ومما أثار الدهشة في الضاحية الغربية كلها أن عبد الله هذا قد تجاوز بعصبيته الطارئة حدود الأدب في ضاحية شعبية مشهورة بنزعتها التقليدية، فشبانها كانوا إذا أرادوا شيئا من العبث واللهو يقطعون مسافة الكيلومترين تقريبا ليصلوا إلى وسط المدينة حيث تنتشر الحانات أو أنهم يلوذون بالجبل الغربي الفاصل بين الضاحية وبلدة سيدي عمار وكان ذلك مكلفا جدا الأمر الذي جعل هذه الخرجات العبثية خرجات موسمية تحدث في السنة مرتين أو ثلاث مرات. دهشة عمت أهالي الضاحية كلهم وأنستهم دهشتهم الأولى منذ عشر سنوات خلت حين رأوا عبد الله هذا خلافا لما اعتادوا عليه يقيم بينهم ولا يسلم على أحد منهم فضلا عن الوقوف معهم أو الجلوس إليهم في مقهى من المقاهي المتلاصقة المحيطة بساحة الأمير عبد القادر وسط الضاحية. ثم حين رأوه لا يفتح نافذة من نوافذ بيته الأربعة المطلة على نهج يوغرطة الطويل الضيق الرابط بين أعلى الضاحية في حي البساتين وأسفلها في حي فرحات حشاد. كان عبد الله بالنسبة إليهم رجلا آليا بلا مشاعر ولا قيم فاكتفوا بمراقبته من بعيد ولم يجرؤ أحد منهم على الاقتراب منه لا خوفا منه ولكن حذرا مما قد يصدر عنه من ردود أفعال وخيمة العاقبة. وبمرور الوقت اعتادوا على وجوده بينهم وحافظوا على الجدار الذي كان يفصله عنهم. واختاروا بدل الاجتراء عليه أن ينسجوا عنه قصصا كثيرة ونوادر تشبه إلى حد بعيد أفلام الوسترن أو أفلام الرعب التي كانوا يتابعونها كل ليلة سبت على شاشة التلفزيون الإيطالي وأشهر حكاية خيالية عنه تلك التي رواها الشيخ البوني صاحب الحمام الوحيد في الضاحية. قال: عبد اللّه هذا ولدته أمه في ڨرة العنز وهي كما تعلمون أشد أيام الشتاء بردا. وضعته المسكينة في خربة ولاذت بالفرار خوفا من أن يدركها أحد. فقيل له: أكانت أمه بغيا؟ فقال: لا تظنوا بها سوءا. ولكنها فرت من ولدها هذا لما رأت في وجهه فور خروجه من بطنها من بثور ثم إنها تركته فأخذه أحد المارة وهو يعوي عواء الذئاب فألقاه في واد فجرفه السيل فوقع في قعر بئر روماني تسكنه الجن فنشأ بينهم وتطبع بطباعهم. ألا ترون في وجهه تلك الخدوش الغائرة؟ سرت هذه الحكاية في الضاحية كلها وتناقلها الرجال والنساء والأطفال حتى بات في نظرهم جنيا في صورة إنسى ولعل ذلك مما جعل نساء الضاحية كلها يتوافدن على كتّاب الطاهر المؤدب ليصنع لكل واحدة منهن حجابا يقيها شر هذا الجني المتخفي في صورة إنسيّ اسمه عبد الله.