يعقوب المحرقي - هل كبرت فيك الطفولة؟

صدر الام معبد عصي النفاذ غامض .
(غوستاف فلوبير )
كاتب و روائي فرنسي
1821 - 1880

الملاذ الأكثر أمانا هو صدر الأم .
جان بيير فلوريان
شاعر فرنسي 1794 - 1775
وتكبر فيَّ الطفولةُ
يوماً على صدر أمي"
(محمود درويش)
1941 - 2008
هذا الصدر الذي ارضعك ونمت عليه
وتالم من اجلك ،
وضحى بسهره
ولياليه الطوال لشبعك .
خرجت من بستان الماء إلى حياة الرخاء ،
من الوان قزحية درت فيها
ربما تسعة اشهر او سبعة
وربما اكثر
ولكن الرب لا يمنح تاشيرة إقامة
في بالون الماء
اكثر من التسعة اشهر .
اخرجوك الى اليابسة ،
كأنك كنت تلعب في مركب نوح
مع فراخ الطيور التي تكاثرت
في العاصفة ،
او ربما كنت في بطن حوت
تنام على فراش يونس بعد تحرره ،
أو قدمت من سفينة فضاء
استغرقت تسعة اشهر طوال لملامسة طين الأرض ،
تحولت خلالها من علقة الى نطفة ومن نقطة الى جملة
تاكل وتنام
وتمسح يديك في جدران البالون ،
تحلم بمستقبلك الصغير
كالوردة التي تتنفس رحيق العسل
من قبلات النحل .
خرج رأسك أولا وقد تكون رجلاك ، إذا ما كنت وحيدا
فالمعنى انك قدمت طوعا وزحفا
على رأسك ، وان كنتما او كنتم
فهذا امر بحاجة الى طابور انتظار وضبط النفس والتنفس .
الآن خارجا نظفوك من بقايا
أرض الحديقة المائية وحملوك
الى صدرها ،
تشمك وتقرا عينيك
وتضحك فرحا لمقدمك ،
على وثير وناعم حرير صدرها
تغفو حالما برحلتك الجديدة ، وقمصانك الجميلة ، ووثير مخدعك .
أولى قطرات الحليب الطيب اللذيذ وصلت اعماقك فانعشت رؤاك ،
فها انت ثمل منذ أولى
خطواتك على اليابسة ،
اغمضت العينين
وتلذذت بنكهة امك على صدرها .
هو ذات الصدر الذي خبات صوره تحت وسادتك مراهقا وتعبت امك ورحل بها الخيال بعيدا ،
اعتقدت تقصيرها في منحك الأمان والشح بحليب المحبة ،
لكن صور الصدور للمراهق كانت رحلة اخرى الى فانتازيا القارة
التي لم يرها طفلا .
صرت رجلا تتشمم صدورا وهمية
في مخيالك ، وتلوذ بالصدريات الملونة في درج قرب منامك ،
وتسمع اغاني الصدريات
في واجهات الدكاكين الزجاجية ، تحلم بحليبها وتحن الى صدر امك ، وتكبر فيك طفولتك
لانك معلق عليه ،
يقطر فيك حنانا .
وصلت الى الشيخوخة
تهدل الصدر الشامخ
وشاخ كما شعر راسك ،
تحلم في ليالي السهاد
بأنك لا تزال على صدر امك ،
تتنقل بين بستان الماء
وجنة الحليب ،
وتحلم ، تحلم الى مالانهاية .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى