رياض داخل - جلد أزرق

مستلقيتان في حديقة صفراء قرب كيس النفايات الذي كتب على وجهه وبخط واضح هدية الحاج (نصر المنصوري دامت بركاته).
كل واحدة منهما حملت قطعة من الجبن المنتهي الصلاحية، ورغيفا صلباً له صوت مزعج حينما يطبقان عليه بأسنانهما، وتحت مطر خفيف. تضحكان وتبكيان، تضربان بعضهما، ترفع كل واحدة ثوب الأخرى، تارة تدخنان السجائر، وتارة تغنيان (عمي يصياد السمك) ثم (أهواك واتمنى لو أنسَاكَ) بكلتا النسختين عبد الحليم حافظ وسعاد عبدالله، ثم سكوت مطبق استمر طويلاً قالت مها لمريم:
- أخرجي الثلاثة من بطني، إني أحملهم منذ زمن طويل حتى أن لحاهم تدغدغ المرارة، وتعصر القلب، كبروا والأمن يريدهم مدافعين عن الوطن.
علي ّ أن اذهب بهم إلى المدرسة، سأضع واحداً في الصف الأول، والثاني في الصف السادس، وأبقي على ثالثهم في البيت ليحرسه، ثم أسلمهم إلى المخابرات.
- حسناً أعطني ظهرك فلا حاجة لي بوجهك، سأتخذ من عود السدرة مقصاً أحمر.
- نعم اسحبيهم من ظهري، فإن صرتي تؤلمني فقد لعبت بها نظريات البرجوازية، نامت على بطنها بعد أن خلعت كل شيء.
نظرت إليها، تحسست جلدها، وجدته أزرق، قالت لها بغضب:
هل أنت زانية، أيتها الحقيرة؟ كيف أصبح جسمك مشوهاً بلون السماء؟ لابد أنهم أمسكوا بك وجلدوك الف جلدة.
ضحكت مها:
نعم لقد زنيت كثيراً، في سبعينيات أم كلثوم راودتني الرياضيات ، فانصعت لها وأنجبت منها سبعين سيناً وصاداً على صاد سين، والذي جلدني هو المثلث الغاشم، واللامنطق. حتى رأس المال لـ "كارل، أسهم في تعذيبي، لكن هل ستخرجي مني أولادي؟ لا أستطيع النوم بسبب غضبهم المستمر، الثالث يقول لي: أنا الفوضى التي تخنقك، والثاني هو حصار الهم والغم، والأول نزيف الشهداء، أرجوك إن لم يخرجوا اقضِ علي وسيموتون بداخلي.
ضحكت مريم بصوت عالٍ:
أنا أيضا أتحملهم بل الجميع ليس أنت فحسب، لكننا قضينا على البدايات، أهديتهم عمراً، فخرج اثنان وبقي الأخير، لم تنفع معه كل المحاولات، في إحدى أيام البرد أهديته طفلة صغيرة تبتاع زجاجات الماء فقتلها وبقي في داخلي.
قتل الكثير من الشباب وكبار السن واغتصب النساء، قطع أطفالي ألف مرة، لا يرحم، أنا أسميته المرحلة.
ضحكت مها وهي ممسكة بورقة اليأس، إنه يسكننا، إنه مجنون.
استمر الضحك طويلاً.
نودي عليهما: ادخلا القاعة، وقت الاستراحة انتهى.



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى