قالها والدي ثم رحل : ما عاد البشر بشرا، وما صارت المدارس مدارس ولا المجتمع مجتمعا ،بعد أن حوّل العلم العالم قرية كونية صغيرة، الكل منكب، منشغل، مستهتر .
لبثت أفكر في رد يشفي الغليل، لكن تعثر بي التفكير، طأطأت خجلا من واقع مترذل وحكم قاس صادر عن حكيم قد خبر الحياة و تقصاها لعقود طوال، و أنا التي لم أعثر له على زلة قط فيما كان يصدر من أحكام وآراء بفكره الثاقب و درايته المشهودة، ماذا عساني أفعل غير الصمت في عجز المقهور.
أجابته فتنة بكل جسارة دون أن ترحل :
من سم الخياط حدق بهم، رآهم كيف يتعايشون ، يتفاعلون،
في عزلة يتواصلون و يا للغرابة متّحدون،متنافسون،يعايدون يعارضون،يتعاركون،ينقدون و ينتقدون،يكرمون،ويهينون ، يطردون،و يغلقون أبوابا ويفتحون نوافذ و هم جالسون ثابتون لا يتحركون، لا يتذوقون فقط يندفعون ،
سمعت ضحكاتهم و بكاءاتهم و نِفاقاتهم و تبريكاتهم، حضرت أعراسهم ومآتمهم، أوجاعهم وأعياد ميلادهم، وكل تفاصيل عيشهم اليومية لحظة بلحظة في عزلة وجوههم إلى الحائط، أعناقهم ملتوية و أناملهم تلعب بمهارة ساحر عظيم .
بعض تحركاتي سُجلت وتناقلوها أعداء قبل الأحباب تهامسوا تضاحكوا، و تناسوا بسرعة ، ليمروا لقائمة طويلة تنتظر دورها في التجسس و الفضول الآني المعتاد...
بلمسة بسيطة تجاهلوا، مسحوا وجهة وغيروا وجهة من شمال إلى جنوب ومن شرق إلى غرب لا مانع ولا ضابط غير الذوق و الإثارة و الفضول بكل حرية كانوا مقيدين .
أنا لا أكذب. وهو لا يكذب ، أخبرني عدة مرات بأسرارهم وكشف ألاعيبهم، وحتى كتاباتهم ، و اعترافاتهم،عرى رموزها وقرأ مكبوتها و سافر بين سطورها.
. ساءلته ذات مرة: ألا تكل من متابعتنا؟!
أجابني مستهزئًا: استلبنا العقول ،و نزعنا الخشوع , اكتشفنا مهارات بين المهاترات ثم سجناكم ببيوتكم، كبلنا معارفكم،
سمعت بعض ما يحاك ضدكم،وما تحوكونه ضد غيركم،نبهناكم ونبهنا هم وزرعنا جذور الفتنة في متعة أرهقت شياطينكم، أتنكر ذلك يا ذا.... أأقولها ، لم نعد غفلا سجلت بالصوت والصورة ما تعلمه وتعمله وما لا تعلمه .
كانوا يتهامسون عنك وكنت أغيظهم بنقل ما لا يريدون،وضعت كل نجاحاتك بين يديهم كي يزداد غيظهم فيسرقون ، ينسخون ويدوّنون، يقرؤون، يعجبون ولكن يحجمون عن التعبير، يخشون سطوتك أو يخشون عليك الغرور، وكم مرة نبهتك أيها الملعون.
أجبته : وما الذي يقلق في هذا ؟! لا تهمني التعليقات أمضي حال سبيلي كقطار على سكة المعقول .
أجاب ضاحكًا ب" ستيكارة " مستفزة بينما كان يهم بمواصلة التحريض أغلقت النافذة وكادت أنفاسي تحتبس
قلت في سري وانا ابتسم : هؤلاء منافقون وأنا اتخذت عهدا على نفسي أن لا أعود إلى الوراء أو أنظر إلى أسفل القاع...
رمقني مغتاظا، غمز بعينه التي لا تنام، فقأتها بكل عنهجية تجاهلته ثم تركته وغادرت مجلسي والأفكار تراودني، تضايقني، تخنقني، ذلك الوثاق يلفني ثم يلفظني.
تعاودني الهواجس، أمسك بحبله السري ، أفصل شاحنه ، لكن كالمصعوق انتفض... بالجديد أغراني، مسحت دموعه و عاهدته الثقة و الاستكانة.
ابتسم كالمعتذر، ثم سألني باستغراب ألم تنهل منهلك بعد؟! ألم ترتو ؟!
أردفت : ليس بعد.
انتابني شعور بالتيه بين واحاته و أطباقه تتجدد بين الفينة و الأخرى، بنهم شديد التهمت وجبة دسمة ثم استسمحته المغادرة بعد أن تثبت من تسجيل ما أرغب بتسجيلة و حالما ضغطت على آخر الأزرار هالني صوت دوي انفجار لغم هزني و حاسوبي إلى عنان السماء، مُسحت الذاكرة و معها افتتحت صفحة جديدة. الفتنة لا تنام، تبحث عن بيت جديد تدمره .
عن وطن جديد تنهبه، عن نبع آخر تفجره دون هوادة.
من أقصى الغرفة يصلني صوت هادئ رصين ، ما عهدتك بهذه الانهزامية و السوداوية أهملت جزءا ممتلئا من الوعاء، نحن نعيش مرحلة جديدة من مراحل التطور الدارويني، إنها مرحلة الذكاء الاصطناعي، شاءت الأقدار أن ندلف وإياكم هذه الطفرة، وككل البشر يجب الرضوخ لهذا التغيير ومازالت تغييرات جمة سيعيشها الإنس والجن والطيف و الطاقة. و....
_ على رسلك عن أي تغيير تتحدث؟
_ هذا عيبكم - آسف جدا جدتي - تستهلكون دون وعي، تتظاهرون بالبراءة الملتحفة بالسذاجة.
العالم تغير وانتهى أمره وانتظري شكل الإنسان الجديد بعنق ملتو واصبعين دقيقين و عينين متحجرتين وربما يقع الاستغناء عن جزئه السفلي لأنه لن يحتاج التنقل أو الكلام أو السماع، لا تستغرب مظهره فهو من حوّله و طوّره.
........ آه! ...........
كاد صوت حفيدي يصمّ أذنيّ و قد وخز فؤادي المعتلّ و أنا أردّد في سرّي " ما هذا النّعي الذي يزفّه إلي البشريّة جمعاء ، كيف سيواصلون خلافة الله في الأرض بهذا الشكل الآليّ !"
حدّقت به وهو متسمّر أمامي ماسكا لوحة رقميّة ينقر فيها بمهارة ساحر عجيب وقد نهرته عن هذا التشاؤم الرهيب.
لم يستسلم و بحث لي عن مقطع فيديو مفزع قد صُوّرت فيه هيأة إنسان المستقبل، كم كانت مقرفة و مخيفة تلك المشاهد ، استعذت بالله ممّا يُحاك لنا و اتّفقنا على معالجة هذا الأمر داخل مقرّ جمعيّتنا.
فليس من السهل الاستسلام إلى هذا المسخ قبل صلاتنا في القدس أجمعين، هذه فتنة تسبق الدجال ، يا ويح العروبة من التدجيل أننكّص على أعقابنا آثمين جاثمين على الأرائك؟!سنعود للحوار سنحارب مصائر يتحكم فيه مجهولون عن ديننا و ثقافتنا. هم بالعلم ينتقمون ونحن بصدق محاربون.
سيكون حوارا " واقعيّا "ندعو له في كل بيت وكل مقر وكل مدرسة، سنرافق الطفل في كل النوادي والجمعيات كي ينهض بدوره و يكتشف مهاراته سنلهيه عن عالمه "الافتراضي"، سنعود به للعب في الأزقة والحواري و نصنع من الطين أشكالا وألوانا ومن الورق نقصّ ونلصق ونلوّن كي نعيد لكل عضو في جسده مهمّته ولكل شخص مهارته ولكل روح طهرها معا في لحمة و تكاتف ، سنحارب بسلاح الوحل والثرى براءة الطفل كي يزرع وردة في كل بيت ويرعى بذرة كادت تندثر.
ضحكت فتنة ضحكات ساخرة، قهقهت كالمسعورة، لا أحد يعلم هل رحلت أم مازالت تنسج خيوط العنكبوت على صفيح ملتهب كعادتها.
سيدة بن جازية - تونس
لبثت أفكر في رد يشفي الغليل، لكن تعثر بي التفكير، طأطأت خجلا من واقع مترذل وحكم قاس صادر عن حكيم قد خبر الحياة و تقصاها لعقود طوال، و أنا التي لم أعثر له على زلة قط فيما كان يصدر من أحكام وآراء بفكره الثاقب و درايته المشهودة، ماذا عساني أفعل غير الصمت في عجز المقهور.
أجابته فتنة بكل جسارة دون أن ترحل :
من سم الخياط حدق بهم، رآهم كيف يتعايشون ، يتفاعلون،
في عزلة يتواصلون و يا للغرابة متّحدون،متنافسون،يعايدون يعارضون،يتعاركون،ينقدون و ينتقدون،يكرمون،ويهينون ، يطردون،و يغلقون أبوابا ويفتحون نوافذ و هم جالسون ثابتون لا يتحركون، لا يتذوقون فقط يندفعون ،
سمعت ضحكاتهم و بكاءاتهم و نِفاقاتهم و تبريكاتهم، حضرت أعراسهم ومآتمهم، أوجاعهم وأعياد ميلادهم، وكل تفاصيل عيشهم اليومية لحظة بلحظة في عزلة وجوههم إلى الحائط، أعناقهم ملتوية و أناملهم تلعب بمهارة ساحر عظيم .
بعض تحركاتي سُجلت وتناقلوها أعداء قبل الأحباب تهامسوا تضاحكوا، و تناسوا بسرعة ، ليمروا لقائمة طويلة تنتظر دورها في التجسس و الفضول الآني المعتاد...
بلمسة بسيطة تجاهلوا، مسحوا وجهة وغيروا وجهة من شمال إلى جنوب ومن شرق إلى غرب لا مانع ولا ضابط غير الذوق و الإثارة و الفضول بكل حرية كانوا مقيدين .
أنا لا أكذب. وهو لا يكذب ، أخبرني عدة مرات بأسرارهم وكشف ألاعيبهم، وحتى كتاباتهم ، و اعترافاتهم،عرى رموزها وقرأ مكبوتها و سافر بين سطورها.
. ساءلته ذات مرة: ألا تكل من متابعتنا؟!
أجابني مستهزئًا: استلبنا العقول ،و نزعنا الخشوع , اكتشفنا مهارات بين المهاترات ثم سجناكم ببيوتكم، كبلنا معارفكم،
سمعت بعض ما يحاك ضدكم،وما تحوكونه ضد غيركم،نبهناكم ونبهنا هم وزرعنا جذور الفتنة في متعة أرهقت شياطينكم، أتنكر ذلك يا ذا.... أأقولها ، لم نعد غفلا سجلت بالصوت والصورة ما تعلمه وتعمله وما لا تعلمه .
كانوا يتهامسون عنك وكنت أغيظهم بنقل ما لا يريدون،وضعت كل نجاحاتك بين يديهم كي يزداد غيظهم فيسرقون ، ينسخون ويدوّنون، يقرؤون، يعجبون ولكن يحجمون عن التعبير، يخشون سطوتك أو يخشون عليك الغرور، وكم مرة نبهتك أيها الملعون.
أجبته : وما الذي يقلق في هذا ؟! لا تهمني التعليقات أمضي حال سبيلي كقطار على سكة المعقول .
أجاب ضاحكًا ب" ستيكارة " مستفزة بينما كان يهم بمواصلة التحريض أغلقت النافذة وكادت أنفاسي تحتبس
قلت في سري وانا ابتسم : هؤلاء منافقون وأنا اتخذت عهدا على نفسي أن لا أعود إلى الوراء أو أنظر إلى أسفل القاع...
رمقني مغتاظا، غمز بعينه التي لا تنام، فقأتها بكل عنهجية تجاهلته ثم تركته وغادرت مجلسي والأفكار تراودني، تضايقني، تخنقني، ذلك الوثاق يلفني ثم يلفظني.
تعاودني الهواجس، أمسك بحبله السري ، أفصل شاحنه ، لكن كالمصعوق انتفض... بالجديد أغراني، مسحت دموعه و عاهدته الثقة و الاستكانة.
ابتسم كالمعتذر، ثم سألني باستغراب ألم تنهل منهلك بعد؟! ألم ترتو ؟!
أردفت : ليس بعد.
انتابني شعور بالتيه بين واحاته و أطباقه تتجدد بين الفينة و الأخرى، بنهم شديد التهمت وجبة دسمة ثم استسمحته المغادرة بعد أن تثبت من تسجيل ما أرغب بتسجيلة و حالما ضغطت على آخر الأزرار هالني صوت دوي انفجار لغم هزني و حاسوبي إلى عنان السماء، مُسحت الذاكرة و معها افتتحت صفحة جديدة. الفتنة لا تنام، تبحث عن بيت جديد تدمره .
عن وطن جديد تنهبه، عن نبع آخر تفجره دون هوادة.
من أقصى الغرفة يصلني صوت هادئ رصين ، ما عهدتك بهذه الانهزامية و السوداوية أهملت جزءا ممتلئا من الوعاء، نحن نعيش مرحلة جديدة من مراحل التطور الدارويني، إنها مرحلة الذكاء الاصطناعي، شاءت الأقدار أن ندلف وإياكم هذه الطفرة، وككل البشر يجب الرضوخ لهذا التغيير ومازالت تغييرات جمة سيعيشها الإنس والجن والطيف و الطاقة. و....
_ على رسلك عن أي تغيير تتحدث؟
_ هذا عيبكم - آسف جدا جدتي - تستهلكون دون وعي، تتظاهرون بالبراءة الملتحفة بالسذاجة.
العالم تغير وانتهى أمره وانتظري شكل الإنسان الجديد بعنق ملتو واصبعين دقيقين و عينين متحجرتين وربما يقع الاستغناء عن جزئه السفلي لأنه لن يحتاج التنقل أو الكلام أو السماع، لا تستغرب مظهره فهو من حوّله و طوّره.
........ آه! ...........
كاد صوت حفيدي يصمّ أذنيّ و قد وخز فؤادي المعتلّ و أنا أردّد في سرّي " ما هذا النّعي الذي يزفّه إلي البشريّة جمعاء ، كيف سيواصلون خلافة الله في الأرض بهذا الشكل الآليّ !"
حدّقت به وهو متسمّر أمامي ماسكا لوحة رقميّة ينقر فيها بمهارة ساحر عجيب وقد نهرته عن هذا التشاؤم الرهيب.
لم يستسلم و بحث لي عن مقطع فيديو مفزع قد صُوّرت فيه هيأة إنسان المستقبل، كم كانت مقرفة و مخيفة تلك المشاهد ، استعذت بالله ممّا يُحاك لنا و اتّفقنا على معالجة هذا الأمر داخل مقرّ جمعيّتنا.
فليس من السهل الاستسلام إلى هذا المسخ قبل صلاتنا في القدس أجمعين، هذه فتنة تسبق الدجال ، يا ويح العروبة من التدجيل أننكّص على أعقابنا آثمين جاثمين على الأرائك؟!سنعود للحوار سنحارب مصائر يتحكم فيه مجهولون عن ديننا و ثقافتنا. هم بالعلم ينتقمون ونحن بصدق محاربون.
سيكون حوارا " واقعيّا "ندعو له في كل بيت وكل مقر وكل مدرسة، سنرافق الطفل في كل النوادي والجمعيات كي ينهض بدوره و يكتشف مهاراته سنلهيه عن عالمه "الافتراضي"، سنعود به للعب في الأزقة والحواري و نصنع من الطين أشكالا وألوانا ومن الورق نقصّ ونلصق ونلوّن كي نعيد لكل عضو في جسده مهمّته ولكل شخص مهارته ولكل روح طهرها معا في لحمة و تكاتف ، سنحارب بسلاح الوحل والثرى براءة الطفل كي يزرع وردة في كل بيت ويرعى بذرة كادت تندثر.
ضحكت فتنة ضحكات ساخرة، قهقهت كالمسعورة، لا أحد يعلم هل رحلت أم مازالت تنسج خيوط العنكبوت على صفيح ملتهب كعادتها.
سيدة بن جازية - تونس