محمد محمود غدية - صور وحكايات

تفتح صندوق الذكريات تقلب فى الصور، وهى بمريول المدرسة والضفائر، يطالعها التفاخر والتعاظم، كم كان وجهها جميلا يشع نضارة، صورة لها فى إحتفالية بعيد الأم كم كانت رائعة وهى ترتدى ثوب أيض يشبه ثوب العرس الذى لم ترتديه، إنهمرت دموعها كالمطر، صورة أخرى وهى فى نضارة الشباب ورحلة للهرم، تتدافع الصور والحكايات، وكيف إصطبغ خداها بحمرة قانية كلون الشفق عند الفجر، حين وقف المرشد السياحي يتأملها وفمه مفتوح فى دهشة، يتأمل عينيها المشرقتين العذبتين الحلوتين، التى تسطع بلهيب قوى، عبثا تحاول لملمة ملامح الطفولة والشباب فى ذاكرتها التى إندثرت وإنطفأت، عشقها للمطر والصبح الرمادي وفطير الجدة والذرة المشوي وثمر البطاطا، مثل شريط السينما الذى توقف مع إضاءة صالة العرض تعلن النهاية، من الذى دس صورتها وهى تمتطى صهوة الأربعين تحت وسادتها ؟
حتى المرآة تآمرت عليها وهى تتأمل عينيها والبريق الذى أوشك على الإنطفاء، إنها أمام امرأة أخرى
لا تعرفها لا تكرهها
لا تحبها، الوحدة دون رفقة موت، كانت تعيش نشوة الركض ونشوة التعب، تشتاق لليالي الدافئة الموشاة بعبق الياسمين، مثل زميلاتها اللاتي لا يتوقفن عن الثرثرة، والحديث عن الأزواج والأولاد، دون مراعاة لوحدتها والظلمة التى تحيط بها حين تغفو وتصحو، تحلم بمن يخدش سكينة الصمت الموحش، تعلم أن الحب هو الملجأ والمهرب من قسوة الضجر والقيود والناس والرتابة والملل، هل تشكو لزميلاتها مواجعها، ومثلها له العذر فى أن يتوقفن عن الثرثرة، كادت أن تكسر المرآة وهى تتأمل شحوب الوجنتين، والهالة الزرقاء التى تحيط بعينيها تنم عن فرط الآسى والتعب والهم، دنيا لا تعطينا كل مانريد حتى لو أوهمتنا أنها طوع إرادتنا، إنها امراة لا تعيش الشباب والذكريات الحلوة، هى من صنعت خيباتها، حين رفضت كل من تقدموا لها، إنتظارا لفارس لا يجيء، يمتطى صهوة جواد محلى بالذهب الأصفر ويسابق الأثير، تمضغ الألم كل يوم وهى ترتشف قهوتها المرة الغاطسة فى السواد، الذى يشبه وحدتها العاطلة عن الفرح والحب .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى