د. محمد الهادي الطاهري - نجوم السماء

في ليلة من ليالي جويلية من سنة 1996، ولم يكن الحرّ ليلتها كحرّ هذه الليالي،استلقى الإشكيمو على ظهره أمام الحوش وتعلّقت عيناه الوقّادتان بنجوم السماء يعتزم عدّها. فجأة قفزت إلى رأسه فكرة عجيبة. قال في نفسه " لابدّ أن الهذبة بنت عمارة المدّب مستلقية هي ايضا أمام الحوش. ولابدّ أن أهلها كلّهم يعدّون مثلي نجوم السماء" ثم قفز واقفا وطاف بالحوش ثلاثا فلم تلتقط أذناه صوتا عدى صرير الصرّار وهو عنده علامة على السكون فلا يصرّ الصرّار إلاّ إذا سكن الخلق كلّهم. وتسلّل إلى حوش عمارة المدّب يمنّي النفس بالهذبة وتخيّلها غارقة في تيهها تعدّ نجوم السماء فقال: سأهمس في أذنيها وسأقول لها: تلك سبعمائة نجمة ونسي أن الحوش كلّه محاط بسياج من التين الشوكيّ وأن البوابة الوحيدة إلى فناء الحوش ضيّقة ويحتاج من أراد العبور إلى الحذر حتّى لا تصيبه أشواك السياج. ومضى يخطو ولا شيء في رأسه سوى صورة الهذبة. تخطّى البوابة وتراءت له أشباح لم يدر ما هي. توقّف دقيقة أو دقيقتين لعلّه يدرك سرّ تلك الأشباح ثم قال: هي أعمدة فزّاعة صنعها عمارة المدّب ليرهب بها اللصوص والذئاب . واطمأن إلى تأويله فتقدم خطوتين وإذا بكلب لم يقرأ له حسابا يهاجمه. لم يدر إلى أين يفرّ فسياج التين الشوكي عال متين والبوابة ضاعت وإن صاح من الفزع وطلب النجدةافتضح أمره وإن تقدم نحو الحوش ظفر به عمارة المدب وربّما هبّ الأجوار كلهم إليه وأشبعوه ضربا وإن ظل واقفا في مكانه جاءه الكلب وفعل به ما لا يطاق فرمى بجسده في السياج. لا يدري كيف تيسّر له العبور وكل ما يذكره أنّ اصطداما عنيفا بينه وبين السياج قد جرى في بضع ثوان. الكلب ينبح من خلف السياج نباحا مخيفا والاشكيمو من الجهة الأخرى يئن أنينا خفيفا. الحمد لله. لم يفتضح أمره. ومع طلوع الفجر رأته أمّه مستلقيا حيث كان يستلقي. نادته فلم ينتبه. لكزته بطرف عصاه الملقاة بجانبه فتوجّع. جسده مزرعة أشواك. وفي موضع كل شوكة انتفاخ. انتفاخ في العينين والأنف والأذنين وفي الصدر والبطن وفي الذراعين والساقين. سئل عن السبب فلم يقل شيئا. ثم روى قصّة عجيبة. قال: كنت البارحة مستلقيا أعد نجوم السماء فإذا هي سبعمائة ثم رأيت النجوم تهوي عليّ كما تهوي السهام. ضحك القوم من حديثه ووصفت له إمرأة عجوز دواء. قالت: شيء من عسل النحل المصفّى تسقي به الأشواك المنغرسة فإذا تهيّأت للخروج نزعتها وطليت مواضعها بزيت الزيتون. قال الإشكيمو: وكانت وصفة عجيبة ولا عيب فيها سوى أن الذباب والبعوض قد أخذا منّي كل مأخذ ولا صبر لي على لسعاتها فكنت أحكّ موضع اللسعة حتّى ينزّ الدم فتأتي أمي بالعسل مرة أخرى فيزداد الدباب والبعوض. وظللت كذلك أسبوعا أو يزيد. قالت الهذبة: وكانت نجوم السماء ليلتها أزيد من سبعمائة. فطأطأ الأشكيمو رأسه خجلا وتمتم قائلا: سبعمائة وسبع سبعون نجمة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى