د. عبدالهادي التازي - مع ابن بطوطة في بلاد الهند والسند. -2-

ومن مدينة أجودهن قصد ابن بطوطة مدينة (سرستيSARS WATI)، وهي مدينة كبيرة مشهور برزها الفاخر، ومنها يحمل إلى العاصمة (دهلى)، ومن هذه المدينة إلى مدينة حانسى (Hansy)، وهي من أحسن المدن وأقتنها وأكثرها عمارة، وإليها ينتسب كما الدين صدر الجهان قاضي قضاة الهند، وأخوه قطلو خان أستاذ السلطان محمد شاه.
ومن حانسي، وصل بعد يومين إلى مدينة (مسعود أباد)، التي تبعد عشرة أميال من حضرة دهلي، وكلتا المدينتين كانتا تحت حكم الملك هو شجن ابن الملك كرك (Gurg) بالفارسية: (ذيب).
وها في مدينة (مسعود أياد) بلغت ركب ابن بطوطة أخبار عن سلطان الهند الذي كان بالفعل متغيبا عن العاصمة (دهلي)، وكان يقيم بها وقت الغياب والدة السلطان الأميرة (جهان)، ووزيره أحمد بن إياس.
ولقد بعث هذا الأخير بوفد لاستقبال ركب ابن بطوطة، وتكون أعضاء الوفد من شخصيات تناسب مركز أعضاء الركب ! فكان ممن خصصوا لابن بطوطة حاجب الغرباء أو وزير المعتربين كما يسمى اليوم.
وقد كتب الوزير إلى السلطان ما سماه ابن بطوطة (الداوة)، وهي بريد الرجالة الذين نسميهم في التاريخ القديم للمغرب بالرقاصة.
وهنا ورد لتحيتهم القضاة والمشايخ والفقهاء وبعض الأمراء، ويفيد انب بطوطة هنا أن لقب الملك هنا يستعمل لما يستعمل له لقب الأمير في ديار مصر، وبهذا ندرك أن لقب السلطان كان يعني رئيس الدولة، ويأتي بعده الملوك والأمراء.
وقد ودعوا (مسعود أباد)، حيث نزلوا على مقربة من قرية تسمى بالم (Pâlem) التي يحكمها الشريف ناصر الدين.
وفي غد هذه اليوم وصلوا إلى حضرة جهلي، قاعدة بلاد الهند، التي سفها ابن بطوطة بأنها أعظم مدن الإسلام كلها بالمشرق.
وكما نعرف، فإن تهجي اسم دهلي: بتقديم الهاء على اللام، وهون ما لا يزال الناس إلى اليوم ينطقون به هناك على نحو ما عرف في كتب التاريخ، ولو أن بعضهم ينطقها (دللي)، ولعل من هذه نشأ التحريف إلى (دلهي) الشائعة حاليا على النطاق الدولي.
ولد أعطى الرحالة المغربي لهذه القاعدة الإسلامية الكبرى حقها في وصفها والتتبع بما كان يستحق معه – على الأقل – أن يطلق على محلة بارزة من العاصمة، أو على مدينة بكاملها اسم (ابن بطوطة أباد).
لقد ذكر أن دهلي أربع مدن متجاورة تسمى: (المدينة القديمة) التي افتتحها قطب الدين أيبك (Aïbec) سنة (589م= 192هـ) والثانية تسمى (سيري)، وهي التي شيدها السلطان علاء الدين، وبها كانت سكناه، وقدمها لغياث الدين السلطان حفيد الخليفة العباسي المستنصر لما قدم عليه، وسكنها أيضا قطب الدين ابن علاء الدين. والمدينة الثانية تسمى (تغلق أباد)، باسم بانيها السلطان تغلق والد سلطان الهند (2) محمد شاه، والرابعة تسمى (جهان بناه): (ملجأ العالم) أو قطب الدين (JAHAN PANAH)، وهذه الرابعة هي مقام السلطان محمد شاه، وهو الذي بناها.
وقد تحدث ابن بطوطة على السور الذي كاهن مضروبا على دهلي، وقال عنه: إنه "لا يعلم له في بلاد الدنيا نظير".
كما ذكر أن السلطان محمد شاه كان يعتزم جمع المدن الأربعة ضمن سور واحد، وفعلا ابتدأ في المشروع، لكنه لم يتمه لعظم النفقة.
لقد خصص ابن بطوطة فصلا بكامله للحديث عن سور دهلي، الذي لم يبق منه مع الأسف سوى أطلال دراسة، وكذلك تحدث عن أبواب العاصمة العظيمة الشأن.
لقد كان عرض الحائط أحد عشر ذراعا على ما يذكر رحالتنا، بحيث يمشي عليه الفرسان والرجالة من أول المدينة إلى آخرها... ! وكان السور يتوفر على بيوت لحفظة الأبواب والسمار ومخازن الحبوب والعدة الحربية: من مجانيق وآلات تستعمل للحصار..علاوة على أبراجه الكثيرة المتقاربة.
وقد شاهد الرحالة أكواما من الحبوب، فيها الأرز والذخن ظلت هناك منذ تسعين سنة، وكانت من اختزان السلطان بالابان (BALABAN).
ولهذه المدينة يقول ابن بطوطة ثمانية وعشرون بابا، وهم يسمون الباب إلى الآن دروازة (Derwâzeh) .. وقد أعطى أسماء طائفة من الأبواب مثل دروازة شاه، ودروازة كمال، ودروازة غزنة....
وقال عن أحد الدروازات: إن بخارجها مقابر دلهي، وهي أي المقابر تمتاز بأنها مزينة بالأشجار المزهرة، من نسرين وسواها، مرددا أن الأزاهير في
البلاد الهندية لا تنقطع في فصل من فصول السنة، الأمر الذي يفسر العادة التقليدية لديهم من استقبال الضيوف الكبار بقلائد الزهور.
وينتقل ابن بطوطة للحديث عن جامع دهلي القديم، فيعطي وصفا دقيقا له، على هاتيك العهود، مما لا يسع الزائر اليوم، أي زائر كان، إلا أن يرسلها حسرات على تلك المشاهد التي لم يبق منها الآن سوى هياكل باكية، ولو أنها تظل ناطقة بالعظمة والروعة والبهاء.
لقد كان الجامع فسيح الأركان جدا، بينت حيطانه وسقفه وأرضه بالحجارة البيض المنحوتة أبدع تحت، ملصقة بالرصاص أتقن إلصاق، ولا أثر فيه للخشب..أن يحتوي على ثلاثة عشرة قبة من الحجر المنحوت...وقد كان منبر الجامع من الحجر..ولجامع أربعة صحون.
وقد تحدث ابن بطوطة عن العمود الهائل الذي ينتسب في أحد صحون الجامع، والذي قدر طوله بثلاثين ذراعا، ودائرته ثمانية أذرع.
وقد قال عنه: إنه لا يدري من أي المعادن هو، وأن أحد حكمائهم ذكر له أنه مؤلف من سبعة معادن.
والواقع أن هذا العمود من حديد خالص، وهي لشاندراكوكوبتا (Chandragugupha)، حملت من موطرا (Mutra) إلى دهلي في القرن الحادي عشر على ما يذكره البروفيسور (جيب)، وقد نقشت في أعلاه خطوط ترجع لذلك العهد.
ويؤكد ابن بطوطة – وهو الواقع – أنه كان في محل المسجد معبد للأصنام: بدخانة – بالفارسية (Boghkâne)، وقد أخذت مواد المسجد فعلا من معابد جين (Jain) التي هدمت في ذلك المكان.
وقد تحدث ابن بطوطة عن وجود صنمين عند الباب الشرقي من بقايا تلك الأصنام، كانا مطروحين على الأرض يعبر عليهما المار للدخول للمسجد والخروج منه.
وينتقل الرحالة للحديث عن الصومعة التي انتصبت في الصحن الشمالي للمسجد والتي قال: إنه لا نظير لها في بلاد الإسلام، وهي على ما يقول مبنية بالحجارة الحمر، المنقوشة خلافا لسائر حجارة المسجد، وهي سامية الارتفاع، وبابها الفحل من الرخام الأبيض الناصع، والتفاحات الموجودة في أعلاها من الذهب الخالص، وسعة ممرها، بحيث تصعد فيه الفيلة التي كانت تحمل الحجارة إلى أعلاها على ما رواه شاهد عيان لابن بطوطة.
ويذكر ابن بطوطة أن هذه الصومعة من بناء السلطان معز الدين بن ناصر الدين بناء السلطان غياث الدين بالابان، ولكن الثابت أهنا من بناء قطب الدين، وبه إلى الآن تعرف (قطب منار)، وكان ذلك بمشاركة الإمبراطور ألتيميش (Altimish).
وقد أراد السلطان علاء الدين أن يبني بالصحن الغربي صومعة أعظم منها، فبنى مقدار الثلث منها، ثم قتل دون تمامها، وقد وقفت على ما تبقى من هذا الثلث الذي لم يبق منه تقريبا إلا القاعدة.
وقد أراد السلطان محمد شاه إتمام هذه الصومعة، لكن عدل عن الفكرة تشاؤما من المشروع، وهذه الصومعة من عجائب الدنيا في ضخامتها، وسعة ممراتها، بحيث تصعده ثلاثة من الفيلة متقارنة، وكان هذا الثلث المبني منها مساويا لارتفاع جميع الصومعة التي بناها السلطان قطب الدين بالصحن الشمالي.
ويذكر أبن بطوطة أنه صعد الصومعة ذات مرة فرأى معظم دور المدينة، وعاين الأسوار على ارتفاعها وعلوها قصيرة، "وظهر لي الناس في أسفلها – يقول ابن بطوطة – كأنهم الصبيان الصغار، ويظهر لناظرها من أسفلها أن ارتفاعها ليس بذلك، وذلك لعظم جرمها وسعتها".
ويفيد ابن بطوطة أن قطب الدين كان يعتزم أيضا بناء مسجد جامع في سيري (Siry) دار الخلافة، لكنه لم يتم غير الحائط القبلي والمحارب، وكان بناؤه بالحجارة البيض والسود والحمر والخضر.
ويقول الرحالة: إنه لو كمل بناء هذا المسجد فإنه لم يكن له مثيل في البلاد.
وقد تعرض ابن بطوطة للحوضين العظيمين الموجودين خارج دهلي، وقدم الحول الأول المنسوب إلى السلطان شمس الدين ألتمش، وقد ذكر أن إحدى جهاته مبنية بالحجارة على شكل دكانات، بعضها أعلى من بعض، وتحت كل دكانة درج ينزل منها إلى الماء، وبجانب كل دكانة قبة معدة لمجالس المتنزهين والمتفرجين، وفي وسط الحوض قبة عظيمة من الحجارة المنقوشة تحتوي على طبقتين، وبها مسجد، فإذا كثر الماء في الحوض لم يكن سبيل إلى القبة إلا في القوارب، فإذا قل الماء قصدها الناس.
ثم تحدث عن الحوض الثاني الذي كان بين دهلي ودار الخلافة، وهو الحوض الخاص للسلطان، وهو أكبر من الأول، وعلى جوانبه نحو أرعين قبة، وسكن حوله أهل الطرب، ومنطقتهم تسمى (طرب أباد)، ولهم سوق ومسجد، وكان من بين هؤلاء أيضا طائفة مهمة من النساء المطربات على ما أخبر به ابن بطوطة، وقد كن أثناء شهر رمضان يصلين التراويح بمساجد (طرب أباد)، ويؤم بهن الأئمة..ولقد شاهد انب بطوطة أن الطرب لا يشغل أصحابه عن عبادة الله، ولذلك، فإن كل واحد منهم يتوفر على سجادة، فإذا سمع الآذان قصد الوضوء وصلى !
وتخلص من هذا الموضوع إلى ذكر مزارات دهلي وعلمائها، وأنه تأثر بأحد صلحائها كمال الدين الغاري، فانقطع إليه وزهد في الدنيا.
وبعد هذا، خصص فصلا طويلا ودقيقا لتاريخ دهلي، ومن تداولها من الملوك، ولكن من غير أن يقدم تاريخها محددا، وهو العنصر الذي أضافه المؤرخون الفرس,
لقد افتتحت دهلي كما أسلفنا (588هـ=1192من) على يد الأمير قطب الدين أيبك، الذي كان قئاد الجيش (سبه سالارSepah Sâlâr) لحساب السلطان شهاب الدين محمد الغوري ملك غزنة وخراسان، لكن قطب الدين لم يلبث أن استقل بالحكم منذ 602 (مارس 1206م)، ثم انتقل عام (607هـ= 1210م) للسلطان شمس الدين ألتميش (ALTMICH) صهر قطب الدين أيبك..وكان ما حكاه ابن بطوطة هن حكم ألتميش أنه كان يأمر أن يلبس كل مظلوم ثوبا مصبوغا، فكان متى رأى أحدا على تلك الصفة نظر في إنصافه ! "وأهل الهند جميعا – يقول ابن بطوطة – يلبسون البياض.وهي عادة ما تزال إلى الآن محببة لديهم,"..يل إن ألتيميش – وقد أراد أن يعجل إنصاف الذين يقع عليهم الظلم بالليل- أمر بنصب أسدين من الرخام على برج في باب قصره، وجعل في عنقهما سلسلتان تحملان جرسا كبيرا، فكان المظلوم يأتي ليلا فيحرك الجرس، فيسمعه السلطان، وينظر في أمره في الحين.
ثم يتحدث عن أنواع ألتيميش على الحكم بعد وفاة والدهم، وتولى ولده ركن الدين فيروز عام (633هـ= 1236م) ثم بنته الأميرة راضية، التي كانت تمتطي الفرس، وتتسلح كما يتسلح الرجال، ولا تستر وجهها.
وهكذا نرى أن تولي السيدات المسؤوليات الكبرى في الهند معروف منذ القدم !
وقد آل الأمر بعد راضية إلى أخيها ناصر الدين سنة (637هـ=1240م)، الذي كان ينسخ القرآن، ويبيعه ليقتات بثمنه! وقد استقام له الأمر عشرين سنة من (644هـ=1246م إلى 664هـ= 1266م) (3).
وقد اغتيل ناصر الدين هذا من طرق نائبه وصهر والده غياث الدين بالابان (Balaban)، الذي تولى الحكم عشرين سنة أخرى، فكان من مؤسساته (دار الأمن)، التي يلجأ إليها أهل الديون، فتقضى عنهم مغارمهم، كما يلجأ إليها أهل الجرائم فيعفى عنهم، والخائفون فيفرج عنهم!
ولقد كان للسلطان غياث الدين بالابان ولدان: أحدهما، ولي عهده الخان الشهيد وعامله على بلاد السند، وكان يسكن مدينة ملتان، وقد استشهد في حربه مع التتر، تاركا ولدين (كى كباد)، و(كى خسرو). أما ثانيهما، يسمى ناصر الدين، وقد كان واليه على بلاد البنكال.
وقد آثر غياث الدين بالابان بولاية العهد حفيده (كى خسرو) دون ولده الثاني (شمس الدين)، الذي كان له بدوره ولد اسمه (معز الدين) يعيش في دهلي مع جده غياث الدين.
لكن الذي حدث بعد وفاة غياث الدين أن قام نائبه بتحويل الملك إلى الحفيد معز الدين (685هـ=1286م)، الذي كادت الحرب أن تشب بينه وبين والده شمس الدين لولا إدراكهما معا لهول الصدام، وتلاقيهما معا على مقربة من مدينة كرا (Carrah) على ضفة نهر كوكرا، وليس نهر الكانج الذي تحج إليه الهنود على ما قاله ابن بطوطة، وفي احتفال سمي في التاريخ بلقاء السعدين، وكان مناسبة لترديد الأشعار والقصائد.
وانتهى ملك السلطان معز الدين بثورة نائبه جلال الدين فيروز شاه خلجى، (4) الذي استقام له الملك، وبنى مدينة (فيروز أباد).
وقد صاهر فيروز شاه ابن أخيه علاء الدين محمد اه ببنته، وولاه مدينة كرا (Corrah) ومانكبور (Manicpour) وناحيتها، وتعتبر من أخصب بلاد الهند، إلا أن الاحتكاكات المتوالية بين علاء الدين والأميرة كانت سببا في توتر العلاقات بين السلطان جلال الدين فيروز شاه وبين صهره علاء الدين، الأمر الذي أدى في الأخير إلى فتك هذا الأخير بعمه (695هـ=1296م)، وتوليه الأمر، وخاصة بعد أن عظم شأنه بفتح بلاد (دولة بلاد) (Deogiri) للكنز العظيم، الذي خلد اسم (علاء الدين) في مصباح الخوارق والمعجزات.
وهكذا اقتحم علاء الدين دار الملك، واستقر له الأمر عشرين سنة، كان فيها موضع ثناء وحب وتقدير لما كان يقوم به من مراقبة.
وبعد السلطان علاء الدين أتى عام (715هـ=1316م) دور ابنه الأصغر شهاب الدين عمر، الذي سمل عيون خصومه ! فكان ذلك من بواعث ثورة أخيه قطب الدين عام (716هـ=1316م).
ولما اطمأن قطب الدين هذا على كريه، بعد أن فتك بسائر من كان يشط في طموحه، قام بحركة إلى (دولة أباد) على مسيرة أرعين يوما من دهلي، وكانت الطريق بينهما تكتنفه الأشجار، فكان الماشي به في بستان، وفي كل ميل منه ثلاث داوات: (مراكز البريد)، وفي كل دواة جميع ما يحتاج إليه، فكان المسافر يمشي في سوق مسيرة الأربعين يوما...وكذلك يتصل الطريق إلى بلاد التيلينك (Telingana)، وبلاد المعبر (شاطئ كورمانديل)(Cormandel).
وفي هذه الرحلة بلغت أصداء عن محاولة الثورة عليه..ومن هنا ابتدأت سلسلة من التصفيات انتهت بالإجهاز عليه عام (720هـ=1320م) ممن طرف أكبر /رائه ناصر الدين خسرو (Khosrew) (صاحب مفاتيح القصر)، بتواطؤ أهل نوبته، المعروفين بالحزم واليقظة والحذر (5) !
لقد كان السلطان ناصر الدين قائدا شجاعا، وقد عرف أثناء مزاولته للقيادة في حياة قطب الدين بميله لكفار الهنود، وإيثاره لهم، إذ كان يحن – فيما يظهر – لما كان عليه في الماضي، وكأنه يتمثل
بقول الشاعر:
يا بيت عاتكة الذي أتعزل حذر العدا وبك الفؤاد موكل
إني أمنحك الصدود وإنني قسما إيك مع الصدود لأميل !
وبالرغم من وصول هذه الأصداء لقطب الدين تجاهلها.
وهكذا تميزا أيام حكمه – ولو أنه مسلم العقيدة – بمجاملة العادة المتعبة لدى الهند، فنهى عن ذبح البقر على قاعدة كفار الهنود، الذين لا يجيزون ذبحها، "وجزاء من ذبحها عندهم – يقول ابن بطوطة – أن يخاط في جلدها ويحرق ! وهم يعظمون البقر، ويشربون أبوابها للبركة والاستشفاء إذا مرضوا، ويلطخون بيوتهم وحيطانه بأرواثها".
وما يزال في وسع البقر إلى اليوم أن تمر بحرية، ودون راع في الشوارع الكبرى للهند، متحدية نظام المرور الذي تخضع له مختلف السيارات... !
وقد كانت مشكلة "البقرة" سببا في نهاية سريعة للسلطان خسرو، الذي ألب المسلمين عليه، وأمالهم عنه إلى شخصية
إسلامية أخرى، من أصل تركي، مرموقة تلك الشخصية هي السلطان غياث الدين (تغلقToghlok) أمير عمال ديبال بور (Debapour) من بلاد السند، الذي كان يلقب بالملك الغزي، لبلائه في قتال التتر.
وقد تم الصدام الفاصل بين السلطان خسرو الذي تناصره طائفة من الهنود، وبين السلطان الذي يناصره المسلمون، فكانت الدائرة على خسرو الذي اعتاد – كما كانت العادة عند سلاطين الهند – أن يتميز برفع المظلة، وكانت تسمى (شطرةtshitr )، لا تفارقه في سفر ولا حضر، على العكس منم سلاطين المماليك، والسلاطين الأفارقة، الذين كانوا يقتصرون – لما وصلتهم تلك العادة – على رعفها في الأعياد والمناسبات المماثلة كاستقبال الوفود.
وقد مثل خسرو بعد انهزامه أمام (تغلق)، وهو يتضور من الجوع.
فسأله عما يشتهي.
فأجابه خسرو: إني جائع !
فأمر له بالشربة، ثم بالطعام، ثم بالفقاع (La bière)، ثم التنبول (Betel)، ثم أمر (تغلق) بضرب عنق سلفه، ورمى جثثه من أعلى السطح على نحو ما فعله خسرو بقطب الدين !
وقد أخقفت محاولة أولى قام بها ولده الأمير محمد شاه للقيام على والده أثناء تكليف هذا لولده بفتح بلاد التيلينك (Telingana)، وأعلن القواد رفضهم عن طريق قرع الطبول الضخمة، التي ما يزال بعض من مثيلاتها في جانب من جوانب مقبرة بين مدينة "أورانكا" وبين دولة أباد.
بيد أن المحاولة الثانية نجحت عندما أعد الولد لوالده بهندسة من (خواجه جهان كشكا) (Kiosque)" عبارة عن قصر فخم من العود والخشب، واستعرض بين يديه الفيلة المزينة التي داهمت في الوقت المحدد هذا القصر، وجعلت منه مقبرة للسلطان (تغلق) عام (720هـ= 1320م) وللفيلة في الهند دور "بارز في تنفيذ أعمال النقض والهدم ! ولهذا نشاهد إلى الآن على بعض أبواب الحصون مسامير ضخمة بارزة كانت تعد لمقاومة مداهمة هذا الحيوان العظيم لمداخل المدن.. !
واستقر الأمر بعد هذا للسلطان محمد (تغلق)، الذي أضاف ابن بطوطة، وسماه (قاضي القضاة) بالهند، بل وعهد إليه بالسفارة عنه إلى بلاد الصين.
لقد خصص الرحالة المغربي فصلا كاملا للحديث كشاهد عيان عن هذا السلطان الذي "لا يخلو بابه من فقير يغنى، أو حي يقتل" !
لقد وصف قصره وأبوابه ومشوره، ووصف نقيب النقباء الذي يجلس بالباب الثالث و"بين يديه عمود ذهب يمسكه بيده، وعلى رأسه (كلاه) من الذهب مجوهرة، في أعلاها ريش الطواويس"، بينما يجعل بقية النقباء على رؤوسهم الشواشي مذهبة، وفي وسطهم منطقة، وبيدهم سوط نصابه من ذهب أو فضة، على نحو ما يمكن أن يرى اليوم عند أبواب المؤسسات الكبرى.
إن المعلومات الدقيقة التي تنفرد بها ابن بطوطة لإعطاء فكرة عن نظام القصر كانت مما أثار اهتمام سائر الذين كتبوا عن ملوك الهند، وتعتبر من الأهمية بمكان في باب سياسة الملك، وأسرار الدولة.
ولقد أعطى صورة لكيفية بروز السلطان أمام حاشيته ومجلسه، وهي صورة تقريبية لما شاهدته شخصيا في بعض اللقاءات، التي تمت بمدينة بومباي بمناسبة المهرجان الذي دعا إليه سلطان البهرة أواسط أبريل 1975م.
إنها تشريفات ومراسيم دقيقة الترتيب، محكمة النظام، تحترم فيها بكل حزم مراتب الناس ودرجاتهم، من قضاة وخطباء وشرفاء، وتساهم في هذه المظاهر أسراب من الخيل المزينة بالحرير والذهب والأفيال المزركشة ذات الأنياب المغلفة بالحديد استعدادا للعمل، وعلى ظهر كل فيل صندوق يسع حوالي عشرين من المقاتلة، وقد دربت تدريبا على تحية السلطان وطأطأة الرأس أمامه !
وعندما يؤدى كل واحد من الحاضرين ما يسميه ابن بطوطة "الخدمة"، يردد الحاجب – إذا كان «الخادم" مسلما- كلمة "باسم الله"، فإذا كان كافرا، رددوا "هداك الله"، وكدليل على استحسان السلطان لهدايا الغرباء الواردين يأمر لهم بمال "لغسل رؤوسهم" على حد التعبير المصطلح عليه.
ولم يغفل ابن بطوطة عادة الخروج لصلاة العيدين، وتخصيص الفيلة المكسورة بالحرير والجواهر لركوب السلطان محمد بن تغلق، وترتيب السير أيضا حسب الوظائف، وحسب المشاركين في الحفل، من خراسان والعراق والشام ومصر وبلاد المغرب...إلى أن ينحر السلطان الجمل المعد، أن يجعل على ثيابه فوطة من حرير حتى لا تصيبه الدماء !
كما أنه تحدث عن جلوس السلطان لتقبل التهاني يوم العيد في خيمة عظيمة رائعة، مزينة أعمدتها الضخمة بالحرير والزهور الصناعية، حيث يأخذ السلطان مجلسه على كرسي من الذهب الخالص مرصع بالجواهر..ويتقدم الناس أيضا على ترتيب خاص: القضاة والخطباء والعلماء والشرفاء والأمراء والأصهار والوزراء...بينما تنصب المبخرة العظمى التي تشبه برجا من خالص الذهب، مركبة من قطع تتصل عند الاقتضاء، تحمل القطعة الواحدة منها جملة من الرجال، وفي داخلها ثلاثة بيوت يدخل فيها المكلفون بالتبخير، حيث توقد الأرطال من العود القماري والقاقولي والعنبر الأشهب والجاوي...بينما يقف الفتيان وهم يحملون براميل الذهب والفضة المملوءة بماء الورد وماء الزهر يصبونه على الناس صبا !
ويأتي أهل الطرب من الفتيات المسبيات، فيغنين ويرقصن، ثم تأتي طائفة أخرى من البناء الهنديات، فغنين ويرقصن.
وتختم أيام الأعياد بحفلات تزويج الأقارب، وعتق الرقيق، وتزويج العبيد بالجواري !
وقريب من هذه المراسيم يجرى بمناسبة مقدم السلطان من سفره، حيث يسقى المستقبلون من حوض كبير، مركب من الجلود، مملوء بالجلاب المحلول بالماء، وحيث يتناولون التنبول والفوفل.
ولا يمل ابن بطوطة من وصف ترتيب أنواع الطعام: الرقاق والشواء والأقراص والأرز والدجاج والسموسك...بعد تناول المشروبات السائغة....حيث لا يشارك أحد أحدا في صحن واحد، وبعد الطعام يتناولن الفقاع..ثم يقدم التنبول.
وتخلص ابن بطوطة للحديث عن أخبار محمد بن تغلق، المتعلقة بجوده وكرمه، فأفاض في ضرب الأمثلة الحية التي شاهدها بنفسه، لكن الرحالة المغربي لاحظ أن الأموال التي ينالها المرء في الهند قلما يبارك الله فيها !!
وقد سجل ابن بطوطة أن سلطان الهند بالرغم من هذه المملكة الواسعة، كان يرى – وهذا مهم من الناحية السياسية – أنه مجرد ممثل في بلاد السند والهند للخليفة العباسي ببغداد، ولهذا نرى سلطان الهند يهدي لسفير العراق صفائح من الذهب الخالص مع مساميرها، ويقول له: متى نزلت من البحر فاجعل هذه الصفائح للجواد الذي تركبه !!
وقد سدرت ذات يوم أما سلطان الهند أحاديث في فضل العباس وابنه من مآثر الخلفاء وأولادهما، فأعجب بذلك، لحبه في بني العباس وأغدق من عطاياه على السارد !
لقد تجلى تقدير سلطان الهند لخليفة بغداد على أتم ما يكون، عندما زار الأمير غياث الدين حفيد الخليفة المستنصر بالله، بعد أن مهد لذلك بإرسال سفيرين عنه إلى السلطان محمد بن تغلق، فهنا نرى السلطان يخصص استقبالا عظيما للأمير العباسي، تبادلا فيه "الخدمة" على حد تعبير ابن بطوطة، وقد كان مما أهداه السلطان لزائره آنية كبيرة من الذهب، تصلح مغتسلا يغتسل فيه ! علاوة على ما قدمه للأمير من أموال "لغسل رأسه" ! وقد أبتع السلطان هذه العطاءات بإقطاعه جميع مدينة سيري بما احتوت عليه من دور وقصور.
وأكثر من هذا دلالة على الاعتراف بسيادة بعداد في المنطقة، أنه لما قدم ملك غزنة، الذي كانت له عداوة مع الأمير غياث الدين العباسي، آثر السلطان جانب ابن الحليفة طلبا لمرضاة بني العباس.
وبعد أن يعدد ابن بطوطة طائفة من الشخصيات العلمية والدينية والسياسية التي شاهد بنفسه إكرامها الجم من طرف السلطان، يتخلص للتعريض ببخل الأمير غيات الدين ابن الخليفة العباسي، الذي كان الرحالة المغربي أودع عند ابنه أحمد، الذي ازداد له وهو في رحلته، وذلك في ممارسات طريفة، وقعت بينه وبين ابن الخليفة، أثبتت أن لا سبيل لعلاج داء البخل في ذلك الأمير !!
ولم يتعرض ابن بطوطة لما كان يروج بينه وبين هذا الأمير حول المغرب، واكتفى بالقول: بأن ولده أحمد بقي في كنف ابن الخليفة، وأنه لم يعرف مصيرهما من بعد !
وكان من بيه الشخصيات التي زارت سلطان الهند على ذلك العهد أمير غرب الشام، الذي صاهره السلطان، وعين ابن بطوطة لمرافقته، وأنزله بالقلعة الحمراء داخل العاصمة، حيث كان السلطان يحضر لعب الكرة في المشور.
وقد نوه ابن بطوطة بمحبة سلطان الهند للعرب، وإيثاره لهم، واعترافه بفضائلهم..وقد زار ابن بطوطة هذا القصر صحبة أحد المغاربة المقيمين بالهند: الفقيه الطبيب الأديب جمال الدين المغربي، الغرناطي الأصل، البجائي المولد.
ومن طريف ما سجله ابن بطوطة، بمناسبة تزويج أمير عرب الشام بأخت السلطان، أن هذا الأخير وقد رأى أن الأمير العربي غريب بأرض الهند، أمر أن يجعل له من ربيبته أما، ومن إحدى الأميرات أختا، ومن ثالثة ورابعة عمة وخالة، حتى يشعر أمير الشام بأنه بين أهله...وهي عادة يسلكها اليوم السفراء الغير الآهلين حيث "يستسلفون" سيدة من أحد زملائهم لتقف معه في استقبال الواردين. !!
وكانت مناسبة للنص على عادة التكريم "بأكاليل الياسمين والنسرين"، التي كان ابن بطوطة قد مارسها، كما كانت مناسبة لإعطاء صورة عن الطرب والرقص الهندي الذي ما تزال رناته تسحر الناس إلى اليوم...
وأهمية التنبول في التقاليد الهندية، نرى العروس تقدمه أول ما تقدم لفارس أحلامها الذي يتقبله منها مقدرا شاكرا...
إن الصورة المشوقة التي قدمها ابن بطوطة هي التي جعل منها الهنود إلى اليوم نموذجا مثاليا لأعراسهم الكبرى، وهي التي تجتذب برسومها آلاف الزوار الذين يتقاطرون على شبه الجزيرة الهندية من مختلف القارات.
ولم تخل فقرات الوصف هذه من نقد ابن بطوطة لسلوك أمير الشام، وعدم مرونته وانسجامه، بل وعدم تقديره لهذه التكريمات، وكان يذكرنا بعض الشيء فيما ينقل ابن صاحب الصلاة في تاريخه، وابن خلدون في مقدمته.
ويعتز ابن بطوطة بأنه تشفع في أمير عرب الشام، الذي كان على شفير كارثة ما حقه، نتيجة لتهوره واغتراره، لولا أنه "تأدب وتهذب" بعد الخبرة والتمرين... !
وحتى يبرر ابن بطوطة أن تغير سلطان الهند على الأمير العربي لم يكن عن افتيات وتعد، ساق حكاية مثول هذا السلطان أما القاضي لذي دعاه لسماع شكوى من أحد كفار الهنود ضده، وأن السلطان خضع للحكم الذي صدر عن ممثل الشرع، كما كان الأمر بالنسبة لدعوة ثانية من أحد المسلمين، وثالثة من صبي اقتص لنفسه من السلطان بضربه إحدى وعشرين ضربة !!
وبجانب هذا، يذكر عن أمر هذا السلطان بقتل تارك الصلاة...وعقاب الجاهلين والمقصرين والمعتدين !
وعندما اكتسحت بلاد الهند أزمة قحط، أمر بإجراء إحصاء عام للبلاد، وتزويد السكان بما يقوتهم طيلة نصف عام.
وينتقل ابن بطوطة م هذا الجانب الطيب في حياة محمد بن تغلق على الجانب الآخر، الذي يصور بطشه وفتكه وشدته: لا يراعي في ذلك منصبا ولا جاها ولا قرابة ولا رحم، حتى ليخيل إلى المرء أن محمد ابن تغلق السابق ليس هو هذا اللاحق، الذي كان لا يهمه شيء في الدنيا إلا أن يحترم شخصه، وتطاع كلمته، وسمع أمره، ويشكر فعله.... !
ومع ذلك، فإن من جاب رقعة الهند الشاسعة الأطراف، المتباينة الأفكار، المتعددة الملل، ليرى أن تصرفاته السلطان ابن تغلق كانت ضرورية للأخذ بزمام الموقف، وناصية الأمر، في مساحة تضم مما تضمه جبال الهملايا! وإلا فسيمسي على كل جماعة أفاك ! وفي كل حارة مهاراج !!
ولقد كان في أبرز ما أخذ على السلطان محمد بن تغلق أنه – وقد نقم على أهل دهلى كتابتهم للمناشير ضده، وبثها في أرجاء قصره – أمر بتخريب العاصمة، وانتقال أهلها إلى (دولة أباد)ـ وأنه – أي السلطان – صعد في أعقاب هذا إلى سطح قصره، فنظر إلى دهلي، وليس بها نار ولا دخان ولا سراج، فقال: "الآن، طاب قلبي!" .
وبالرغم من أن السلطان عاد إلى صوابه، وكتب إلى أهل البلاد يأمرهم بالانتقال إلى دلهي لتعميرها، فإن النكسة كانت شديدة الأمر، الذي يفسره انطباع ابن بطوطة عندما دخل العاصمة، ووجدها على غير ما كان يعرف عنها بالأمس القريب..

---------------------------------------------
1) قد نقل ابن بطوطة عن قاضي القضاة بالهند والسند كمال الدين الغزنوي، الملقب بصدر الجهان، أن الفتح كان سنة (584هـ=1188م) وأنه قرأ ذلك مكتوبا على محراب الجامع الأعظم بدهلي، بيد أن مؤرخا فارسيا عاش في النصف الأول من القرن الثالث عشر يؤكد أن فتح دهلي عام (588 هـ= 1192م)، ولعله كانت هناك حركتان اثنتان لتحقيق المشروع، كانت ثانيتهما حاسمة.
2) أنشأ التغلقيون وهم (السلالة الثالثة في سلطنة الهند) مدينة (تغلق أباد) على بعد أربعة أميال من سيرى، وهي الآن أطلال وخرائب، ولا يزال قبر مؤسس هذه المدينة (تغلق) (ت: 725) قائما...
3) هذه المدينة الرابعة هي التي استولى عليها تيمورلنك عام (800هـ) هذا، وتلاحظ بعض التساهلات في أداءات ابن بطوطة نجمت دون شك عن ضياع مذكراته، وطول العهد بمقامه بالهند. وهكذا فإن افتتاح دهلي كان عام (589) وليس (584) كما أثبتناه في الصلب، ومن المعلوم أن هناك مدينتين أخريين أضيفتا بعد زيارة الرحالة المغربي وهما: بيروز أباد) التي أسسها الإمبراطور فيروز شاه (756هـ-790) على بعد خمسة أميال من سيري، وكذلك مدينة (شاه جهان أباد) آخر مدن دهلي، وقد أسسها هذا الملك، وابتنى فيها قصره، والقلعة الحمراء، ولال قلعة فيما بين (1048-1058) كما أنشأ المسجد الجامع بعد ذلك بسنة أو نحوها، وهو المسجد الدي ما يزال إلى الآن ملاذا للمسلمين..(راجع الموسوعة الإسلامية باللغة الفرنسية في الطبعة الجديدة 1965، ج2، ص 263).
4) على شرف هذا الملك ألف كتاب بالفارسية حول التاريخ (Thabakâli Nassir).
هذا وقد عرفت عادة تعيش الأمراء والرؤساء مما سنخونه ممن المصاحف في عدد من جهات العالم الإسلامي، فقد اقتدى بها ملك (ما سيناسيكو أحمد) (مالي) 1818م=1845م.
5) في الشمال الغربي لولاية حيد أباد.
يعرف صاحب المفاتيح باسم (كيليت دار) –(Kelid-dar)، وما يزال هذا النظام معروفا إلى الآن في بعض العتبات المقدسة، وقد احتفظت الفنادق الفخمة الكبرى في الهند بقوم يقفون على أبواها في زي خاص ملون مريش، يعيدون إلى الذاكرة حراسة القصور قديما.


عبد الهادي التازي

العدد 293 ربيع 1-ربيع 2 1413/ شتنبر-أكتوبر 1992



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى