يعقوب المحرقي - ارفعوا أرجلكم عن أبنوس سوادهن..

"عندما ينخفض منسوب الماء
النمل ياكل السمك
وعندما يرتفع منسوب الماء
السمك ياكل النمل" .
(اوجيني دو غيرن )
كاتبة فرنسية - 1848 - 1805


"نملة تتحدث الفرنسية
وتتحدث اللاتينية و الجاوية
هذا لا يوجد هذا لا يوجد
آه ولماذا لا " .
(روبرت ديسنوس)
شاعر فرنسي
1900 - 1945
اقترب موسمكم الجديد ،
القديم يلملم ندف الثلج العتيقة
من اهداب الغيوم
وخصلات شعر القمر ،
بعضها رمادي
رشح عليه من سخام المركبات الساهمة في تلوين الابيض
برذاذ قطرانها ،
بعضها عنيد في بياضه
كشعر امراة جاوزت الثمانين
ومازال لامعا يغطي كتفيها
كجناحي نورس ارسله اله الثلج
ليجمع انفاس الشتاء وبقايا النوار
من ارصفة الأحياء .
يجرف بمذراة الذرة غبارا تساقط من معطف شتاء يلوح
بمنديل الوداع ،
يحمل رايته البيضاء وشال كتفه مستسلما مسالما يرفع قبعته السوداء كسحابة مثقلة بديمة غزيرة ،
تتثنى كقبعة جبل يهطل بياضا ، فتسقط في غفلة ارنبة بيضاء ،
كحاو في سيرك مر بمدينة مهجورة
جرفت شوارعها كاسحات الثلوج .
هكذا يعربد الثلج ويسكر
حتى طلوع الفجر تحت قناديل تترنح
في ظلال الطيور المهاجرة
الى حيث المدافيء توزع حرارة مقلها
على عابري السبيل ، و تهدى زنجبيل الرجفة لهشاشة المسافرين ،
حقائبهم يملؤها الفراغ باوراق الغار .
ما تناثر على دروب صباحاتكم
من رائحة الخشب المحترق ،
وشظا احذية مجتها الدروب المنهكة بثقل خطواتكم العنيفة على اظلعها ، طرقتم بقاسي نعالكم
الاخضر و اليابس ،
وما تناثر بقي في عمق التربة
ينتظر اللاقطات يلقين بوشاح الجوع لجمعه وحمله .
عقبكم استراحت في دافيء المراجل ونمتم كدببة القطب
في وثير المخادع الدافئة ،
ياتي شتاء ويذهب اخر ،
وانتم لا يتعب لكم ساعد
ولا تغفوا لكم بصيرة
ولا تكل منامات الكرى الوديعة
في الظهيرة .
على الطرف الآخر من الكون
في عمق البسيطة التي تدور
مع الفصول وتراقب المارين
حول خصرها :
سيدات بالاسود والاشقر من الشعر يتحسسن بتسريحة شمس الضحى ، ويراقبن قمر العشاق
في ميزان السماء ،
لهن قرون لمعرفة الطريق
واخرى لمراقبة سير العمل
بدقة اذهلت الأنبياء
8وسحرت الملائكة .
لهن في تاصيل السلام مقام الوردة وفي مخاتلة الطريق وجني القوت أحلام سرمدية .
في دوران الأرض وتعاقب الفصول ترون طوابيرهم الطويلة تتسلق المرتفعات بارجل رهيفة حساسة .
ياتين بسلال من زعفران وبنفسج ويطرزن الطريق بموسيقى نورانية تفتح مسام الارض ليلتقطوا الفتات وينظفوا مخلفات بشر سرحوا
في خمارات الليل بنبيذ الوقت .
ترى الساعة النائمة في ركن الشارع باغفاءة عينيها صامتة :
الرجال يتابطون بيد الصبايا وبالأخرى زجاجات شبه فارغة ، يدورون بها حول ما تبقى من ذهب الشفق وفضة الشروق .
الجميلات بوشاح الألق القرمزي وحالك الكحلة وبقايا تعب النهار يملأن السلال بالفتات ،
وفي طابور يغادرن
الى قراهن السفلية ،
يتقدمهن حاجب القرية ،
مفاتيحه تتدلى من خاصرته اليمنى كأنها طيور الفري التي تم قنصها
في فخاخ خفية من غابة مجاورة
.
هكذا تجمع الجميلات في اناقة الأردية السوداء الناعمة الملمس وسلال المحبة :
فتاتا عافته الكلاب وعاثت به ارجل السكارى ، واستفرغ عليه الندماء ،
وهرسته بكعوبها احذية الحسناوات.
تغادر الجميلات كسرب طير
في سماء زرقاء الى مخازن الغلال وعنابر الحنطة ، وصوامع الخبز ، ينتظرهن غربالهن العملاق لفرز الفتات ورمي الزؤان وبقايا الطين
من احذية السفهاء .
يشتغل المحترف لشهور الشتاء ويعمى عيون الجميلات غبار الطحن لحنطة طال انتظارها وازف موعد تخزينها لمواسم الغناء والفرح ومراسم التزاوج الربيعي .
الجميلات بشال اسود على رقابهن يراقصن ربيع يليه صيف للجمع والالتقاط وقطاف فاكهة تسقط جنية بين الأيادي .
يتكاثرن ويتزاحمن
في سباق محموم
مع عقارب الوقت ،
يملأن القدور والأجران
والحفر العميقة وجرار الطين
بآلاف الأطنان من فتات المخلفات ويذهبن للنوم على وثير الأحلام .
يبقى موسم الحزن وذيل الفصول ، تلتف الجميلات بعباءات الحرير الأسود لوداع المفارقين
ونجدة المصابين ،
ونقل الجرحى
على محفات الحنان ،
وإنقاذ الغرقى بسابحات الخيال ، منضدات كسيارات إسعاف ملونة
وعربات نقل الموتى السوداء ، وطائرات
حاملات مصابي الطواريء .
وصلت الفاتنات المجللات بسواد الفصول الى موسم الجني
والالتقاط والقطاف ،
يسترحن بعد عناء الفصول القارسة والأشهر الحارقة والأسابيع المغرقة، يستلقين على شاطيء الخيال
لقليل من البرونز ونكهة النبق ،
يصعد السادة الشجر
ويلقين للنبيلات
ماتيسر من عيون الثمر .
فلتذهب ارجلكم الطينية
إلى الجحيم وكعوب سيداتكم
الى مكب المخلفات ،
واثقال سيل سياراتكم
ومداخنكم الى بئر
لا قرار له ولا فرار منه .
بطشتم بنملة مسالمة كادحة
عذبتها الفصول والعواصف ،
تبني بشقاء ملاذا امنا لحنطتها
وقوت صغارها .
الم تقرأ لكم
نملة تايلندية حكيمة في خيالاتكم ؟
الم تشرح لكم صدوركم ؟ :
"الملوك يمكنهم
مشاهدة انهيار قصورهم
النمل سيكون لهم دائما مسكنهم" .

يعقوب المحرقي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى