طيبة فاهم ابراهيم. - المصارعة الكابوس

منذ صغري، تأثرت ببطلة مصارعة عالمية يطلقون عليها لقب (كابوس الليل)، والتي لم تكن بطلة مصارعة فحسب، بل اسطورة من اساطير القوة والثقة بالنفس والكمال الجسماني والشجاعة.
كل ما أعلمه عنها ان اسمها هو انديرا، طويلة ذات جسد من فولاذ، عندما تواجه أية خصمة، فانها تقدر وقت القضاء عليها، دقيقة او دقيقتين، ولم يتجاوز اي نزال لها الخمس دقائق بحال، حتى أصبحت انديرا كابوسا حقيقيا للمصارعات، لا تكاد احداهن تنام الليل قلقا من مواجهتها، وهي قبل الجمهور تضمن خسارتها أمام أعظم بطلات التاريخ كله.
لم ازل اذكر وانا في أول أيام مراهقتي، كيف كنت احلم بأن ابلغ القمة التي بلغتها انديرا، وكيف يصبح النزال معي كابوسا لغريماتي، وان اسيطر على اللعب منذ اَول ثوان، واخصم النزال لصالحي دون متاعب.
عندما كنت اقلب احدى المواقع التي تتحدث عنها، وضعت مدربتي واستاذتي السيدة أمل يدها على كتفي بحنو تام وسألتني عما أطالع، وحين اجبتها اني اطالع منجزات القمة انديرا، كان جوابها راقيا جميلا حكيما :
- اراها فيك، واراك فيها، المحال ما نراه محالا غاليتي.
- لكن.. ايمكن ان أبلغ ما وصلته انديرا؟
وستكونبن كابوسا يجثم على صدور خصماتك، بعد ان يتقطع جسدك تعبا وانت تتسلقين القمة..
لم يكن الطريق يسيرا، كنت ارتاد صالة الحديد حتى يذوب جسدي في الحديد ويكاد قلبي ان يتوقف، بدأت اعشق بساط المصارعة، فهو بساط الريح نحو امنياتي، لا ابالي بالمسكات العنيفة والسقطات الموجعة وانحناءات الجسد المبرحة الالام، ففكري مشدود نحو غاية اود ان ادركها، وبيني وبينها جسر من نار اود السير عليه وان استعرت قدماي.
بقيت عبارة قدوتي البطلة انديرا تجول بخاطري، تلك التي تقول فيها : لا تطلب من احد مصارعتك مالم تكن قادرا على تمزيق البساط.
كنت اظهر شيئا قوتي على البساط عبر قهري لزميلاتي،وأدخر قسطا طيبا منها افاجيء به متحدياتي في البطولات، ففزت ببطولة المحافظة وبطولة الجنوب وبطولة العراق، وصارعت بطلات عربيات وقهرت بطلات افريقيا، حتى اصبح الفوز عندي مسإلة وقت ليس الا، فكم من مدعية للقوة جعلتها تعلم معنى القوة، وكم من مصارعة جبارة جعلتها صريعة جبروتها، وكم من فتاة ظنت نفسها سيدة الحلبة وكانت نهايتها على يدي، حتى جاء اليوم الذي سأنازل فيه بطلة البطلات آمال، تلك التي تلقب بلبوة الحلبة، التي واجهتها قبل النزال ببوم في لقطة الوزن والاستفزاز، فلمحت بعينيها نوعا من الخشية والخوف، لكني لم آبه كثيرا به، وبقي استعدادي لنزال يوم غد الكبير هو شاغلي.
استسلمت لنوم عميق بعد تدريب شاق، وما كادت الساعة ان تنازع منتصف الليل، حتى كانت طرقات الباب على باب حجرتي في الفندق توقظني وانا غارقة بنوم اعمق من بحر.
نهضت بتثاقل، وحين سألت عن الطارق فوجئت بصوت متحديتي آمال وهي تهمس بان افتح، فسحبتها وادخلتها الحجرة ورحبت بها وكلي قلق من ان يكون أمر جلل قد حصل، لكنها وما ان جلست حتى قالت لي بالحرف الواحد : لم يحدث شي، كل مافي الامر انه كابوس لا اكثر..
سألتها : أي كابوس يا حبيبتي؟
اجابت : لم اذق طعم النوم، نزالك هو الكابوس ومصارعتك هي الهم الاكبر، صدقيني انت المصارعة التي يلقي سوء الحظ كل - بطلة لملاقاتها..!!
- وما المطلوب يا حبببتي؟ ان اخسر أمامك؟
- كلا.. ان ارتاح بالخسارة أمامك دون خسارة..
- لم افهم شيئا..
غدا ستفهمين كل شي.. لكن تذكري.. انك وبحق كابوس يؤرق كل من تنافسك.
غادرت آمال الحجرة، بعدما طبعت على خدي قبلة، ثم وما ان حل الصباح حتى اخبرتني مدربتي ان خصمتي انسحبت لشدة مرضها !!
حين وضعت حزام البطولة في حقيبتي، سجدت لله شاكرة ان جعلني مثل انديرا التي تمنيت يوما ان اكون مثلها، وحين اتصلت بأمي واخبرتها بما جرى قالت لي بحنو تام :
بلى بنيتي، كوني كابوسا على خصماتك داخل الحلبة، واياك ان تكوني غير فردوس حب ومودة وطيب خارجها، فقد خلقت لتكوني قلبا يضم الجميع، وذراعا من فولاذ يحطم من تحاول ملاواته.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى