لا أحد انتبه إلى وجوده، خيبة أمل قطعت نياط القلب، كثيرا ما قالوا له إن الشعب يسانده، يمجّده،و أن أحياء كثر، وسموها باسمه، أوسمة متنوعة توجتها عدة ولايات باسمه وصوره قد ملأت الشوارع ووسائل الإعلام في ذلك الزمن السحيق فهونت عليه سنوات السجن والمنفى .لكن الغرابة أدهشته فهول الصدمة محا لهفة السنين ولمعة العاشق للقاء المعشوقة، هاهو بينهم حيا، تطأ قدماه المطار يحمل بقلبه فخر الأبطال و شهامة العربي الأصيل إلا أن الإهمال أضرم النار بجأشه، حاول كظم غيظه آملا في لاحق يرتجيه.
عبر الشارع يجرجر مر الخذلان،لا يلوي على شيء تائه محتار،فرأى نظرة احتقار بأعين العابرين، من سيهتم لهذا الأُشَيْعِثِ الأشيب ذي اللحية المجعدة والشعر المهمل المنساب على الكتفين ، ببنطاله القميء الأسود وصدارته المفتوحة على صدر عريض مفرطح قد شوهته سياط التعذيب فبدا كشبكة عنكب عجوز....
خطا خطوات معدودات كغريب من زمن متناس فانتابه دوار وغثيان أسند ظهره المقوس إلى الحائط يسترد أنفاسه المتقطعة، حتى يستوعب عودته المكلومة .
جال ببصره في كل الاتجاهات، تنفس الصعداء، آه يا وطني !
شاب الزمن وما نال من حبي لك!
ضاع شبابي فداك، و لست نادما غير حفاوة الاستقبال أذهلتني،نثرت شوكا أدمى قلبي و مقلي ....
كم كانت قاسية السنون لكن حبك كان يهوّن الفراق وهاأنني أعود كطائر مهاجر يبحث عن دفء لقياك... فما وجدت غير صقيع لفني رغم الصهباء.
مرت سيارة فارهة طشته ماء و وحلا فانتعش مستيقظا من غفوته ، مسح بكفيه المشققتين الخشنتين وجهه المتطاول الأسمر وقبّل قفاهما مرددا آيات الحمد و الشكر ، عشت هذه اللحظة و داعبني الأديم رغم الجفاء ثم رفع يديه إلى السماء مبتهلا ببعض أدعية قد تعوّد ترديدها لحظة التضرع و المناجاة ، فلمحه سائق السيارة ظانا أنه يكيل له السباب ، نزل على عجل من مركبته دون غلق بابها واتجه نحوه وبكل عجرفة، سبه وشتمه على صنيعه دون تثبت ثم صفعه بقبضة حديدية رجت ما تبقّى من أضراسه التالفة، صابا جام غضبه فيه بعدها ألقى به أرضا، و أوشك على ركله لولا أن حدّق بالشامة السوداء يسار خده الأيمن فتراءى له وجه معروف كراية نصر وسط ركام الزمان، كف عن شغبه و جبروته، سوّى سترته الأنيقة مهمهما " ما علاقتك بقلب الأسد ؟! "
جال ببصره مدققا ليجد عيونا ترمقه دون شفقة، نظر شزرا فانفضوا من حوله ، ثم ساعد الرجل على استعادة توازنه طالبا منه بطاقة هوية بلهجة المتعثر المرتبك، لم يكن صعبا على المسكين أن يتنبأ بما يخمّن فيه فرد غير مبال :
_ لا داعي للهوية، تعوّدت الهوان لأجلكم، وركلاتك لا تساوي شيئا أمام قلع الأظفار و وضع الدجاجة المصلية و الصلب و تشويه خلق الله... يداك غضتان رغم القسوة لمست فيهما حنانا و رأفة ، هاتها كي أقبلها...كبرت و أصبحت رجلا يا ابن بلدي، عندما رُحِّلتُ كنتَ في اللفة أكيد جدا...
أخفض السيد ممدوح رأسه استحياء و سبقته دموعه يقبل قدميه و يستسمحه، فنزل مستغفرا، " العفو، العفو "
_ مسحت كل همومي وأحزاني، لمجرد أنك تفطنت لوجودي وصمودي، أفضل من إطارات المطار وعملته ومن رجال الدولة، طوال الوقت كنت أتخيل مراسم استقبالي بين أعلام وطني المرفرفة عاليا على وقع النشيد الوطني، استقبالا يليق بمناضل مضطهد... قال لي السجان وأنا أغادر المكان إن وجدت حفاوة وطنك و نبل الاستقبال فهنيئا لك وإن أهملوك وعلى الأرجح هذا ما سيحصل اتصل بنا سنتعاون لبعث مشروع طال رفضك له. ..
أوشكت على الاتصال به، لولا صنيعك....
احتضنه طويلا ثم أركبه السيارة بكل تقدير متجها نحو مقر الحزب الحاكم كي يلفت نظرهم إلى واجب تكريمه فلم يسعفه أحد.
توجه به إلى مركز الإعلام الوطني كي يوقظ فيهم ضميرا ميتا فامتنعوا بدعوى أن الظرف لا يسمح و ربما سيشوّش عليهم المسار الانتخابي المنتظم قريبا ، تلبَّسه اليأس فحمله إلى بيته حيث تحمَّم وشبع ثم أغرق في نومة تنسيه شقاء عمر ضائع.
خلال تلك الفترة أخذ الرجل يجري بعض الاتصالات وصولا إلى مناصري "قلب الأسد" و بعض أهله فانتشر الخبر كالنار في الهشيم ودبت قشعريرة في كيان سياسي يخشى سطوة الماضي واستغلال تواجد هذا البطل لنصرة مجموعة معينة بينما اعتبره البعض الآخر مؤامرة خارجية لزعزعة أمن البلاد
وتقويض المسار السياسي ... كثرت التأويلات حتى فهم أن وجوده غير مرغوب فيه وشعر أن السجن كان أرحم عليه من وطن سكنه المتكالبون على عرش مهزوز ، حينها تساءل مقهورة من كان وراء إطلاقي سراحي إذا؟!! من دبر لتشييع جثمان هويتي و مبادئي و نضالات.؟!
لم يدم هذا الاضطراب طويلا إذ حالما خطا الرجل خطوتين خارج بيت مرافقه انهالت عليه طلقات مدوية أردته قتيلا، لا أحد يعرف من المسؤول وماهي دوافعه كل ما رسخ في الذاكرة أن كنيته و اسمه ردده كل الوطن من شماله إلى جنوبه وصوره علقت في البيوت والشوارع و ساند قضيته العالم العربي والغربي، بينما رفرفت روحه عاليا غضبى مستنكرة فاشتكت غبنها إلى الله .
عبر الشارع يجرجر مر الخذلان،لا يلوي على شيء تائه محتار،فرأى نظرة احتقار بأعين العابرين، من سيهتم لهذا الأُشَيْعِثِ الأشيب ذي اللحية المجعدة والشعر المهمل المنساب على الكتفين ، ببنطاله القميء الأسود وصدارته المفتوحة على صدر عريض مفرطح قد شوهته سياط التعذيب فبدا كشبكة عنكب عجوز....
خطا خطوات معدودات كغريب من زمن متناس فانتابه دوار وغثيان أسند ظهره المقوس إلى الحائط يسترد أنفاسه المتقطعة، حتى يستوعب عودته المكلومة .
جال ببصره في كل الاتجاهات، تنفس الصعداء، آه يا وطني !
شاب الزمن وما نال من حبي لك!
ضاع شبابي فداك، و لست نادما غير حفاوة الاستقبال أذهلتني،نثرت شوكا أدمى قلبي و مقلي ....
كم كانت قاسية السنون لكن حبك كان يهوّن الفراق وهاأنني أعود كطائر مهاجر يبحث عن دفء لقياك... فما وجدت غير صقيع لفني رغم الصهباء.
مرت سيارة فارهة طشته ماء و وحلا فانتعش مستيقظا من غفوته ، مسح بكفيه المشققتين الخشنتين وجهه المتطاول الأسمر وقبّل قفاهما مرددا آيات الحمد و الشكر ، عشت هذه اللحظة و داعبني الأديم رغم الجفاء ثم رفع يديه إلى السماء مبتهلا ببعض أدعية قد تعوّد ترديدها لحظة التضرع و المناجاة ، فلمحه سائق السيارة ظانا أنه يكيل له السباب ، نزل على عجل من مركبته دون غلق بابها واتجه نحوه وبكل عجرفة، سبه وشتمه على صنيعه دون تثبت ثم صفعه بقبضة حديدية رجت ما تبقّى من أضراسه التالفة، صابا جام غضبه فيه بعدها ألقى به أرضا، و أوشك على ركله لولا أن حدّق بالشامة السوداء يسار خده الأيمن فتراءى له وجه معروف كراية نصر وسط ركام الزمان، كف عن شغبه و جبروته، سوّى سترته الأنيقة مهمهما " ما علاقتك بقلب الأسد ؟! "
جال ببصره مدققا ليجد عيونا ترمقه دون شفقة، نظر شزرا فانفضوا من حوله ، ثم ساعد الرجل على استعادة توازنه طالبا منه بطاقة هوية بلهجة المتعثر المرتبك، لم يكن صعبا على المسكين أن يتنبأ بما يخمّن فيه فرد غير مبال :
_ لا داعي للهوية، تعوّدت الهوان لأجلكم، وركلاتك لا تساوي شيئا أمام قلع الأظفار و وضع الدجاجة المصلية و الصلب و تشويه خلق الله... يداك غضتان رغم القسوة لمست فيهما حنانا و رأفة ، هاتها كي أقبلها...كبرت و أصبحت رجلا يا ابن بلدي، عندما رُحِّلتُ كنتَ في اللفة أكيد جدا...
أخفض السيد ممدوح رأسه استحياء و سبقته دموعه يقبل قدميه و يستسمحه، فنزل مستغفرا، " العفو، العفو "
_ مسحت كل همومي وأحزاني، لمجرد أنك تفطنت لوجودي وصمودي، أفضل من إطارات المطار وعملته ومن رجال الدولة، طوال الوقت كنت أتخيل مراسم استقبالي بين أعلام وطني المرفرفة عاليا على وقع النشيد الوطني، استقبالا يليق بمناضل مضطهد... قال لي السجان وأنا أغادر المكان إن وجدت حفاوة وطنك و نبل الاستقبال فهنيئا لك وإن أهملوك وعلى الأرجح هذا ما سيحصل اتصل بنا سنتعاون لبعث مشروع طال رفضك له. ..
أوشكت على الاتصال به، لولا صنيعك....
احتضنه طويلا ثم أركبه السيارة بكل تقدير متجها نحو مقر الحزب الحاكم كي يلفت نظرهم إلى واجب تكريمه فلم يسعفه أحد.
توجه به إلى مركز الإعلام الوطني كي يوقظ فيهم ضميرا ميتا فامتنعوا بدعوى أن الظرف لا يسمح و ربما سيشوّش عليهم المسار الانتخابي المنتظم قريبا ، تلبَّسه اليأس فحمله إلى بيته حيث تحمَّم وشبع ثم أغرق في نومة تنسيه شقاء عمر ضائع.
خلال تلك الفترة أخذ الرجل يجري بعض الاتصالات وصولا إلى مناصري "قلب الأسد" و بعض أهله فانتشر الخبر كالنار في الهشيم ودبت قشعريرة في كيان سياسي يخشى سطوة الماضي واستغلال تواجد هذا البطل لنصرة مجموعة معينة بينما اعتبره البعض الآخر مؤامرة خارجية لزعزعة أمن البلاد
وتقويض المسار السياسي ... كثرت التأويلات حتى فهم أن وجوده غير مرغوب فيه وشعر أن السجن كان أرحم عليه من وطن سكنه المتكالبون على عرش مهزوز ، حينها تساءل مقهورة من كان وراء إطلاقي سراحي إذا؟!! من دبر لتشييع جثمان هويتي و مبادئي و نضالات.؟!
لم يدم هذا الاضطراب طويلا إذ حالما خطا الرجل خطوتين خارج بيت مرافقه انهالت عليه طلقات مدوية أردته قتيلا، لا أحد يعرف من المسؤول وماهي دوافعه كل ما رسخ في الذاكرة أن كنيته و اسمه ردده كل الوطن من شماله إلى جنوبه وصوره علقت في البيوت والشوارع و ساند قضيته العالم العربي والغربي، بينما رفرفت روحه عاليا غضبى مستنكرة فاشتكت غبنها إلى الله .