عبدالرحمن مقلد - حديث مصحح اللغة لابنته...

لن أتأخر يا ماريا
فانتظريني خلف الباب
- على عادتك -
وصيحي فرحاً
إن الحلوى تملأ جيبي
صيحي
كي يستيقظ قلبي
وكي يتساقط ما يتعلق فيه
وما تلحقه من أشباحٍ
لم ينصرفوا بعد..
وكي يتوقفَ ما يتتابع في عيني من الأنباءِ
وما يرسله البث
ويعدو خلفي..
خذي بيدي
كأنى أصعد حتى الشرفة
حتى أدرك أني خلف الباب
هنا في البيت
وأن الخارج لا يتبعني
والإرسال توقفَ
والموتى رحلوا عني!
وكأني حفار قبور!
لا ترتعبي
يا بنتاه
إذا ما استعر الذئب الخامد فيَّ
ولا ترتعدي..
إن الذئب تضاءلَ حتى الموت
وفقد الصوتَ ..
وأنا أعدو خلف الريح
دمي كالوحش
وعقلي يعبث فيه النملَّ..
ولكنَّ عوائي الليلة لن يسمعه أحدٌ
لن ينتبه المارة
إن الذئب جريح
والصوتَ الخارجَ منه فحيح
الذئب جريحٌ
ينزفُ بين يديك
ويهبطُ من غابته على إكليل الراحة
يهربُ خلفك
أو يتعلقُ في خصلات الشعر الذهب
ويصعد أعلى أعلى
لن ينتبهوا...
إن عوائي لم يسمْعه المارة
وأنا أمسكُ ما يتقافز من أخطاء
وأركضُ خلف «الفارة»
أقبعُ بين فخاخي
أمسحُ ما يتراكم من أدرانٍ
في أبدانِ اللغة
وأكنس ما تتركه الريح من الأتربة
وأدفع ما نسيته حروفُ الجر
وأحدثُ للأفعال دوياً
كي ينتبه المسحولون
وذوو الحاجات
وأبني للهمزاتِ عشوشاً تسكن فيها
تقيها شر عواصفَ تعصفُ
أو طائرةٍ تقصفُ
فتكون ضحاياها من أطياري..
وأنا أعوي يا بنتاه
لكي يسمعني الناسُ
كنت وحيداً
أسند ألفَ المد
وأرفو الغامضَ والمتلبس
وكان الظالم يمضي
والمظلوم يئن
وكان العالم يغلق نصف العينِ
وأنا بستاني اللغة
المولعُ بالتنقيط
ووضع فواصلَ
أختلس الوقتَ
لأزرع بضعَ ورود
وشجيرات تصنعُ ظلاً
وأنا أرتقُ ثوب فتاةٍ
كان اللص على الشباك
يراقب
كان الخنجر فوق الرقبة
كنت أجنُّ
وأعوي
وأنا أبصر ما يتطاير من أشلاء
والدبابة تنهش جسد المارِ
وكنت أرتب للتنوين الدور الأمثل
كنت أزيل دموع النون وأضع النقطة
كنت أغير من تكشيرة حرف الهاء
بوضع الفوينكات
وكانت تسقط آخر مدن الثورة
والجوعى كانوا يا بنتاه على الصلبان
وأنا أعوي
وأتابع عدوي خلف الفارة
أحمدُ سهوي..
- لست المخطئ
هذي المرة في تنضيض حروف الملك
ولا ترتيب القادة
لم يتجاوز أحدُ العامة نحو رئيس -
الجوعى يا بنتاه بآخر صفٍ
والبورصة تقفز
وأقارن بين دوي الهاون والكاتيوشا
وبين رنين الحرفِ الحُر
تمر زلازل وبراكين
وأنا أعوي
كي يسمعني من يتسابق نحو الموت
وكي ينتبهوا قبل سقوط البيت
أرجو أن يتركني
القابع فوقي
ولا ينتبه لأي من أخطائي
يا ابنتي
كأني قاتلُ من قتلوه
ولص المال العام
إذا ضبطوه
أقاموا لي المقصلة
وقالوا
كيف..
لماذا لا تنتبه..
وكيف لهذا الشاعر أن ينتبه
لخطو يديه
وتلك دماء الموتى تملأ كل الشاشة
وتحمل من بصمات القاتل
ما لا يمحوه دليل
لكني كنت أرمم تلك الهوة بين القاتل والمقتول
كأني حفار قبور
كل الجثث لديه سواء
حفار قبور!!
ماذا يفعل يا ابنتي
الشاعر بستاني اللغة
سوى أن يرثي الموتى
أو يريث بضع دقائق كي تحتضن الأم بنيها
أو ينفجر الأب ويغلق عين الولد
وأن يقتبس الغارقُ آخر نفس
ويمر قطار المنتحبين
ليس عليه سوى أن
يضع زهوراً للدبابة
كي تقتات
ولا تضطر لصيد مزيدٍ من صحبته
ويَزَيِنُ وجوه نساء منهوكات العرض
ويضعً فواصل كبرى بين القاتل والمقتول
هذا ما أملكه يا ابنتي
وما يمنحني القوة
أني محض مدين
وما يمنحني السلوى
ما أغدقت عليَّ من القبلات
ومن تلويح الأيدي
- وأنت على بلكون البيت -
ومن تحفيزي
وأنا ألبس سترة دون كيخوته
وأحمل ما يتبقى من عدته
أرفع رأسي
وأرد على تلويحك
قبل سقوطِ القامةِ
والتجديفِ إلى المقبرةِ
لألعب دوري في ترتيب الجثث
وفتح الشق...
أرى التابوت
ورا التابوت
يفوت
وأقول: وما في ذاك
الكل يموتُ ...

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى