أ. د. مصطفى رجب - قومي إلى الكاس

قومي إلى الكاسِ فاسقي الناسَ وانسحبي = وزاوجي السحرَ في الأجفان بالغضبِ
إني أرى في عيون القوم مخمصةً = للخصر والنحر والتفاح والعنبِ
تبدو الدناءة في أبصارهم صورا = من خسةٍ نتنةٍ مجهولة النسبِ
قومي بهيةُ ....إن القوم جوعُهمُ = للجنس ، من بعض جوع النار للحطَبِ
ألقوا على قدك الفتان في نهم = إذ رحتِ تمشين أشواظا من اللهب
لم يرحموا منك أبناء مجدلة = أجسادهم في متاهات من الكثب
لم يرحموا لطمات الدهر بادية = على جبينك ذاك المرهق الشحب
لم يفهموا بسمة الإعياء هازئة = حيرى على الثغر لم تسأل ولم تجب
قومي بهيةُ ماعادت مجالسنا = مجالس الهزل والتهريج واللعب
يكفي الذي ضاع منا وقت صبوتنا = ولنضبط النفس إن الوقت من ذهب
القوم ليس لهم في أرضنا وطر = سوى التسلي بماضينا أو العجب
القوم ليس لهم هم سوى عبث = يقوده مطمعٌ في خدك الترب
آويتهم وفتحتِ الباب ضاحكةً = والبشر عن وجهك البسام لم يغب
حميتهم من عدو حل دارهم = لا حل ضيف ولكن حل مغتصب
أطفالنا حُرموا من كل ما ملكت = أندادهم من مراجيح ومن لعب
شبابنا لم يفكر في بناء غد = تَزِينُه زوجةٌ في ملبس قشب
تعلموا في ظروف لم نلم بها = إلا لتنظيف جلد العرب من جرب
لم يدرسوا علم تخطيط وتنمية = بل علم ما يقتضيه منطق الغضب
تعلموا ثورة الأحرار كاسحة = يقودها الثأر للأمجاد والحسب
تعلموا منطق الصاروخ منتفضا = لا منطق العجز والتهديد والخطب
أبناء رمسيس مذ كانوا فراعنة = تعنو الليالي لهم من سالف الحقب
لم يرهبوا الموت والأهرام شاهدة = أحجارها صرخات القهر والرعب
أحجارها لغة الأقوام باقية = تزيل ما قد يلف النفس من ريب
تعلم الناس أن المجد كان لهم = عبدا يسير ورهن الأمر لا الطلب
قومي بهيةُ إن الكأس فارغة = فلتملئيها من الأحقاد والغضب
قومي بهيةُ إن النفس ظامئة = للثأر والدم لا للرقص والطرب
يا مصر إن فؤادي هده ألمٌ = ألمَّ مما أصاب العرب من عطب
فنحن يا مصر مرضى عز داؤهمُ = على الأساة فلاذ الطب بالهرب
تغيرت لغة الأعراب فانقلبت = فصاحةُ الحرف لحنا أعرجَ الخبب
واستعبدتنا مفاهيمٌ مزركشةٌ = ألوتْ بما ورَّثتْنا أنضرُ الكتب
صرنا ذيولا لمن كانوا توابعنا = من ألف عام وليس الرأس كالّذَنَب
شقاؤنا في عبادات مزيفة = لما اصطنعنا من الألقاب والرتب
يا مصر ..إن ضمير الحر يقتله = إذا تردد بين الموت والغضب
فلتغضبي قدر ما بالقلب من غضب = ولتسقطي كل ما بالنفس من كُرَب
وعلمينا إذا ما الخَطْبُ حلّ بنا = أن ندرأ الخَطْبَ بالصاروخ لا الخُطَب
وعلمينا إذا اهتزت مواقفنا = أن نترك الساحَ للأبطال لا الكتب
وعلمينا –وكم علمتِ من أممٍ = أن ننتضي السيفَ للأرزاء والنوب
( فالسيف أصدق أنباءً من الكتب = في حده الحد بين الجد واللعب )
قضية الأرض والمحتل قائمة = من نصف قرن عن الأبصار لم تغب
وقومنا العربُ ( الثُّوار!) سائحة = ركابهم في شعارات مع السحب
" لا صوت يعلو .." و" إسرائيل زعنفةٌ = مزعومة "... وهتافاتٌ من الصخَب
وواقعُ العُرْبِ : تحشيشٌ وعربدة ٌ = وساقطاتٌ يبعن الجسمَ بالذهب
قومي بهيةُ ...إن النفس قد غثيتْ = فلقنينا معاني العزم والدأب
وأيقظي ( حافظا) من نومه فزعا = ليسمع العُرْبَ أبياتا على كثب :
( إذا نطقتُ فقاع السجن متكأ = وإن سكتُّ فإن النفسَ لم تطبِ )!!
(القوم في مصر كالإسفنجٍ قد ظمئتْ = بالماء ، لم يتركوا ضرعا لمحتلب )



==================
مصطفى رجب
8 مارس 1978
هذه قصيدة قديمة لي فزتُ بها بالمركز الأول في الشعر على مستوى جامعة أسيوط وفروعها في سوهاج وقنا وأسوان ، ولم أنشرها من قبل في أي من دواويني التي صدرت ، فقد عثرت عليها اليوم – مصافة – في كراسة قديمة بخط يدي .. وكان الذين يحكِّمون تلك التصفية بين شعراء الكليات المرحومان الشاعران: السيد النخيلي [صدر له ديوان عام 1930] ومحمد علي مخلوف [له عدة مؤلفات ودواوين]

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى