فتحي مهذب - العبور

منذ خمس سنوات ونيف وبسرعة نيزك طار إلى العالم الأخر مخلّفا غابة عملاقة من شجر الصداقة الأبديّة تحترق في أوساع قلبي. إتّشحت سماء روحي بالسواد حدادا على غروبه المفاجىء.
وحاولت مرارا إقناع نفسي بحتمية الموت وبفعله في جوهر الأشياء.
بعد ثلاث سنوات يمّمت وجهي شطر بلد شقيق لقضاء إجازة الصيف.
وبينما كنت أتجوّل في رواق أحد المتاحف الشهيرة المكتظّة بالمتفرّجين فجأة لفت نظري رجل في مقتبل العمر أشقر الشعر سمح الوجه قصير القامة كقصيدة هايكو. حدّقت بكلّ جوارحي في تفاصيله الدقيقة فأدركت للتوّ انّه صديقي الذي وافاه الأجل المحتوم منذ سنوات خمس. إرتميت عليه مقبّلا كلّ قطعة من جسده.فعلا انه صديقي ببدلته الفاخرة وابتسامته الفلسفيّة العميقة..
صحت مصدوما ماذا تفعل هنا ؟كيف إنتصرت على الموت وعدت إلى الحياة بهذه السهولة ؟ومن جاء بك إلى هذا المكان.؟وكيف حرّرت روحك من قبضة ملك الموت وهادم اللذّات؟ وعلى غرّة قذفني بنظرة ساخرة ودفعني بيديه القديمتين وتبخّر بين حشود المتفرّجين عشّاق الأثار والمتاحف..ناديت بأعلى صوتي يا.... لم يجد نفعا.
أخيرا أدركت أنّ الانسان بعد موته يتحوّل آليا وبقدرات خارقة إلى بلد أخر أو مدينة أخرى ليواصل لعبة الحياة القائمة على الأضداد.
أنا لست معتوها أو ذا لوثة إنّه صديقي بكامل بهجته وتفاصيله الدقيقة. لا لأشكّ في آلة عقلي الحصيف الراجح الممتلىء بشتّى البراهين المنطقية الصارمة.
الموت خدعة .متاهةتفضي إلى أخرى. طفرة في زمن الكينونة.
عبور أبديّ فوق جسور متداخلة.فعلا الحياة والموت شقيقان حميمان لا يفترقان الّا نادرا ليجتمعا في المحصّلة في وشيجة عضويّة متميّزة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى