د. علي زين العابدين الحسيني - بقاء

أشدّ الناس حزناً حزين لا يعرف سبب حزنه، وأشدهم هماً مهموم لا يدري ما أهمه.
ما هذه الحياة التي تسعدنا يوماً وتحزننا أياماً؟ وما هذه السعادة التي تحيينا يوماً وتميتنا دهراً؟
ليس الحزن الذي يحدثه الهم كالحزن الذي يوجده الألم.
ما تعاظمت همتك وتاقت نفسك إلى المعالي إلا وهانت كلّ صعوبات الحياة من أجل تحقيق أهدافك.
هذه النفوس الكبيرة تشقى بالحياة وهي في الحياة، ليس لأعمالهم الدؤوبة انقضاء ونهاية.
ما عملوا عملًا شاقاً إلّا بلغوا به رتبة رفيعة.
وفي العزلةِ حياةُ الروح والقلب والجسد.
ما أجمل الحياة حين تمتلئ رقة ونوراً!
ما أقلّ فهم مَن يؤثر الراحة الزائلة على الآثار الباقية! قلّ من يتأمل ويعقل.
ما أغربك عندما تطلب عوناً من لئيمٍ، أو تأخذ بنصيحة حاسدٍ، أو تستشير من امتلأ قلبه حقداً عليك!
من حسنات الحاقدين أنّهم لا يخفون حقدهم طويلًا.
هذا تاريخ اللؤماء حقد وحسد وتجن وغيبة وعداء.
سرقت عقولهم الأوهام، وأتعبتهم المراقبة، وأذبلهم الحرص، ثم يذهب المجدون يتنعمون بمآثرهم.
اجعل يارب قوة قلمي مضارعة لقوتهم كي لا يكون النصر إلّا لأهل الصدق!
لو عرفتَ أن تبتعد عن الحياة المثالية وتتجنب الأخلاق الراقية جانباً لصرتَ قوياً يخاف منك الناس.
ما أظلم مَن خبأ عنك أحزانه ليسعد قلبك.
أرغب الناس في المظاهر أقلّهم عملًا، أما العاملون بصدقٍ فأرغبهم عنها.
المظاهر نقاب يخفي ملامح النجاح، والدعاوى قناع يستر وجه الحقيقة.
ما انكشفت الحقائق حتى انهزم الأشرار، وفي وجوههم خيبة العمر وحسرة الأيام، فلا يجدون غير الكلام والشكوى بعدها، يعترضون على النتائج، ولا يحفلون بالأسباب.
أنا وأنتم مأخوذون بما يكون من آثارنا، بعيدون عن الصور الملونة بقصدٍ من أفعالنا.
هل نبقى مشغولين عن المنفعة العظمى بسفاسف الأمور وصغائرها؟ وماذا عسى نفعل ونحن غافلون عن تحديد طريقنا؟
كلّ الكلمات في وقت الانفراجات أفعال محتملة من أناسٍ كثيرين لا يعول عليها، فإذا ما وقعت الشدائد صارت من بعضهم حقيقية يستعان بها.
بعض الناس لا يسمع أبداً، والبعض يسمعون بعقولهم، والبعض بقلوبهم، وأفضلهم من يسمع بعقله ويصدق بقلبه.
أنا لا أبدل شقاوة الناس بسعادة قلبي، ولا حاجتهم بتلبية رغباتي، ولا أحزانهم بمسرات أيامي.
رقد الطيبون في مساكن الطمأنينة وراحة البال، وتسابقت نفوسهم نحو مراسح الأحلام والآمال.
إنّما الأمل بقاء سرّ الحياة.
أنتم حياة هذه الحياة!


د. علي زين العابدين الحسيني - كاتب أزهري

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى