هل كان استياء الهذبة ممّا أتاه الإشكيمو حين اعتذر للجماعة عمّا بدر منه علامة دالّة على ما قد يكون بينها وبين الإشكيمو ؟ سؤال سكن في رأس الإشكيمو حين بلغه الأمر، وظلّ يراجع تاريخ علاقته بها فلم يقف على شيء. فالهذبة لا تكاد تمرق من سياج التين الشوكي المحيط بمنزل أبيها من كل ناحية إلاّ قليلا. وإذا حدث أن مرقت تكون ملفوفة في حجاب أبيض يسميه الناس السفساري، ولم يتسن لللإشكيمو أن يراها إلاّ رفقة أبيها أو أمّها.وكان في الحقيقة لا يرى شيئا سوى ذلك الجسد المتحرّك الملفوف في البياض. أمّا صورة عينيها الواسعتين السوداوين وصورة شفتيها الغليظتين وصورة شعرها المعقوص فقد كانت كلّها صورا من نسج الخيال ابتدعها الإشكيمو لنفسه وركّب عناصرها ممّا بلغه من أحاديث الرجال والنساء عن الحسناوات. والهذبة فتاة لم يتسنّ لها أن تدخل المدرسة كما دخلها الإشكيمو وخرج منها خروجا لافتا حيّر القرية كلّها. وكيف لفتاة مثلها أن تكون بينها وبين الإشكيمو قصّة؟ لابدّ أنّها بنت هي الأخرى للإشكيمو صورة من خيالها. فقد تصورته شابّا متينا بساعدين مفتولين وعينين وقّادتين وأنف طويل معقوف، ولكنّه في الحقيقة كان شابّا أعرج، أجعد الشعر أفطس الأنف بعينين ضيّقتين ورأس في هيئة الإجّاصة. صحيح أن ساعديه مفتولان ولكنّ صدره الضيّق جعلهما بلا معنى. قال الإشكيمو: ما الذي يجعل الهذبة تعشق هذه الصورة؟ لو رأتني رأي العين لولّت هاربة منّي. ثم قال: هل يثعقل أن تكون الهذبة على هذا القدر من انحطاط الذوق؟ المسكينة، لقد أحبّت أشياء أخرى يسمّيها المعلّمون قيما عليا. وانتهى من حيرته إلى استنتاج فيه شيء من الفلسفة فقال: لابدّ أنّها مستاءة منّي لأني تنازلت عن رجولتي التي أبديتها من قبل. والاستياء لا يكون إلاّ بعد ارتياح. الهذبة ارتاحت إليّ حين بلغتها أخباري وها هي اليوم مستاءة منّي بعد أن سمعت قصّتي مع الجماعة حين اعتذرت ورضخت. كيف لي أن أعيد للهذبة ارتياحها إليّ؟ هل يجب أن أتمرّد من جديد؟ وعلى من سأتمرّد؟ وهل ستثق في ثورتي الثانية بعد أن رأت ثورتي الأولى هباء منثورا؟
J’aime
Commenter
Partager
J’aime
Commenter
Partager