وردة لا تصالح

إلى صاحبي عبد الرحمن الغندور
أستاذا نبيلا ، ومناضلا شريفا ، معتزا به منذ عرفته بقاعة الدرس لا يغير إلا ملابسه .

كسروا الوردة
يا صاحبي كسروها ..
لك رحيق الرفض منها
ولي رائحة منك تدل علي ،
وتشتعل في أصقاع الجرح
لنا ما تخفى بيد النسيان بين شقوق الروح
لنا ما تركت الأيام منا
رماد دروب
تعلوه أرجوحة مشدودة إلى حرقتنا
أزهار نمت ،
قبضات علت شهادةَ دم ،
وحناجر سعت إلى أعلى الحب ،
وانكسرت بين رغوة شفاهنا ،وسقوط الليل
على جهاتها
تعبنا من وصف جثتنا ،ومن مشهدِ
ذاتٍ مشطورةٍ تذبح في العلن
أعرف الآن ،وأنا شارد
أنك تبحث لها عن رسم ،
وهي تسقط مثقوبة، بلغم الحيرة والمجهول
أعرف أنك تكتفي بالشجر العتيق
وباللون أناشيد مقدسة
وتعرف أن لي وردة بين يديك
شعشعت على الأهداب في ليلنا الحزين
وأني أهذي ، وألوِّح للغة البدء
لأشْتقَّ غيمة ، وتستعيد الروح امتلاءها
الآن نعرف أنا تائهون ، وأنا نغترب
خطوُنا في الريح
نخيطه مُتكأً ،
ونفرشه قهقهات على حافة العالم
لكي نستريح من زمن ميت ،ونَخِفّ
ونتعلم كيف نُصدِّق حلما ،
ونُعِدُّ له الماء
من قوة الفعل لا من فوَّهة اللغة
لم نخطُ وراء جيفة
ولم نرم شمسنا إلى أرض عرّاف ،
أو جرن خديعة ،
ولا أنكر القلب سيمياء الانتماء لوردة لا تصالح .
غبتَ عني أربعين سنة
ووجدتها أربعين سنبلة ، عصية على الموت ، مسحورة بالحلم ،وتربة الغضب .
أرى الألوان كلها ، وأراك الآن
أرى الوردة المكسورة
أرى مطحنة تسحق ،ولا تتوقف
أرى ظلاما يعلو ،ويعلو ويبتلع كل شيء
وأنصت ،في ليلنا البهيم ،لصمت يتفوق على اللغة
على خريف قاس، يقصف ،ويكسر
وأشهد شجرا من سلالة المسيل يعلو عليه
و يأخذنا إلى منبع الشرارة
[ ما أسهل الصمت حين لا نرى !
ما أسهل الكتابة حين تغرق في لحظتها دون ذاكرة ]
إني أهذي ،
أمحو أيام الا نكسار ،
وأنهض سرب أجنحة، من خيط ضوئها
وأراك الآن،
تخط وقتا أنت فيه،
سائرا على هواك ،تحترق بأمل يكاد ينطفئ
واقفا في المنحدر الصعب
شفيفا، مضيئا كصلاة ماء في أنساغ العشب ،
وعلى جبهتك ندبة اللهب .
أوشكت أيامنا على دخول صمتها الزئبقي
لكنا ،ما زلنا أحياء
لسنا متعبين مما نحب
نحن من باعدتنا الجروح ،
كابدنا عطش الانوجاد ،
وأدركنا سر النسر في العلو
نحن
أياد مسكونة بالماء ،والهواء، والشروق ،
ضرورة الندى لخضرة العشب
وسر الهوى والشمس فوق سلاسلهم
لا نملك إلا القلب نرفعه إلى أعلى شعلة في
الإنشاد ،وأبعد مديح لخطو الجوهر .
إن كسروا الوردة ،فلنا موالها الطويل ،
أعراسها ،ووعدها بالرفض يحيا على الشفاه .
ما زلنا أحياء
نعشق ،ونفكر
كيف نُخرج نباتا مرا ،نما في الصدر ،
إلى رقصة الحياة .
بين صمت وحريق ،
نتذكر الساحات والعابرين ،
فنزرع الشرفات بأزهار تدل الغرباء ،
نحول صهيل الروح إلى موسيقى شاردة ،
ونفتش في هذا العبث عن قصيدة
تكسر إيقاع الوقت ،
وتصعد تتنهد بين الحضور والغياب،
فاتحة بابا لوردة لا تصالح !
ما زلنا أحياء
نُصدّق الشعر وكتب الشرارة
وصوت الحكمة منذ زمن لا غورا
نصدق وردة النار التي ستنهض من بين الخرائب
وتتعرف عليك
ستصرخ باسمك عاليا :
إنه هنا
هذا العنيد أمام كل ريح
لا ينحني
لا ينكسر
لا يلبس الحزن ولا الندم
يمضي مطرا بين المعنى والصدى ،
ويترك خلفه رجفة موال ،
ريشة نسر ،
وحبل نجاة .
سَمّوهُ حاسة العشب ،
حرقة لا تذهب ولا تغيب
أو نجمة
ترتل كل ليلة حبها للوطن ،
وردوا عليه ببسمة انتصار !

ماي ٢٠٢٢