محمد فيض خالد الرحلة.. قصة

امسك موظف الجوازات بيد غليظة الختم ، دقه بغير اكتراث ، أومأ برأسه محييا في صمت ، انتظمت في مشيتي وسط حشد صاخب من البشر، انفتح أمامي بهو متسع ، انتصبت فيه قبة زجاجية تتلألأ في المنتصف بأضواء زاهية، تحجب خيوط شمسالظهيرة الغاضبة ، حتى شمس النهار تريد أن تهاجر يا أمي ،الوضع لا يطمئن ، فبرودة المكان شيء لم اعهده في حياتي ، تهب تلسع وجنتيَّ في قسوة ، إلى جواري صبي صغير بدى منفعلا، تحرر من قبضة أمه ، قائلا في دلال :” أريد واحدة منها ” ، وأشار بإصبعه ناحية واجهة من البلور المضيء ، علتها يافطة كتب عليها بأحرف أجنبية مختصرة ،ومن داخلها وقفت فتاة في ثياب قصيرة تلوح بابتسامة ملائكية ، تعدل من خصلات شعرها الأحمر في كبرياء،لا أعرف إلى أين اساق يا أمي ، لكني مجبر على ذلك ،البرودة لا تطاق ، لن اترك نفسي على عمايتها ، تلكأت في مشيتي متعللا بتعديل هندامي الذي بدى مضحكا يا لقسوة الفقر ،غير أن ضجيج الأطباق ، وصريخ الملاعق تلحسها في عنف ، رائحة الطعام تختلط بكل شيء تستفز معدتي الخاوية ، افتقد يدك يا أمي تحمل طبق القلقاس ، ونظراتك الحانية تشبعني، فصنف أولئك الذين تراصوا حول الطاولات ، قد انخرطوا في ضحكاتهم ، تتأرجح أرجلهم دون كلفة ليسوا مثلنا يا أمي، فهذا المكان لا يقوى على الاقتراب منه شيخ البلد ، ولا حتى بكري خولي الأنفار ولو باع جلبابه السكروته، البرد حيوان متوحش يمرر طرف لسانه فوق جلدي.

لم ينجدني غير شواهد عالية قادمة عن بعد ، هذه الوجوه أعرفها جيدا ، لا أخطئها ،هي مثلي غريبة حتى وإن أظهرت بعض الغرور ، تقدمت منهم حييت في تلطف ، ابتسم كبيرهم وهو يجر حقيبته بلونها الأزرق الكالح ، فجأة تراجع عن حميميته وسحب ابتسامته ، هز رأسه مختالا بعمامته البيضاء المكورة في إحكام ،وقد تصلبت عروق رقبته في تشنج ،بادرته على عجل :” الكويت إن شاء الله ” ، قال في تحشرج : ” أيوه ” ،سريعا غاب عني في نظرة شهوانية مفضوحة ، تتحسس أجساد النساء المارة ،لم يكترثلوجودي ، فزفرات صدره الملتهبة ، ومصمصته العالية، ولكزه صديقه بيد متصلبة ،وهو يقول :” النسوان حظوظ يا واد عمي ” ، شيء يؤسى له ، تابعت سيري يا أمي ، مع صحبة لا تقل في بؤسها عني، الفارق بيننا ، أنني وافد جديد سيؤول مآله عما قريبلثور مغمى.


محمد فيض خالد




تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى