمع عيونها شعرها بشرتها حتي زيها فستانها حقيبتها وحذاءها، كل شيء له بريق ولمعان يفوق الجمال. من هي تلك العجوز التي تشبه التمثال الذي لا يتحرك أبداً إلا عندما تأتي صباحاً وعندما ترحل عند غروب الشمس، كان اليوم أواخر الخريف وكانت أوراق الشجر العتيق تتساقط علي أكتاف هذه السيدة العجوز وهي لا تهمس أبداً ولا تتحرك وتأتي موجات هواء منعش غير معتادة في فصل الخريف تداعب زهور الأحواض المنتشرة في كل مكان تنشر روائحها الذكية في كل مكان وتدب الروح في كل الكون والطبيعة وينبض القلب بحيوية أكثر وتتجدد الحياة هنا فقط . يخبرني مجهول أتعرف سر هذه العجوز؟ أبداً لا أَريد أن أعرف سر من أسرار هذه العجوز القابعة هناك؟ عبثاً كانت محاولاتي كان كل شيء يخص هذه السيدة مجهول تماماً أشبه بأسرار قدماء المصريين . في أسرارهم وقصصهم وحضارتهم، كذلك هذه العجوز التي لا يعرف عنها شيء في هذه الحديقة الملكية الأزلية. من يجرؤ ليتقدم ويعرف من تكون هذه السيدة؟ لماذا اختارت هذا المكان الأصيل الذي يرفض التغيير رغم أنها في كل شيء تدل علي النمو والتطور والرقي، لَم أتمالك نفسي أريد أن أعرف سرها نعم أعرف سر هذا التمثال معذرة أعرف سر التمثال الذي يسكن داخل هذه السيدة وأطلب منها معرفة أسرارها أذا رغبت. ولكن أعدكم يوماً سوف أقتحم أسوار هذا السد العتيق المنيع وأُخرج خزائن الأسرار وأبوح لكم به مهما أن قابلتني صعوبات وموانع وضيقات أريدكم معي حتي أفوز بأسرارها ونحطم أسوار الجهل والتخلف والتداني والرجعية وأصحاب الحناجرة الكاذبة والمضلله وأهل الشر والفتن. كي أكون أول من يفوز بكنزِ سيدة الحديقة. وارتجت الحديقة وضاعت مني أوراقي وأفكاري وتشتت كل خططي ولا أعرف كيف أصل؟

سامح ادور سعدالله‎

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى