د. محمد عبدالله القواسمة - تحويل التغريبة إلى رواية

في مقاله بصحيفة "اندبندت عربية" (26/ شباط 2023) يُرجع الناقد فخري صالح قيام الكاتب وليد سيف بتحويل المسلسل الدرامي" التغريبة الفلسطينية" الذي ظهر على القنوات الفضائية بإخراج حاتم علي إلى رواية تحمل العنوان نفسه إلى أن المؤلف رغب في أن يصل إلى قراء الرواية من المثقفين والمهتمين. يقول:" يحاول، كما أظن، الوصول إلى شريحة مختلفة من المهتمين، أي جمهور المثقفين والمتعلمين، من قراء الرواية"

لا شك أن الناقد فخري صالح ليس جازمًا بل ليس مقتنعًا(بدلالة ظن على اليقين) بأن ما يطرحه هو السبب الحقيقي لتحويل المسلسل إلى رواية؛ لأنه يعود إلى القول إن المشكلة تكمن بأن مشاهدي المسلسل ليسوا من العامة فقط بل من المثقفين وقراء الروايات أيضًا. نقرأ: " إن مشكلة نص وليد سيف، الذي تحول من دراما إلى عمل روائي، خصوصًا في "التغريبة الفلسطينية"، تكمن في أن مشاهدي المسلسل ليسوا فقط من عامة الناس، بل هم من جمهرة قراء الروايات كذلك"

وفي موضع آخر من مقاله يمتدح الناقد الرواية امتداحًا كبيرًا، ويرى أن المسلسل الدرامي يشوش على الرواية" حيث تطل شخصيات المسلسل، ومشاهده المتوالية، على قارئ النص الروائي".

لكن نجده في موضع آخر يمتدح المسلسل بمقابلته بالرواية، فنجد الرواية هي التي تشوش على المسلسل حيث أن قراء الروايات هم الذين يعودون إليه ليستعيدوا مشاهده وشخصياته، ويبحثوا عن التشابه بينه وبين الرواية. يقول: إن عدد قراء الرواية "أقل من مشاهدي المسلسل، لكن قراءتهم ستعيدهم على الدوام إلى المسلسل الذي شاهدوه من قبل، وسيستعيدون صور الممثلات والممثلين الذين أدوا أدوار الشخصيات، خصوصًا إذا كان ما يقرؤونه يتطابق كثيرًا مع ما شاهدوه على الشاشة. ولربما تحثهم قراءة الرواية إلى العودة إلى المسلسل الذي شاهدوه قبل سنوات طويلة، ليبحثوا عن التشابهات والاختلافات بين نص الرواية وتجسيد الدراما" وهذا يتناقض مع ما ذكره سابقًا بأن الرواية تشوش على المسلسل.

هذا التناقض الواضح الذي يعرض الفكرة ونقيضها في الوقت نفسه، يجعل القارئ لا يدري أيهما يشوش على الآخر الرواية أم المسلسل، ولا يدرك لماذا لم يكتف المؤلف بالعمل الدرامي، المسلسل فقط. من هنا، فإن السؤال الذي طرحه الناقد فخري صالح عن سبب قيام وليد سيف بتحويل التغريبة الفلسطينية إلى رواية ذو إجابة مضطربة وغير واضحة.

يبدو لي أن السؤال ليس مهمًا، والإجابة عنه ليست مهمة؛ فهي تعود بالدرجة الأولى للمؤلف نفسه. إنما نهتم بهما هنا لندلل على أن كتابنا المرموقين أحيانًا لا يدققون في ما يقدمون من آراء.

لكن رؤيتنا التي يحسن طرحها في هذا المقام بأن مسلسل "التغريبة الفلسطينية" خسر كثيرًا بظهور الرواية المطابقة له التي حملت عنوانه، وأن الرواية نفسها خسرت كثيرًا بوجود المسلسل، ذلك الخسران المبين الذي عبر عنه ناقدنا فخري صالح بالتشويش؛ فمن يقرأ الرواية سيقل حماسه لمشاهدة المسلسل. وإذا شاهد المسلسل فلن يعود غالبًا إلى الرواية؛ لأن روايات كثيرة تناولت الشتات الفلسطيني وسلطت الضوء على النكبة الفلسطينية، وحملت عذابات الفلسطينيين قبل مسلسل "التغريبة الفلسطينية" بسنوات مثل روايات: "عائد إلى حيفا"، "البحث عن وليد مسعود" "أصوات في المخيم" وغيرها. كما أن الصورة ألصق في الذهن من الكلمة التي تبنى عليها الرواية في الأساس. هذا ما حدث مع معظم من شاهدوا المسلسلات السابقة التي تحولت إلى روايات للمؤلف نفسه بعناوين الأعمال الدرامية نفسها: "ملتقى البحرين" (2019) و"مواعيد قرطبة" (2020) و"النار والعنقاء (الرايات السود) 2021، و"النار والعنقاء (صقر قريش) 2021 و" الشاعر والملك" 2022.

كان من الأفضل (كما أرى) أن يترك المؤلف مسلسل " التغريبة الفلسطينية" يؤدي رسالته في تقديم ملحمة الشتات الفلسطيني، دون أن يحوله إلى رواية. فهو لم يضف جديدًا إلى ما جاء في المسلسل، فلم يكن أمام القراء والنقاد غير عمل واحد في شكلين مختلفين تحت مسمى واحد.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى