حامد حبيب - "الزلزالُ" في شِعر (اريج مُحمّد)

جميلٌ أن تمتطىَ صهوةَ جوادِك الشِّعرى، وأن تكون فى قلبِ الحدَث، في وظيفةٍ تختلف عن مُراسلى الأخبار فى الصُّحفِ والمحطاتِ الإذاعيةِ والتليفزيونية، فقط أن تقعَ عينُك على ما يجري، فتُحيلُه إلى مُنتَجٍ شعورى وجُملةٍ من الظواهرِ الانفعالية متاثِّراً بالحدثِ تأثُّراً ينتهى إلى مالا ينتهى إليه الآخرون، بأن تُعيدَ إنتاجَه مرًةً أُخرى في قالَبٍ وإطار من معانٍ أُخري ومشاعرَ تتسامى وتبقى بعد انتهاء الحدث،لتمتدَّ زمانياً بكل ِانفعالاتها تستديرُ مع الزمنِ كصورةٍ من صورِ الكوارثِ الإنسانية التي تخلفُ من ورائِها دوماً ذكرياتٍ أليمة تُعبِّر عن ماساةِ الإنسانِ في مكانٍ ما ، وزمانٍ ما..
لكنها فى ذات الوقت تتجاوز الحدود المكانية والزمانية لتبقى أثراً خالداً يشهدُ بعبقريةِ الشِعر فى تجسيدِ نوائب الإنسانِ وأزماتِه وما تلقّاه من كوارث طبيعية، أودت بحياتِه وحياة آبائه وابنائه وكل الذكريات الحلوة التى استحالت غُصّةً مريرةً
في نفسِه .
_ تأتى قصيدةُ "الزلزال" للشاعرة : اريج محمد لتُخلِّد ذكرى ماساةِ الإنسانِ مع " الزلزال" الاخير الذي ضرب سوريا وتركيا ، فتلتقط المشاهد عبر نفسيّةٍ متأثِرة حيال تلك الكارثة الطبيعية وتُحيلُها شِعراً ينزُّ وجعاً ، وينكأُ آلاماً لاتموتُ رغم مرور زمن الكارثة ، لانّه سيظلّ تذكِرةً لتلك الالامِ عبر أزمانٍ قادمة.
احالت المشاهدَ إلى معانٍ شعرية انفعالية ، هى الوجهُ الآخرُ المخبوءُ خلفَ الكارثة، والكشف عنه
من خلالِ صُورٍ شعريَّة عميقة ، وتراكيبَ أعطَت لِلَوحةِ "الزلزال" ظلالاً والواناً أُخَر .


#زلزال

عندما تنهار البيوت
هناك أبواب لن تطرق مجدداً
ونوافذ ستشتهي الضوء
هناك إطارات ضيعت ذكرياتها
تركت الشظايا تطعنها عميقاً لتسيل أكثر نحو الغياب
هناك أسطوانات ستغني للركام وللوحشة
سيجرحها كثيراً انه
لا رقص
لا دندنة
ولا حتى يد تنهي رهقها الذي سيستمر طويلاً
حين تهدهد طفلاً مرعوباً لينام
أو تطغى على صوت أم ثكلى لا تملك سوى
التحديق في الفاجعة
فاجعة أن لا مملكة ولا جيران
لا شرفات ولا ثياب تجففها شمس النهار
فكل النهارات بعد اليوم
في ذمة العتمة والموت
فاجعة أب أعجزه التراب عن أن يقوم
بمنع الجدران من أن تصبح قاتلة
أن تصبح رهينة السقوط وخذلان البيوت
يعلو صوت الموسيقى ويعلو
يعلو كثيراً
يتحول إلى صراخ أبدي
يشق قلب الأرض
فتهوي الأحلام في القاع
تتكسر الألعاب
وتتشرنق الدفاتر في حقائب المدرسة
لن تحلق كالفراشات في أيدي الطلاب
أمست الألوان غباراً
والكتب نسياً منسياً
آه على تلك المواعيد
والروزنامات
والمنبه
الكل يغط في النوم الذي يقود الى الأبد .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى