مقتطف د. محمد الهادي الطاهري - يوميات قائم بأعمال ربّة البيت -1-

(1

)شاءت ثقافتنا توزيع الأدوار في الحياة العائلية بين الأب والأم على نحو لا يخلو من عدل. فالأب رب والأم ربة والفارق بين الربين أن الأب قانونا وعرفا هو رب الأسرة والأم هي ربة البيت لا بأحكام القانون بل بأحكام العادات والتقاليد.. هكذا سارت الأمور في حياتي منذ بنيت عش الزوجية. فقد آلت لزوجتي المصون مقاليد البيت وهي الربة فيه أما أنا فربّ أيضا ولكن في مقام مختلف تماما. لابد أن الرجال أمثالي يدركون معنى أن يكون المرء رب أسرة. ولكن قليلا منهم من يعرف المراد من ربة البيت أو ربة المنزل. وهذا أمر كالحب تماما دقت معانيه فلا تدرك إلا بالمعاناة كما قال ابن حزم. وشاءت الأقدار أن تطل علينا سنة 2023 بوجه عبوس رغم احتفائنا بطلوعها وابتهاجنا بانقضاء سابقتها ابتهاجا عظيما جريا على عادات سرت فينا منذ عقود طويلة. ففي اليوم الأخير من أيام 2022 أعددنا عدة الاحتفال وكانت لحم طير وفاكهة كثيرة وشرابا من عصير الليمون لذة للشاربين. مضت الليلة الأخيرة كما مضت من قبلها الليالي ولا أدري كيف همس لي شيطان الشعر بأبيات قلت فيها: ( يا رأس العام الطالع اطلع / وإن كنت كرأس السنة الآفلة رأسا أصلع / فتمهل / حتى تنبت فيك الآمال وتينع…)
ولكن رأس العام الطالع أبى إلا أن يطلع علينا بصلعته. فقد تعثرت زوجتي في طريقها من البيت إلى الحانوت. لم تقع أرضا ومع ذلك أصابها كسر خفيف في قدمها الأيمن. نادتني عبر الهاتف تستغيث. يا محمد يا محمد أغثني أغاثك الله. طرت إليها من المقهى فإذا هي لا تقوى على المشي. ساعدتها على ركوب السيارة وأجلستها على الكرسي الأيمن. في قاعة الأشعة قالوا ما هذا بكسر ولكن الطبيب أمر لها بالجبر فاستأنا. غدا هو أول أيام الدراسة بعد عطلة الشتاء والجبر يوجب القعود عن العمل وراحة طويلة. في قاعة الجبر قالوا قولا جديدا ونصحونا بترك الجبر واستبداله بما ينوب عنه. قلنا وما هو هذا النائب البدل؟ فقيل chevillard هي أنجع وأنفع وصاحبها أسرع مشية وأخف وطأة فابتهجنا. وما مضت ليلتان من رأس العام الأصلع حتى تعكر الحال وساءت الأعمال. زوجتي لم تعد تقدر على الوقوف ناهيك عن المشي فعدنا إلى ذلك المستشفى فأعاد الطبيب النظر وقرر الجبر لزوما وقال من نهاكم عنه وقد أمرت به؟ فلم نجبه ودخلنا قاعة الجبر وانهلنا على ذاك الذي غرر بنا لوما وتثريبا فاعتذر وصنع الجبر وقال يخاطبني لابد لها من عكازتين اثنتين وجاد علينا بعض الجيران بما يجب من العكازات حتى امتلأ بيتنا بها وصار الكثير منها لعبة بين يدي أهش بها على قطط كثيرة جلبتها إلينا رائحة الشواء. وكان ذلك الشواء أول عمل من أعمالي مدة انتصابي قائما بأعمال ربة البيت.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى