أسامة إسبر - ما يظل هارباً مني

لا أحد يستطيعُ أن يُعلّمني ما أقولهُ عنكِ،
ولا أريد أن يُمْلي عليّ أحد.
قد أبالغُ في وصف تنورتكِ
وقد أغفلها،
قد أمدحُ بقايا المسكرة على أهدابكِ
أو نثرات الكحل على جفنيكِ
بعد أن تزيليه
قد أمجّد تقشّر طلاء أظافركِ
قد يلفتُ نظري خاتمٌ في إصبعكِ،
أو شامةٌ في صدركِ،
أو أثرُ جرحٍ
أو ندبة حرقٍ.
في الشَّعر الذي ينسدلُ فوق كتفيكِ
قد أحب شعرة بيضاء تتخفّى
أو تطير كنسالة الخيوط.
قد أصغي إلى صمتكِ
وألواح أبجديته لم تُكتشف بعد،
وأترجم سطوره
وأقرأها لنفسي
كي أحفظها عن ظهر قلب.
قد ترتجفُ كلماتي أمام قبلةٍ من شفتيكِ،
وتتحول إلى موسيقى
قد أذوب من لمسة أصابعكِ وأتحوّل إلى عطر
أو نسيمٍ،
أو ربما إلى غيمة تمطرُ.
لن أتحدّث عن عريكِ
لن أقول إنه يشرقُ
كما لو أن الشمس تطلعُ منه،
وأنه يبدّد عتمة جسدي.
لا أدري ما الذي يمكن أن يحدث لي
حين ترمشُ عيناكِ
أو تومضان، كما لو أنهما تنقلان رسائل النجوم،
أو ربما رسائل المجرات،
أو ربما تريدان أن تهمسا لي بشكل مباشر
أن تطمئناني أنني هنا،
في محيطكِ الحيوي
في مدار جاذبيتك
أتطوح بعد أن أتذوق تفاحة التكوين
دون أن أصل إلى أرضٍ.
هذا ما أريد أن أعيشه معكِ:
أن تلمس أصابعكِ مفاتيح بيانو جسدي
وتبتكر ألحانها وتُسْكرني كي أرقص معكِ
إلى أن تلتبس عليّ الجهات
وأفقد جسدي ثم أعثر عليه بين ذراعيكِ.
هذا ما أريد أن أعيشه معكِ:
أن تداعب أصابعي أوتار عودِ جسدكِ و غيتاره
وتصارع كي تقبض على الإيقاع
أو تبحث عن مقامات لا يعرفها أحد.
لا أحد يستطيع أن يعلّمني ما أقولهُ عنكِ
يقولون: يشطحُ في لغته
يُكثر من استخدام الاستعارات والصفات
يكرر العبارات المألوفة
لا يشذّب لغته ويمحو العبارات الزائدة
لا يعصرُ جسد اللغة كليمونة حامضٍ
لا يشربُ من رأس الينبوع
لا يقلّم أشجار بساتينه.
غير أنني لا أكترث بتعاليمهم
فما يقولونه إملاءات
وأنا لا أحب المتربعين على الكراسي،
من يقيدون حريتي في التحدث عنكِ.
فأنا حين أصفكِ
لا أعرفُ ما الذي يحدث للغتي
تفلتُ من سيطرتي وتتموّج
ترتفع عمودياً في بحر اللغة
أو تجف حتى لا يبين من قاعها سوى الرمل.
وأحياناً ينبت على جناحيها زغبٌ لا يطول
فتعجز عن التحليق
وفي أحيان أخرى ينبت ريشٌ
فتحلّق وتأخذني في رحلة في الفضاء
ويكون هذا سفرٌ فيك لا يصلُ إلى أي مكان.
ثم تتمرد لغتي
تصير كائناً منفصلاً عني
كأنه عجينة جُبلت بأصابعك
ودبت فيه روحٌ منكِ.
آه، أعرف، أعرفُ أنني أحتاجُ إلى وقتٍ
كي أفهمَ جسدكِ،
أعرف أنني أحتاج إلى وقت
كي أفكّ لغات دُوّنَتْ على جلدكِ،
كي أقرأ رسوم كهوفكِ.
أفهم أنني أحتاج إلى لغة أولى وثانية وثالثة ورابعة وخامسة
إلى أن أترجم ما توحينه لهذه اللغات لنفسي.
وها أنت ملتصقةٌ بي الآن.
لن أقول هذا توحّد
لن أقول هذا عبورٌ فوق جسرٍ ووصولٌ
لن أقول هذا سفرٌ إلى بلاد أخرى
لن أقول هذا تحقّق ورعشةٌ
لن أقول هذا سَقْفٌ
أو اجتيازٌ لحدودٍ
سأقول: هذا تأويلٌ
قراءةٌ أخرى
لما يظلّ هارباً مني.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى