تورية لغريب - "مرايا" متعة الدوار اللذيذ

إذا كان فعل الكتابة تعبير عن القلق الوجودي، فالإبداع هو الشِّقُّ المُنير منها، بحيث يحمل في عمقه ضرورة الابتكار والتطوير، وهو ماتسعى إليه مختلف أنواع الكتابات السردية
ومن بينها القصة كجنس أدبي له مكانته الخاصة، وقد شهدت كتابة القصة في المغرب طفرة نوعية بحيث " تمردت"- إن صح التعبير- على كلاسيكيتها ،و أصبحت تواكب معايير الكتابة العالمية، مما أفرز عددا من كتاب القصة مغاربة، نحتوا أسماءهم في تاريخ الإبداع المغربي ولا زالوا ينقشون بصماتهم الراسخة، بكثير من التطوير والتثوير، و الدهشة التي تأخذ القارىء إلى عوالم سحرية بل، وتحفّز إدراكَه لِلغوص في عمق ماوراء السطور.
ولعلّ مِن بين أبرز الإنتاجات الإبداعية، التي تفوق فيها المغاربة : المجموعة القصصية الرائعة " مرايا " للكاتب المغربي سعيد رضواني، الذي كشف لنا من خلالها عن حنكته المتفردة، في جعل السرد فلسفة، تُشرك القارىء في عملية الخلق الفني والتّأويل و الإدراك الجيّد للعالم الذي يتحوّل بين أنامل المبدع سعيد رضواني إلى عوالم متعدّدة تدعو الذات والآخر، لوقفة تأمّل تجاه معظم القضايا الإنسانية، بتقنية عالية تسمو بالقارىء ليجد نفسه قطعة من فسيفساء
نادرة شكّلها المبدع سعيد رضواني، بعيدا عن القوالب الجاهزة للقصة بمعناها المتداول .
هذه " المجموعة القصصية " مرايا غنية بجمالية اللغة وسلاسة السرد، إضافة للبناء المُتقنٌ إلى حدّ الإبهار، و السرد المضاعَف الذي يعكس ليس فقط خصوبة الخيال بل المتعة الحقيقية الأكثر عمقا من اللعب الشكلاني بالألفاظ، فإننا نجزم بأنّنا أمام مبدع محترف استطاع بالفعل وبلغة شفافة أن يحفزّ أذهاننا - نحن القرّاء- ووجداننا بقدرة منقطعة النظير
في قصته مرايا الأحلام نعيش مع المبدع سعيد رضواني حلما في حلم في حلم داخل دائرة تلتف نحو نفسها، ليصبح المحلوم به الأخير، حالما يحلم بالحالم الأول الذي يصبح محلوما به في دورة لا متناهية، هدفها رصد الطبقات وتباينها في تدبدبها الاجتماعي.
وفي قصة بداية ونهاية، تسير الأحداث والمشاهد مندفعة نحو الأمام لترتدّ بطريقة معكوسة، متراجعةً
نحو نقطة الانطلاق، راصدة حياة وموت أب وابنه ليتضح في النهاية أنهما شخص واحد
أما قصة (وصيتان )، فإنها مطرّزة بسرد لولبي، يرصد الحياة المتطابقة للأب والابنة.
وسأترك للقارىء متعة اكتشاف سحر باقي القصص...

"مرايا " مجموعة قصصية للمبدع سعيد رضواني
صدرت في ثلاث طبعات وترجمت إلى الفرنسية، ونشرت في باريس عن دار النشر بانثيون .

تورية لغريب




1676731756714.png

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى