د. علي خليفة - تصوير شخصية هارون الرشيد في المسرح العربي

هارون الرشيد هو أشهر الخلفاء العباسيين، فقد ازدهرت الدولة العباسية في عصره، ونهضت فيها العلوم والفنون والآداب نهضة كبيرة، واستقرت الدولة استقرارا كبيرا، وعمها الرخاء مع اتساعها، حتى ليروى أن هارون الرشيد رأى غمامة في السماء، فأشار لها وقال: أمطري حيث شئت فسوف يأتيني خراجك.
وبسبب استقرار الدولة العباسية وازدهارها الكبير في خلافة هارون الرشيد (من سنة ١٧٠ حتى سنة ١٩٣ هجرية) فإن مؤلفي كتاب ألف ليلة وليلة جعلوه ممثلا لبغداد في بعض قصص هذا الكتاب، وبسبب ذلك زادت شهرة هارون الرشيد.
ونرى لهارون الرشيد صورا مختلفة في كتب التراث، فهو في كتاب ألف ليلة وليلة دائم الشعور بالملل رغم كثرة ما لديه من وسائل ترفيه، وهو يعالج سأمه المستمر، بالخروج للأسواق متنكرا، مع بعض بطانته ومنها وزيره جعفر البرمكي، والشاعر الظريف أبو نواس، وتحدث له مواقف طريفة خلال تنكره، كما نرى أمثلة لذلك في قصة أبي الحسن المغفل التي صاغها مارون النقاش في مسرحية له بعنوان أبي الحسن المغفل أو هارون الرشيد، وصاغ بعد ذلك بديع خيري ونجيب الريحاني مسرحية كوميدية من هذه القصة من كتاب ألف ليلة وليلة وذلك في مسرحية ياسمينة، كما أعاد سعد الله ونوس صياغة هذه القصة في مسرحية الملك هو الملك.
ونرى صورة مشابهة لهذه الصورة لهارون الرشيد في كتاب الأغاني للأصفهاني، وفي بعض كتب الطرائف والنوادر، فهو فيها شخص ميال للمرح والغناء والضحك.
ونرى لهارون الرشيد صورة أخرى مختلفة في بعض كتب التاريخ، كتاريخ الطبري والبداية والنهاية لابن كثير، وهو فيها شخص ورع تقي، يحج عاما ويغزو عاما ويقرب منه الزهاد والعباد، ويستمع لنصائحهم ويتأثر بها، ويبكي منها.
وربما كانت الصورة التي نقلها المؤرخون عن هارون الرشيد هي الأقرب للحقيقة لحرصهم على رواية الأخبار الصحيحة، ومع ذلك فالأقرب للتخيل أن نتصور هارون الرشيد شخصا متقلب المزاج، فهو كان مجتهدا في العبادة، ويتأثر بالوعاظ الذين يعظونه، ولكنه كان في الوقت نفسه يستمتع ببعض المتع المباحة كالاستماع للغناء، وتقريب بعض الظرفاء والمضحكين منه، كمضحكه ابن أبي مريم المدني.
وكان هارون الرشيد شديد الإعجاب ببطانته التي جمعت بعض كبار العلماء والموسيقيين والشعراء والظرفاء؛ ولهذا يروى عن هارون الرشيد أنه قال خلال نشوته وهو بين بطانته: يا آدم لو رأيت من حولي لسرك هذا، ثم شعر بالذنب فاستغفر الله لما قاله.
وغالبا ما نرى ثلاث صور لهارون الرشيد في المسرح العربي الحديث، فهو إما شخص يبحث عن اللهو والمرح ويتنكر في شخصيات مختلفة، ويسير بين الأسواق، وتحدث له مواقف طريفة خلال ذلك، كما نرى هذا في مسرحية هارون الرشيد أو أبي الحسن المغفل لمارون النقاش، ومسرحية مجالي الشعر والأدب في عصر الرشيد لتوفيق الحكيم.
وأحيانا نرى بعض كتاب المسرح العربي يصورون هارون الرشيد من منظور نظرة المؤرخين وبعض علماء الحديث له على أنه ورع زاهد، كما نرى ذلك في مسرحية بلغني أيها الملك لفتحي فضل، وهارون الرشيد في هذه المسرحية مثال الحاكم العادل الذي يحرص على تطبيق العدل بين كل رعيته بما في ذلك على نفسه، وهي صورة مثالية للحاكم العادل، وهي تعطي مثالا لما يجب أن يكون عليه الحاكم في عدله.
والصورة الثالثة التي نراها لهارون الرشيد في المسرح العربي هي صورة الحاكم الظالم الذي لا يهتم بغير ملذاته، ويغدر بمن يتقربون منه كالبرامكة الذين نكبهم بعد أن كانوا من أقرب الناس إليه وأعانوه كثيرا في حكم البلاد حتى نكبهم واستصقى اموالهـم، ونرى هذه الصورة السيئة عن هارون الرشيد في مسرحية لعبة السلطان للدكتور فوزي فهمي، وهارون الرشيد في هذه المسرحية شخص مريض بعقدة الأم، وقد أثرت عليه هذه العقدة في تعلقه بأخته العباسة على أنها بديل لأمه، وهو أيضا شخص ظالم لرعيته، وتعاني رعيته من الظلم والفقر، وهو لا يعبأ بهذا، بل يسعى لإرضاء رغباته في اللهو.
والصورة الأخيرة التي رأيناها لهارون الرشيد في مسرحية لعبة السلطان بعيدة عن كل الصور التي رأيناها له في كتب التراث، فهو لم يكن ظالما لرعيته، ولم تكن رعيته تعاني الفقر في عصره، وربما كان خطؤه الوحيد هو نكبته للبرامكة، ويقال: إنه ندم على ذلك فيما بعد.


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى