طلعت قديح - إطلالة من كلم "إلى كاترين"

بابتسامة ملائكيّة
كانت تغزل الصباحات
تهيئ الأصابع
وتضع حياتها على مائدة الوجد
يتيم هو الشاطئ
والقلب ينزف طفولتها في غربة الأيام
بينما ترسم أنت الغيمات في الزرقة
تدق مساميرك
وتعلق مفتاحك الوحيد
راحلًا نحو الفجيعة الكبرى.

(نداء عادل)

والغزل مناطه الإتقان في العمل، لكن ثمة فرق بين العمل بجد، وبين العمل بحب، ولذا كانت الالتقاطة معبرة عن محبة الفعل بعد وصف.
الابتسامات تهيئ الوجه للإشراق، فكانت "تغزل الصباحات" سيرورة رائقة لنتاج "ابتسامة ملائكية".
هناك اختزال لافت لفعل الهدأة، يعقبه بدء حركة فعلية ذات مدّ مستمر "تهيئ الأصابع"، فيه سابق الفعل للوصول للتهيئة.
المقتطف مائي الإشراق في إحساس الخطو، فنرى "الشاطئ" "الغيمات" على الرغم من تشعب الصور والتراكيب، إلا أن الحركة لا تهدأ، معبرة في ذلك عن صورة بانورامية كانت الحركة فيها هي الأفعال المضارعة، "تغزل .. تهيئ .. تضع .. ينزف ..ترسم ..تعلق"، هذه الأفعال تعبر عن استدارة للالتقاطات الحسية المؤطرة في شكل مقتطف من حالة شعورية، ترسمها الكلمات.
رسم خطوط النص المقتطف 3 إدراكات:
1- بدء الالتقاطات "بابتسامة ملائكية".
2- كليك وصفي "يتيم هو الشاطئ".
3- راحلًا نحو الفجيعة الكبرى.
الإحاطة التصويرية؛ ارتبطت بتعدد المشاهد ومحركاتها، بمعنى أن الابتسام اقترن بالملائكية والصباحات، وكأن ذلك إعلام بنقاء الصورة في تخلّقها البِكر، ثم تشدّ رحال الحرف للوجد؛ الذي يجعلنا نفكر في الاختلاف بين الوجد والقلب!
وأحسب - وهذا رأيي - أن القلب إحساس فعلي يتوافق مع ما يكون ضمن أداة فعلية تؤثر عليه، أي أنه يكون في حركته تحت المعطيات والبرهان لاتخاذ قرار، أما الوجد؛ فهو المحل الذي إن توصل إليه، لا يكون إلا لبلوغ عميق، يملك عصب المشاعر.
ولذا نرى أن الوجد اقترن بـ "تضع حياتها" = تسليم.
والقلب فيه اقتران بحالة بـ "ينزف طفولتها...."=تفاعل بين أخذ ورد.
ونلاحظ انشقاق المقتطف إلى شطرين، كان محدداهما:
1-
بابتسامة ملائكيّة
كانت تغزل الصباحات
تهيئ الأصابع
وتضع حياتها على مائدة الوجد
يتيم هو الشاطئ
والقلب ينزف طفولتها في غربة الأيام.

2-
بينما ترسم أنت الغيمات في الزرقة
تدق مساميرك
وتعلق مفتاحك الوحيد
راحلًا نحو الفجيعة الكبرى.
وبين هذين الانشطارين؛ دارت رحى التفاعلات في الغوص في صراط بينهما، ليكون:

(والقلب ينزف طفولتها في غربة الأيام)
هو المعبر عن محرك الفعل والتأثير بين الإدراكين.
ملاحظين أن المقتطف النصي، اعتنق الأمكنة بعدما كان البدء في الزمن الصباحي، ولذلك كان التركيز على الذاكرة المكانية كـ "مائدة .. شاطئ .. الغيمات .. وغيرهم" من الواضح أو المستتر.
وختام المقتطف واضح نحو مكشوف "راحلًا نحو الفجيعة الكبرى" وفي حقيقته استتار فيما ماهية "الفجيعة الكبرى"!

هذا بعض من إطلالة على مقتطف من نص "إلى كاترين" من كتاب"حكايات لجبين كاترين" للدكتورة نداء عادل الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب.

طلعت قديح

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى