طيبه فاهم ابراهيم - هذيان وقوة مفرطة..

قبل ان الج عالمي المصارعة الحرة والملاكمة، همست بأذني شقيقتي ومعلمتي وأمي الثانية أنك سترين العجب العجاب في هذين العالمين، وستواجهين فتيات بأطوار غريبة وأخريات بأخلاق مدهشة، وتدخلين عالما لا صمود فيه الا للقوي المقتدر الخلوق معا، سترين ما ذكرت لك وما لم أذكره وتعلمك الحلبة أن الحياة حلبة.
ظلت كلماتها ترن بخاطري وتكرر نفسها من ذاتها وكأنها ذكرى لا تود الزوال..
ترى ما ادراها بكل ذا وهي التي لم تطأ قدماها حلبة ملاكمة يوما او بساط مصارعة؟ وكيف علمت ما لا تعلمه سوى خبيرات اللعبة؟ انه حقا لأمر عجيب!!
حين دخلت العالم هذا، وجدت ما صرحت به شقيقتي كاملا ماثلا أمامي..
ذاك انا حين نختلي نحن اللاعبات في مكان خاص بنا ، تظهر كل لاعبة على حقيقتها دون رتوش ، المهذبة والفظة، الواقعية والحالمة، الودود والحاقدة، الخلوق ومن لا تعلم عن الأخلاق شيئا وكأن بينها والخلق جبلا من نار!!
لم تذكر لي شقيقتي أني سآواجه نوعا من المغرورات اللواتي قلما يجود بهن الدهر، مثل مصارعة تدعى رباب، بقيت تناصبني العداء وتلقي على مسامعي كلمات استفزاز اقابلها بابتسامة تزيدها غيظا، منتظرة يوم النزال الذي ما إن حلّ حتى جعلتها ألعوبة بيدي، طبقت عليها ما شئت من حركات المصارعة، ولم تك لتفعل شيئا سوى التأوهات، حتى اذا ما رفعتها وانا أود رميها على البساط للتثبيت، حتى انقذها مدربها برمي المنشفة، ففزت بعدم التكافؤ، وهو أعظم فوز لمنتصرة واسوأ خسارة لخاسرة.
في جلساتنا النسوية انا وزميلاتي المصارعات، كن يسخرن منها ومن اطلاقها للتهديدات الفارغة، وكيف انها تحولت لمجرد متفرجة تحت سطوتي لا اكثر، بل انها لم تعرف الطريق للخروج من البساط الى حجرة الاستراحة !
تذكرت قصة رباب حين دخلت عالم الملاكمة الذي اعشقه منذ الطفولة، وتعرفت على طيبات راقيات محبات جميعا،
إلا فتاة شذت عنهن بأنفتها وتكبرها وتدعى كواكب.
لست انكر براعتها وقوتها وسرعتها، غير أن ذلك ليس بكاف، فالتواضع هو شيمة من يود بلوغ القمة، وحسن الخلق هو القمة.
بات نزالنا مؤكدا، وهو ما اصابها بحال من عدم الاتزان وكأنه ثأر شخصي بيننا وليس نزالا فيه ربح وخسارة.
لم تفتأ تجلس بقربي كلما وجدتني أتخذ قسطا من الراحة وهي تردد انتصاراتها، كيف قضت على بطلة بابل وبطشت ببطلة ديالى وطرحت بطلات البصرة الواحدة تلو الاخرى وبالضربة القاضية.
كنت ارد عليها بكلمة واحدة : الحلبة يا حبيبتي هي الفيصل، ونحن الان صديقتان مثل أية بنتين .
كانت تغيظها كلماتي المقتضبة وابتسامتي وعدم اكتراثي، فهي تدرك اننا لسنا بالصديقات، ولا
تربطنا محبة الصديقات، وقد بقيت عبارتي هذه محل استفزاز مشبع بالغموض.
مع اقتراب النزال بيننا، بدت كمن يحاول زرع الخوف في، فدوما تذكر كيف استنجدت بطلة اكبر النوادي بالحكم لينقذها من ضرباتها الصاروخية، وكيف انها تركت خصمتها ايلاف مرتمية على الارض بلا حراك وقدمت لتتمم التدريب، فكنت اقابلها بابتسامة تغيظها واهنئها على النصر فنحن صديقات!!
كان يوم نزالي مبعث سعادة لي مثل أي نزال، لولا اني كنت استعجل ساعة قيامه لانها تمادت كثيرا وابدت من الغرور ما لا قدرة للاعبة مثلي على تقبله..
ارتقينا الحلبة فكنت احيي جمهوري برفق، بينما كانت تتبختر مثل طاووس فارغ دون مضمون.
كنت هادئة بشكل ملفت، همست لي بكلمة انسحبي، فاجبتها بسرعة : نحن صديقتان حتى هذه اللحظة التي سأجعلك تدركين فيها ان الحلبة هي الفيصل ..
هاجت فبانت اولى بشائر انتصاري وانا احتفظ بهدوئي وقوتي، كانت توجه لي الضربات جزافا فاتجنبها وانا اطبق مبدأي : تحركي كالربح والسعي مثل نحلة، وجهت لها اول لكمة ففوجئت كواكب بقوتها، غيرت ملامح وجهي نحو التجهم والقسوة، وبدأت انهال عليها بلكمات مثل صواعق، حتى انها كانت ترفع يديها بصعوبة وتتافف، حاولت الصمود فوجهت لكمة خطف ثم لكمة مستقيمه، كانت تترنح وبدأت تهذي بكلمات غير مفهومة مثل ابي، نخرج سويا صديقتي، ماذا يحصل، لا تتأخروا..
أدركت كما أدركت المحكمة ان صاحبتي قد انتهت، استذكرت استفزازها لي، لم ادع مدربها يرمي المنشفة وينهي النزال، اشارت لي الحكمة ان انهي معاناة هذه الحبيبة، فوجهت لكمة مستقيمة طرحتها ارضا وهي غائبة عن الوعي، حتى ان الحكمة انتظرت ان ان تنهض دون جدوى وهي محاطة بمدربها والمعينة الذين حاولوا افاقتها دون جدوى، كانت مغطاة بغرورها الذي لم ينفعها بشيء، رفعت الحكمة يدي وقالت لي وهي باسمة : لقد استخدمت معها القوة المفرطة ولا اظنها ستواجهك مستقبلا، فضحكت وهمست لها : ولا اظنها ستفوق من غفوتها الا وتصحو على تواضع بلا غرور.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى